استمع إلى هذه النكتة !!

( بقلم : حسين المياحي )

في أيام الحرب العراقية الإيرانية نقل لي أحد الأصدقاء الأعزاء (وهو من أبناء السنة في البصرة) أنه دخل أحد المساجد لأداء صلاة الجمعة، وكان الخطيب يتهيأ لإلقاء خطبته على مسامعهم، وقبل ذلك بقليل كانت تهب على البصرة رياح عاتية، وعواصف ترابية. وعندما شرع إمام الجماعة في خطبته، أراد أن يذكر ـ كما هي العادة ـ شيئاً يسرّ الحزب القائد، والرئيس الأوحد. ويبدو أنه، ولكثرة ما قدم من ذلك التملق، لم يبق في جعبته شيء. فما كان منه إلا أن قال: «أتعلمون أيها الإخوة أن الرياح التي هبت على البصرة كان سببها الحقد الفارسي على العرب؟!»يقول صديقي العزيز: فتركت المسجد، وذهبت إلى مسجد آخر يصلي فيه أحد العلماء الأتقياء، ممن لم تتلوث بصيرته بغبار البعث، فصليت وراءه، ثم اقتنصت فرصة لأقول ما في صدري، فأخبرته بما سمعت، ففتح عينيه وفمه، واستغرب من ذلك، ثم قال: هذا جاهل، ويجهل أنه جاهل.

عزيزي القارئ: هذه النكتة تتكرر أمام أعيننا كل يوم، وإن تبدلت الشخوص، وتغيرت الأماكن.ففي لقاء على قناة الحرة، شارك فيه ممثل عما يسمى بكتائب ثورة العشرين، وآخر عما يسمى بكتائب صلاح الدين، وأحد قيادات الحزب (الإسلامي) واسمه زياد العاني، وسامي العسكري أحد أعضاء الائتلاف العراقي الموحد. كان موضوع اللقاء حول (المقاومة) وتحالفاتها الجديدة مع (المحتل) في قتال تنظيم القاعدة، وهل أن هذه المقاومة يمكن أن تدمج في الأجهزة الأمنية والعسكرية أو لا. وهاك ما صرحت به رموز هذه المقاومة:1 ـ أن العدو الأول للعراق اليوم هو (إيران) وليس أمريكا!..... وبعد.2 ـ إيران لها نفوذ على هذه الحكومة، ولا يمكننا أن نقبل بها!... وبعد.3 ـ القاعدة (إيرانية) وإيران تدعمها بقوة.4 ـ المقاومة مستعدة للتعامل مع أي طرف يريد تحرير العراق من (إيران).

