المقالات

الزرقاوي شخص أم ثقافة ؟

1706 16:29:00 2006-07-18

( بقلم د. جاسم الحبجي )

 لم يحاول أحد ما إثارة هذا السؤال – العنوان – رغم أهميته الكبيرة ليست للعراق فقط وإنما للعرب والمسلمين بصورة عامة ، فأنا أعتقد إن الظاهرة الزرقاوية التي انتعشت بعد 9 / 4 / 2003 سوف يكون لها أثر كبير جدا على مسيرة المسلمين خلال القرن الحادي والعشرين ، على المستويات المحلية والإقليمية والدولية . لقد اعتقد البعض إن ثقافة الذبح والقتل على الهوية والتفجير العشوائي للكنائس والجوامع والحسينيات سوف ينتهي بمقتل الزرقاوي ، وهذه النظرة جاءت لاعتقاد البعض إن الزرقاوي شخص سوف ينتهي بمقتله ولم يحاول أصحاب هذا الرأي الغوص قليلا ليتبينوا البيئة الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي صنعت الزرقاوي لتدفع به إلى واجهة الأحداث ثم لتحيله ظاهرة منظمة تتحرك على عدة مستويات قابلة للاستمرار في كل وقت ومكان . فهل كان الزرقاوي شخص أم ثقافة ؟ ينطلق كبير الإرهابيين من مجموعة أسس آيديولوجية عقائدية دينية معروفة تمثل الأساس ( الشرعي ) الذي يتحرك على أساسه ، هذه ( العقيدة ) الدينية المنحرفة ظهرت منذ قرون بدأت بذرتها بتطرف ديني قليل جدا ظهرت بوادره في عقيدة ابن حنبل أحد أئمة المذاهب الإسلامية الخمسة ، الذي عرف عنه نوع من التعصب ، ثم انتقل هذا التطرف ليصبح أشد وضوحا على يد ابن تيميه الذي ألف كتب حاول فيه إقصاء وتهميش المذهب الجعفري الذي يمثل مذهب أهل البيت وحقهم في الدين والولاية ، وأصبحت عقائد ابن تيميه معروفة بالتطرف والغلو .

ثم أصبحت أفكار ابن تيميه القاعدة لما بدأ به أكثر الشخصيات تطرف في التاريخ وهو محمد بن عبد الوهاب الذي قاد بالتحالف مع محمد بن السعود تحالفا دينيا – سياسيا لإقامة الدولة السعودية الأولى في أرض نجد والحجاز في القرن الثامن عشر ، وقد وجد ابن سعود ضالته في ابن عبد الوهاب الذي بدأ يكفر كل من ليس معه ، أي بعبارة أخرى ، يكفر كل المذاهب الإسلامية بدون استثناء وقام الاثنان بحملة مسعورة لإزالة كل التراث الإسلامي الموجود على أرض جزيرة العرب مهد الإسلام ولم يسلم منهم حتى قبور آل بيت النبي ( ع ) ، وأصبحت حركتهم تعرف بالحركة الوهابية نسبة إلى مؤسسها محمد بن عبد الوهاب ، ولم تفلح كل المحاولات في ثنيهم عن عقيدتهم المحرفة ، التي استمرت حتى الوقت الحاضر لتجر الويلات على المسلمين وآخرها القتل العشوائي للأبرياء في العراق .

إن هذه العقيدة المتطرفة كانت الأساس الذي يتحرك عليه الإرهابي أبي مصعب الزرقاوي ومعه يتحرك آلاف بل ملايين الوهابية في الخليج وأوربا والدول العربية وباكستان وأفغانستان وغيرها من الدول التي استطاع آل سعود بدولارات النفط أن يبذروا فيها أسس هذه الحركة الدينية – السياسية التكفيرية . فكانت آلاف الأفواج من الإرهابيين تأتي للعراق تحت راية ( الجهاد ) حسب زعمهم مسيرين بعقيدة اساسها ان العراقيين هم ( مشركين ) يعبدون الأوثان .حسب تنظيرات ابن تيميه وابن عبد الوهاب ، فكانت ( العقيدة الوهابية ) هي الأساس التي تحرك أفواج الإرهابيين لتفجر أجسادها النتنة بين جموع المصلين في الكنائس والمساجد والحسينيات والمواكب الحسينية ، إذا لم يكن الزرقاوي ومجموعاته الإرهابية يتحركون من فراغ بل كانت هناك قوى دينية متطرفة تشجعهم وتساعدهم بالمال والفتاوى .

