محمود خطار
تزخر مصطلحات السياسة والاعلام اليوم بكم هائل من التناقضات على صعيدي التسمية والتطبيق ..فالارهاب ليس ارهابا دائما والاحتلال قد لايكون احتلالا في بعض الاحيان ..والضحية جلاد والمقتول مجرم وهلم جرا ..الا انه ومع كل هذا التعويم والتسفيف في استخدام المصطلحات تبقى هناك حدودا دنيا لايعود في الامكان معها انكار حقيقة ان المجرم هو مجرم او ان الضحية يستحق التعاطف .. ومع فضاعة اعمال الذبح والقتل اليومي بالعراقيين في مشهد لم يالفه العالم لا في فلسطين ولا البوسنة اودارفور او غيرها من بقاع العالم المنكوبة فان ثمة صمت مطبق مريب يعتري القضية العراقية ومافيها من فضائع بتدخل سياسي وبدفع مقصود لم يعد ثمة تبرير مقبول له ..فعلى الصعيد العربي نلاحظ ان عيد القنوات العبية هو اليوم الذي تشهد فيه بغداد او اي من المدن العراقية المزيد من الجرائم لضحايا يتساقطون كما تتساقط اوراق الاشجار اليابسة ..
ليس هذا فحسب بل تحاول تلك القنوات الشقيقة تصوير الحال بافضع مايكون عليه بحثا عن ارضاء لرغبات مموليها السادية ولطموحاتهم المهزومة الباحثة عن التشفي بالذات العراقية ..ناهيك عن بذر الشقاق والاكثار من توابل الطائفية التي اصبحت نكهتها لا تطاق في جميع نشرات الاخبار والتقارير التي تبث من تلك القنوات ..اما على صعيد المجتمع الدولي الذي تشغله قضايا الشذوذ والدفاع عن حقوق الحشرات اكثر من الدفاع عن قضايا البشر في البلاد المغلوبة على امرها فالملاحظ ان هناك استدارة مقصودة بدرجة 360 درجة عن قضية الشعب العراقي وما يحدث على ارضه من قتل وترويع وابادة جماعية بشكل شبه يومي وبتظافر جهود واموال ومخابرات دول اجنبية ومنظمات ارهابية دولية ..حتى كان العراق لا ينتمي الى الكرة الارضية بل يعيش ضمن مجرة بعيدة لها غير ما يحكم بني البشر من قوانين ويسيرهم من عواطف ..
واذا كان المجتمع الدولي بشقيه العربي والاجنبي لا يمكن ان يستفيق من سباته ولا ينصرف الى الامنا او يتعاطف مع جراحاتنا فان الطامة الكبرى تاتي حين نجد ان مسؤولين في الدولة ونواب في البرلمان وقادة احزاب مشاركة في العملية السياسية يحذون الذين لا تهمهم العراق وجراحاته ولا الوطن وويلاته ولا تستدر دموعهم اوصالنا المقطعة او اشلائنا المحترقة ..ومع اشتداد التسابق نحو البرلمان القادم كلما اقتربنا ساعة من الانتخابات النيابية العامة تتصاعد وتيرة العنف وتتصاعد حجم العمليات الارهابية التي تستهدف البلد مع مايرافقها من تطبيل وتزمير واغماض للاعين عن الحقائق ودس السم في العسل وذر الرماد في العيون الوطنية التي تعي حقيقة ما يجري ..وفي غضون كل هذه الفوضى الاخلاقية والاعراس الدموية يطيب لهذا البعض المحسوب على العملية السياسية ان يتباكى على حقوق الانسان ويدعو الى المصالحات ولازال يتشدق بنفس العناوين التي قادت الى الافراج عن مئات الالاف من المعتقلين الذين ثبت ادانة اغلبهم في جرائم قتل وتهجير وتفخيخ وترويع الامر الذي يثير المزيد من الدهشة ويستوقفنا كثيرا للبحث عن فهم صحيح ودقيق لمعنى حقوق الانسان والشعب والدستور وهذه الكلمات التي اصبحت مجرد الفاظ جوفاء لا معنى لها يترجمها مادامت تسمح لمطلقيها بالانصراف عن الضحايا وحقوقهم والتباكي على القتلة المنبوذين ..
https://telegram.me/buratha