ونحن لا نعتب في هذا على المقاومة المزعومة، لأننا أعرف الناس بها، ولا نحتاج إلى من يعرفنا بها. لكن المؤسف أن القيادي في الحزب الإسلامي أكد هذا الأمر، ودافع عن رأي المقاومة، وعن أهم الإشكاليات في هذا الطرح وهي:1 ـ لقد احتضنت المقاومة تنظيم القاعدة أكثر من أربع سنوات، فهل اكتشفت، بين ليلة وضحاها، وبقدرة قادر، أن القاعدة إيرانية؟ 2 ـ الحكومة إيرانية، والقاعدة إيرانية، والقاعدة تريد إسقاط الحكومة، فما هذه (الحزورة)؟ 3 ـ إيران تدعم القاعدة، وتدعم جيش المهدي، والقاعدة تستهدف جيش المهدي وكل الشيعة (حزورة ثانية) وبالتالي فهي تحارب نفسها، أو تبني من جهة وتهدم من الجهة الأخرى.4 ـ إيران شيعية، والقاعدة فكر تكفيري نشأ في نجد برعاية بريطانية أولاً، ثم تطرف بشكل أكبر فتعامل مع أمريكا أيام الغزو السوفيتي لأفغانستان، ولا تستقبل في صفوفها إلا من يكفر الشيعة أولاً، فكيف تكفر الشيعة وتتعامل معهم؟ 5 ـ يوجد في العراق اليوم أكثر من مائة وخمسين ألف جندي أجنبي، جلهم من الأمريكان، هؤلاء يحتلون أرض العراق، فهل تحولوا إلى شيعة، وانضموا إلى الحرس الثوري الإيراني، وتبنوا نظرية ولاية الفقيه، لتكون إيران هي المحتل، وأمريكا تريد تحرير العراق منها؟ 6 ـ القاعدة (التكفيرية) أصبحت شيعية إيرانية صفوية، ومنظمة (خلق) الإيرانية أصبحت أحرص الناس على شعب العراق، بحيث تشارك في (الحراك السياسي) لصالح العراقيين (كما يزعم صالح المطلق وأمثاله).7 ـ كانت المقاومة ترفع شعار محاربة الاحتلال ومقاومة المحتل، وأن العملية السياسية ولدت في ظل الاحتلال، ومن فيها عملاء له، فكيف تتحالف اليوم مع الأمريكان ضد القاعدة؟ وهل أصبحوا عملاء للمحتل كما كانوا يصفون خصومهم بذلك؟ 8 ـ آمنا بالله، هناك نفوذ إيراني على الحكومة، ولكن أين النفوذ السعودي والسوري والأردني والمصري على المقاومة المزعومة؟ وأين ذهبت مئات السيارات والوحوش المفخخة التي يقودها أبناء نجد؟ وماذا نفعل مع آلاف المعتقلين من سوريا والسعودية الذين حاولوا تفجير أنفسهم وسط جموع الأبرياء؟ هل نمنحهم بطاقات شخصية إيرانية، لنلصق التهمة بإيران. الخلاصة أخي القارئ، لا شك أنك تدرك أن هذه الألاعيب تعبر عن رؤية معروفة، عمدتها اتجاهان رئيسيان: الأول: الفكر البعثي الشوفيني، الذي حمل راية العروبة المزعومة، وأدار ظهره لقضايا العروبة جميعاً، وتوجه نحو البوابة الشرقية في حرب دامت ثماني سنوات أحرق فيها الأخضر واليابس، وعاد (بلا) خفي حنين. الثاني: الفكر التكفيري الذي ينظر إلى كل شيعي في العالم أنه كافر، وعلى رأس هؤلاء الكفرة دولة الشيعة في إيران (حسب تصورهم).وعندما تجمع هذين العاملين، ستجد أنهما ينسجمان مع توجهات السياسة الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة تجاه إيران، وبرنامجها النووي، ونهضتها الاقتصادية والعسكرية. وبالتالي فإن الخيوط راحت تتكشف يوماً بعد يوم، وبدا يلوح في الأفق مشروع المقاومة التي صفق لها وخُدع بها الكثيرون، من أمثال أنيس النقاش، الذي طالما عربد من خلال الجزيزة والمنار وقناتي الكوثر والعالم الإيرانيتين، وكذلك بعض المعممين في لبنان وغيرها ممن تستهويهم الشعارات، فيلهثون وراءها، ثم يقعون في الفخ كما يقع العصفور في شباك الصياد. المقاومة التي تطبلون لها أيها الأخوة في إيران ولبنان والعراق، تعد العدة مع الأمريكان والإسرائيليين للقضاء عليكم ... هل خدعوكم بأرقام الجنود الأمريكان الذين يقتلون في العراق؟ أنسيتم أن اللصوص يمكن أن يتقاتلوا فيما بينهم على الفريسة؟ ألم تقولوا في تحليلاتكم البائسة: إن أحداث سبتمبر كانت بفعل وتخطيط أمريكي؟ فإذا كانت أمريكا تضحي بأكثر من ثلاثة آلاف مواطن، وبرجي التجارة العالميين، وسمعتها وهيبتها في يوم واحد، من أجل مشروع تزعمونه حسب تحليلاتكم؟ فلم لا تضحي ببضعة جنود كل يوم (لنفخ وتبييض) صورة المقاومة، وبالتالي تتحرك من ورائها لتضم التوجهات القومية، وبعض الإسلاميين الجهاديين، الذين أصبحوا أقرب إلى ثيران المصارعة منهم إلى المجاهدين الحقيقيين، فهم يركضون وراء اللون الأحمر، وإن كان فيه حتفهم المؤكد وموتهم الزؤام، ويسندون أعداءهم وأعداء الأمة دون أن يشعروا.فهل يستمرون في دعم المقاومة ليجدوا أنفسهم يوماً أنهم أول ضحاياها؟