لتصبح الظاهرة الزرقاوية سرطان مميت يفتدى بالآف العراقيين الأبرياء مع تركيز واضح على شيعة آل بين محمد ( ص ) .هذه الحاضنة الدينية التي كان يتحرك فيها كبير الإرهابيين أبي مصعب الزرقاوي فما هي الحواضن الأخرى . الأساس الآخر الذي صنع الزرقاوي هو الأساس السياسي المتحالف بالأساس مع الأساس الديني ، وهو نابع من أساس يفترض أن الذي سقط هو نظام سني ( نظام الطاغية ) الذي لم يكن يمثل لا السنة ولا الشيعة وإنما كان يمثل المرتزقة والقتلة من العراقيين والعرب الذين ظللوا الشعوب العربية بأدعائهم انهم سوف يحرروا فلسطين ، وهذا الاعتقاد لا يزال موجودا مع شيء من الانحياز الطائفي الذي يتميز به قادة وشعوب العرب بلا استثناء .

 لذلك فقد تم التثقيف على إن الذين استلموا السلطة في العراق هم الشيعة مع إضافة مفردة بعثية كان يستخدمها الطاغية صدام في أدبياته السياسية وهي الشيعة الصفويون وهكذا تم التثقيف على إن الشيعة ( المشركون ) قد استلموا السلطة في العراق بالتحالف مع( اليهود والأمريكان) ويجب محاربتهم بكل السبل وعلى هذا الأساس سكتت غالبية الدول العربية ومنها السعودية والأردن وسوريا ودول الخليج والمغرب ومصر عن آلف الإرهابيين الذين كانوا يعبروا الحدود ليقتلوا العراقيين ويفجروا أجسادهم النتنة في بيوت الله وبين الناس الأبرياء والأطفال والنساء والشيوخ وهكذا كان التحالف بين ما هو سياسي متطرف وبين ما هو عقائدي منحرف لتبدأ سلسلة من الحلقات التي بدأت تعصف بالنظام الديمقراطي الذي بدأت تخشاه غالبية الدول العربية والإسلامية القائمة أساسا على أنظمة وراثية جمهوريه ام ملكية استبدادية ، وهكذا أصبح آلاف الإرهابيين هم عبارة عن أشخاص يمثلون الدول العربية المجاورة والبعيدة سوريا – الأردن – فلسطين – لبنان – السعودية – الكويت – الإمارات – قطر – اليمن وغيرها في أدلجة سياسية إرهابية واضحة لاستهداف نظام سياسي ديمقراطي وليد . أما الأساس الآخر الذي كان يتحرك فيه أبي مصعب الزرقاوي فهو الأساس الاقتصادي ، الذي كان يحصل عليه تحت عنوان ( الزكاة ) ، من الدول الإسلامية التي تتبنى عقيدة تكفر غالبية العراقيين وتعتبرهم مرتدين ، لذلك فالجهاد بالمال والنفس – حسب عقيدتهم المحرفة واجب شرعي ، فكانت الملايين من دولارات النفط تدفع من المؤسسات ( الخيرية ) الخليجية وغيرها ، لتزهق آلاف الأرواح من العراقيين الأبرياء ، فكان أن أصبح الزرقاوي وشبكته الإرهابية خلال ثلاث سنوات إحدى أكبر الشبكات الإرهابية في العالم ، وأصبح الزرقاوي أحد أكبر الإرهابيين في العالم بحيث أصبح يضرب في العمق العربي فكانت دولته الأم – الأردن – أول ضحايا ، ثم قام بتدريب آلاف الإرهابيين ليرسلهم إلى بلادهم العربية والإسلامية والى أوربا ليكونوا خلايا نائمة تقوم بأعمال إرهابية كبرى متى ما تم الإيعاز لها ، وهكذا تفوق الزرقاوي خلال ثلاث سنوات على سيده ابن لادن والظواهري وأصبح ينافسهما على زعامة الإرهاب العالمي ، بسبب الدعم الاقتصادي الخيالي الذي كان يتلقاه من بيوت ( الزكاة ) الخليجية التي سخرتها دول الخليج في خدمة ثقافة عقائدية دينية منحرفة تتبناها لتبقى في السلطة في العلن وتمارس الدعارة في الخفاء من خلال التقرب إلى أمريكا وإسرائيل بشتى الوسائل والسبل .

