زهراء الحسيني
لا شك ان رحيل السيد عبد العزيز الحكيم لم يترك فراغاً كبيراً على واقع المجلس الاعلى الاسلامي العراقي الذي يترأسه او الائتلاف العراقي الحاكم الذي يتزعمه بل سيترك أثره على العملية السياسية بشكل عام نظراً للخصائص القيادية التي يتميز بها والصفات الاستثنائية التي يتمتع بها. ليس ثمة ادنى مكابرة او مجانبة للحقيقة بان الاثر الكبير الذي سيتركه غياب السيد الحكيم على مسيرة المجلس الاعلى الاسلامي العراقي بشكل خاص سيكون ملحوظاً رغم البديل يمتلك من المواصفات القيادية والفكرية والسياسية ما يجعل الاطمئنان على مسيرة المجلس الاعلى راسخاً.
السيد الراحل حكيم العراق يمتلك تجربة كبيرة عاشها في ظل اخيه شهيد المحراب وقبله مع السيد الشهيد محمد باقر الصدر كذلك ما عاشه في ظلال اكبر مرجعية دينية في العالم والعراق في مطلع الخمسينيات والستينيات وهي مرجعية الامام السيد محسن الحكيم. وضلوعه في العمل السياسي المعارض بعد خروجه من العراق في بداية العقد الثمانيني واشرافه المباشر على حركة المجاهدين تلك الحركة الجهادية السياسية التي كان له الدور الاكبر في مواجهة النظام السابق عسكرياً وسياسياً بعد ان قطع النظام على المعارضة كل الخيارات الاخرى واضطرها الى اللجوء الى العمل المسلح كخيار اضطراري لا تمتلك المعارضة سواه في مواجهة نظام لا يقفه الا منطق القتل والابادة والرصاص.اهم العمليات التي نفذتها حركة المجاهدين العمليات الاستشهادية التي طالت وزارة التخطيط الصدامية وتوجيه ضربات نوعية الى مرافق القصر الجمهوري وهي تلك العمليات التي ادت الى تأجيل عقد مؤتمر عدم الانحياز المزمع عقده في بغداد وتم نقله الى نيودلهي العاصمة الهندية آنذاك.
وبالاضافة الى هذا الجهد العسكري والسياسي والاعلامي الذي اضطلع به الراحل الكبير السيد الحكيم بقيادته لحركة المجاهدين اشرف بشكل مباشر على المركز الوثائقي لحقوق الانسان وسعيه المستمر على تعرية النظام امام المحافل الدولية وكشف جرائم وممارسات النظام الصدامي في السجون والمعتقلات امام العالم كله وهو ما ازعج النظام كثيراً وقد قدم هذا المركز الاف الوثائق للامم المتحدة عن جرائم صدام المقبور ضد الشعب العراقي. وادارته بعد ذلك لجنة عمل الداخل اثناء وبعد انتفاضة شعبان المباركة ونجاحه في ادارة هذا الملف وكان خلال هذه الفترة لا يحب الظهور ولا يرغب بالاضواء بل كان يعمل بصمت وربما كان معولاً على شهيد المحراب في تصديه للعمل السياسي والجهادي وقد اكتفى اعلامياً بظهور شهيد المحراب امام الفضائيات وقنوات التلفزة والمنابر السياسية والاعلامية.
وبعد هذا كله كان حضوره المبكر في قيادة العملية السياسية والمجلس الاعلى في اصعب ظروف العراق حساسية واعقدها امنياً ونجح في توجيه مسارات العملية السياسية بالاتجاه الصحيح. وقدرته العالية على التوازن وفك الاختناقات الطائفية ونجاحه على المسير في حقل الالغام والاسلاك الشائكة التي افرزتها طبيعة التجاذبات والصراعات الدولية على الساحة العراقية. وكان انفتاحه الواعي وتوازنه المعتدل لا يؤثر على ثوابته التى دعا ونادى اليها فقد حافظ على علاقاته مع كل الاطراف المتنازعة والقوى الدولية المتصارعة دون ان يفرط بثوابته الوطنية والدينية. ولكن ما سعى اليه الراحل الكبير السيد الحكيم بالحفاظ على الاطار العام للمجلس الاعلى واستمراره بعد غيابه المؤقت بفعل اشتداد المرض او غيابه الابدي بعد رحيله الى ربه وترسيخ مرتكزاته واركانه ادى الى تماسك المجلس الاعلى وقوته بعد رحيل السيد الحكيم.
ظاهرة المجلس الاعلى الاسلامي العراقي الفريدة بعد غياب السيد الحكيم وحفاظه على ادائه واطاره العام دون انشطار او انهيار لبناه يعزز الرؤية المتبصرة التي سعى اليها الفقيد الراحل. ولذا بدا المجلس الاعلى الاكثر تماسكاً وتفاهماً بعد غياب رئيسه وقائده وانتخاب السيد عمار الحكيم رئيساً له باجماع مركز صنع القرار والشورى المركزية للمجلس الاعلى الاسلامي العراقي في واحدة من اعظم الملاحم السياسية في تأريخ العراق المعاصر.
https://telegram.me/buratha