هناك مثل يضرب في مناطق الفرات الاوسط على الأشياء التي لا تفهم فيقال عنها ( كطين حنون آل شعلان ) ، وقصة هذا المثل ان (حنون آل شعلان) احد شيوخ العشائر في المشخاب كان قد سافر الى لندن للعلاج وذلك في اربعينيات او خمسينيات القرن الماضي . وبعد عودته من لندن جلب معه بذور لنبتة اليقطين من هناك ، وعندما زرعوها في المشخاب اخرجت ثمرة يقطين غريبة الشكل لم يشاهد المزارعون مثلها من قبل ، وعندما طبخوها باضافة المعجون اليها وجدوا ان طعمها غير سائغ فحاولوا طبخها بجميع انواع الطبخ وباضافة التمر هند مرة وباضافة السكر مرة اخرى ولكنهم لم يحصلوا على طعم لهذا اليقطين ولم يتمكنوا من الأستفادة من هذا الزرع واصبح ( كطين حنون آل شعلان ) مثلا يضرب على كل قضية غريبة ومبهمة ولا يعرف وجه الحيلة في التعامل معها .
وفي آخر ما توصلت اليه العبقريات السياسية في عراق الرافدين ظهر نوع جديد من الحكم على طريقة ( كطين حنون آل شعلان ) . فالحكم في العراق ليس ديمقراطيا ولا دكتاتوريا ولا جمهوريا ولا برلمانيا ولا ملكيا وانما هو نوع جديد وهجين بل انه " مسخ " بكل معنى الكلمة ، حيث يحمى الفاسد تحت مظلة الحصانة ويبرئ القاتل تحت مظلة عدم كفاية الأدلة وينعم المجرم تحت مظلة حقوق الانسان وكل الأعمال المشينة تجد من يبررها ويجد لها مخارج دستورية وقانونية لتستظل بمظلة الشرعية والتبريرات السياسية ، واما الشعب المسكين الذي تكالبت عليه الدنيا وكشرت له انيابها فإنه يقف وحيدا فريدا تنهش لحمه انياب الوحوش وتقطع اشلاءه مخالب الضواري وهو يصرخ كصرخة الأمام الحسين عليه السلام في كربلاء ( هل من ناصر ينصرنا ) . فما بين الماضي الاليم والحاضر التعيس تتجلى صور العذاب والبؤس التي حجبت كل بوارق الأمل في ان يتمتع هذا الشعب بأبسط حقوقه التي حرم منها على ايدي الجلادين في الماضي وعلى ايدي المناضلين في الحاضر .
لقد اصبح الدخول الى دهاليز السياسة والعمل في جحورها المعتمة هو الطريق الأفضل للثروة وتربية ( الكروش) وضمان مستقبل الأولاد والأحفاد الى عشرة اجيال قادمة ، والجميل في " التجارة السياسية " انك لا تحتاج الى رأس مال كبير بل ان كل ما تحتاجه هو " لسان دلالة " وان تشطب كلمة " عيب " من قاموس حياتك ، وبالمقابل فان الربح مضمون مئة في المئة وكل ما ستخسره هو الضمير والشرف وكلاهما من الأشياء التي لم تعد من النفائس او الكنوز خاصة وان ما ستجنيه هو ثروة طائلة لا تعد ولا تحصى .
ان المقاييس قد اختلفت والموازين قد انقلبت فبدلا من ان تكون الحكومة في خدمة الشعب اصبح الشعب في خدمة الحكومة يتحمل اخطاءها وينوء بحمل أوزارها ويدفع ثمن إخفاقاتها ومن اراد ان يجد لنفسه مكانا على مائدة الوطن التي اصبحت حكرا على اصحاب الفخامة والسيادة فعليه ان ينزع ضميره ودينه وغيرته على بوابة المنطقة الخضراء ويصرخ بأعلى صوته ( يسقط الشعب وعاشت الحكومة ) .
https://telegram.me/buratha