الجانب الآخر الذي أنتج الثقافة الزرقاوية هو الجانب الاجتماعي الذي تعيشه غالبية الشعوب العربية ، فهذه الشعوب مضطهدة سياسيا ودينيا واجتماعيا واقتصاديا ، وبسبب هذا الاضطهاد نراها تعيش على هامش الحياة لا تتمتع بأقل مستوى من الحياة الكريمة فنراها تعيش سلسلة إحباطات تؤدي بها في النهاية إلى نوع من الانحراف الأخلاقي والاجتماعي وهذا ما عاشه احمد فضل نزال الخلايله ، وهو الاسم الحقيقي للإرهابي أبي مصعب الزرقاوي ، واسمه الحقيقي يدلنا على إنه من عائلة الخلايلة وهي في الحقيقة عائلة غير أردنية الأصل أي إنها من فلسطين أصلا ومن بلده الخليل كما يدلنا على ذلك لقب العائلة الذي هو ( الخلايلة ) وهم أصلا من النازحين الفلسطينيين منذ عام 1948 ( ومخيم الزرقاء ) الفلسطيني الموجود في الأردن هو أصلا مخيم خاص بالفلسطينيين أصبح فيما بعد يعرف باسم مدينة الزرقاء ومن ثم أخذ الإرهابي أبو مصعب لقبه منها حيث أصبح يعرف بالزرقاوي ، وبالتأكيد لهكذا بيئة اجتماعية – سياسية آثارها على من يعيش فيها ، فهؤلاء الفلسطينيون المشردون من بلادهم أصلا يعيشون في غربة لا يعرفون لها مثيل فهم ليسوا فلسطينيون كما إنهم ليسوا أردنيون وبذلك فهم يعيشون أزمة هوية تدفعهم إلى سلوك منحرف ، كما إنهم يعيشون حالة فقر اقتصادي مدقع هو واقع دولة فقيرة الموارد تعيش على الإعانات الأمريكية( والصدامية) أيام تسعينات القرن العشرين فليس من الغريب أذا ما عرفنا إن الزرقاوي كان شابا شاذا أيام شبابه .. وسارقا ثم تحول فجأة إلى وهابي – إرهابي متطرف يقود مجاميع إرهابية في أفغانستان ثم متحالفا مع المخابرات العراقية ابتدءا من عام 2001 م . وهكذا واقع كان بالتأكيد سينتج شخصا متطرفا غير سوي حتى في قتله للآخرين بطريقة لا أخلاقية لم يعرف لها نظير سابقا وهو ذبحهم بالسيف أم ( البلطة ) وهو سلاح شبيه بسلاح الأشقياء الشاذين.

إن مجموع البيئات الدينية – السياسية – الاقتصادية الاجتماعية السابقة شكلت تاريخيا بيئة ثقافية هي في الحقيقة نستطيع أن نطلق عليها ( الثقافة الزرقاوية ) أي الثقافة التي اتبعها الإرهابي أبو مصعب الزرقاوي ، وما دامت هذه البيئات المشار إليها أعلاه موجودة فإنها بالتأكيد ستنتج إرهابيين بالمئات وليس بالعشرات وسيظل العالم كله يعاني من هذه الشبكات إذا لم يوضع حد لهذه البيئات الإرهابية التي تنتج متطرفين يوميا ، أما علاج هذه الظاهرة الإرهابية فسوف نتطرق إليه بالتفصيل في دراسة أخرى لأن معالجة مثل هذه الظاهرة الخطيرة لن يتم في دراسة بل تحتاج إلى آلاف الدراسات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والدينية . وما أؤكد عليه في نهاية دراستي هذه هو ضرورة معالجة هذه الظاهرة بالسرعة الممكنة و إلا فإنها ستفتك بكل قيم الإسلام الإنسانية ولن يبقى إلا الإسلام المشوه إذا لم تعالج هذه الظاهرة الإرهابية .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك