المقالات

خبير استراتيجي يقترح (سياسة جديدة) على الإدارة الأمريكية للتعامل مع إيران

1450 15:30:00 2007-05-03

بقلم: د. يوسف بن أحمد العثيمين

تعيش الإدارة الأمريكية - حالياً - حالة مخاض شديدة وحيرة، وربما تخبط، في البحث عن افضل السبل للتعامل مع إيران، والتعاطي السياسي معها بما يخدم مصالحها الاستراتيجية طويلة المدى، في المنطقة.. ان إيران تمثل (شوكة) في خاصرة الادارات الأمريكية المتعاقبة منذ اكثر من ثلاثين سنة، وتحديداً منذ انهيار نظام (الشاه)، وقيام ثورة الملالي، وتأسيس الجمهورية الاسلامية على انقاض ذلك النظام.. وقد قام (ري تاكيه)، كبير الباحثين في مجلس العلاقات الخارجية، وهو من اكبر واقدم مراكز الابحاث الاستراتيجية المؤثرة في القرار السياسي الأمريكي.. قام بإعداد تقرير وكتاب حول هذا الامر.. ويتضمن التقرير تحليلاً شاملاً للوضع الداخلي في إيران، والمشهد السياسي فيها، ويرسم خارطة للطموحات الإيرانية في المنطقة. ثم يقدم الباحث للإدارة الأمريكية (نصيحة سياسية)، تقوم على تصور جديد ومختلف للتعامل مع إيران، ويؤمن المصالح الأمريكية، بطريقة افضل واسرع.. ويعتقد الباحث ان السياسة الجديدة التي يقترحها سوف تنجح في كسب الإيرانيين، بعد ان فشلت السياسات والضغوط، التي مارستها الولايات المتحدة الأمريكية، طيلة العقود الثلاثة الماضية.. ونشرت تفاصيل هذه السياسة المقترحة، في مجلة (السياسة الخارجية) عدد مارس - ابريل 2007م، تحت عنوان (حان الوقت للتصالح والتطبيع مع إيران).. يبدأ الباحث بالحديث عما احدثته السياسة الأمريكية في المنطقة خلال الخمس سنوات الماضية، عندما تعهد (بوش الابن) بإحداث تحولات عميقة في الشرق الاوسط، وكيف ان بوش نجح في ذلك، ولكن بطريقة (سلبية).. ويأتي على رأس ذلك: المغامرة الخاسرة في العراق، والفشل الإسرائيلي في الحرب على لبنان، وظهور المد الشيعي في المنطقة، ونجاح الاحزاب التي أتبعها (بوش الابن) في المنطقة، جعلت الشرق الاوسط في حالة شديدة من الفوضى، وعلى حافة الهاوية. وتأتي إيران، في وسط وعين هذه الفوضى، بل هي (المستفيد الاول) منها، على خلاف ما هدفت اليه الإدارة الأمريكية.. فالنظام الإيراني (نجح) في تجاوز الضغط والحصار الأمريكي.. ليس هذا فحسب، بل ان النظام الإيراني نجح في (تعظيم) نفوذه في المنطقة.. فإيران - اليوم - تتربع وتؤثر على جميع مجريات الامور في المنطقة ومشاكلها، وهي - الآن - لاعب اساسي فيها، بدءاً من الحرب الاهلية في العراق، وانقسامات لبنان، وانتهاءً بالتحديات الامنية في الخليج، وليس من المتصور ان اياً من هذه المشاكل سوف تحل دون تعاون إيران.. ليس هذا فحسب، بل ان نفوذ إيران وقوتها يتعاظمان في المنطقة بشكل متسارع، بسبب طموحاتها النووية، والتي لا يبدو انها ستتراجع عن هذا البرنامج، على الرغم من الضغوطات الدولية المتزايدة عليها. لقد تعاملت الولايات المتحدة مع إيران وفق عدة سياسات متناقضة منذ سقوط الشاه عام (1979م)، ولكن هذه السياسات فشلت في (ثني) إيران عن سياساتها وطموحاتها في المنطقة، ناهيك عن ترويضها.. فقد حاولت الولايات المتحدة اسقاط النظام الإيراني، وفي - مرات اخرى - لوحت بإجراءات عسكرية، واحياناً، حاولت عقد مباحثات مشروطة على موضوعات محددة.. ثم حاولت اتباع سياسة (الاحتواء).. ولكن جميع هذه السياسات لم تنجح.. وعليه - وطبقاً للباحث - فإن أمريكا اذا ارادت - فعلاً - ان تنجح في (ترويض) إيران، وفي نفس الوقت، تحافظ على مصالحها في المنطقة، فإن عليها ان تعيد النظر في استراتيجيتها في التعامل معها، وتغيرها تغييراً جذرياً.. وتتخلى عن سياساتها السطحية الفاشلة للتعامل مع إيران، والتي تقوم على: التهديدات العسكرية، او المحادثات المشروطة معها على مسائل ضيقة النطاق، او سياسة الاحتواء.. وعلى أمريكا ان تبني سياسة (جديدة) ومختلفة تماماً تقوم على: @ الانفراج والتطبيع والتصالح (الشامل) مع إيران. @ استئناف (كامل) العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية. @ رفع (جميع) العقوبات السياسية والاقتصادية. @ الاعتراف ب (النفوذ الإيراني) في المنطقة، واعطائها دور الحليف، تلعب فيه مع الولايات المتحدة - جنباً إلى جنب - لترتيب اوراق المنطقة. ولو تبنت أمريكا هذه السياسة الجديدة فسوف يتحول العدو إلى صديق، والصديق إلى حليف.. وقد نجحت أمريكا في هذه السياسة مع الاتحاد السوفييتي والصين، ولها ذات الفرصة في النجاح مع إيران. ثم يفصل الباحث في الحديث عن الخيارات الاخرى التي كانت تتبعها أمريكا مع إيران، منذ ثلاثة عقود وحتى الآن، ويرى اما انها فاشلة، او غير واقعية.. خذ - اولاً - (الخيار العسكري)، فرغم التلويح به - عندما يقول الرئيس ان كل الخيارات مفتوحة - فواقع الحال يقول ان يد الرئيس مغلولة، وخياراته محدودة.. فالإيرانيون، لكي يحموا منشآتهم النووية من ضربة أمريكية محتملة، قد (شتتوا) هذه المنشآت في جميع الاراضي الإيرانية، ووضعوها في اماكن (عميقة) تحت الارض.. والصعوبة التي سوف تواجه الحل العسكري الأمريكي هي: اولاً، كيف سيجدون ويحددون هذه المواقع؟ وثانياً، كيف سيتم ضربها؟ خاصة في ضوء محدودية المعلومات الاستخباراتية، ومدى مصداقيتها، كما حصل في العراق! وحتى لو تمت الضربة الأمريكية، فإن هذا لن ينهي طموحات الملالي النووية، بل ان ذلك سوف يحفزهم على بناء ما سوف يدمر منها، كما ان هذه الضربة سوف تجعل إيران لن تكترث بعد ذلك مطلقاً باحترام اتفاقياتها النووية، التي سبق وان وقعتها مع وكالة الطاقة النووية. ثم يناقش الباحث (الخيار الثاني) للتعاطي مع إيران، وهو عقد مباحثات ثنائية مشروطة ومحدودة، وهو ما اعلنته وزيرة الخارجية (رايس) عام 2006م، حول رغبة أمريكا في مباحثات ثنائية حول مسائل محددة مثل (المسألة النووية)، اذا اوقفت إيران جهود التخصيب.. ولكن هذا الخيار سطحي، لأن المشاكل بين أمريكا وإيران اعمق واعقد من ذلك بكثير، فالفجوة والجفوة بين البلدين كبيرة، وتشمل قضايا استراتيجية وسياسية وامنية كبرى.. وهذا يتطلب خياراً اكثر شمولية.. ثم اتى الباحث على (الخيار الثالث)، وهو سياسة الاحتواء، التي تقوم على الضغط الدبلوماسي والسياسي، وسلسلة من العقوبات الاقتصادية، والتي سوف تؤدي، مع مرور الوقت، - طبقاً لنظرية الاحتواء - إلى اضعاف النظام الإيراني الحالي، وصعود حكومة جديدة، تكون اكثر ديموقراطية، واكثر توافقاً مع المصالح الأمريكية في المنطقة.. ولكن سياسة الاحتواء لم - ولن - تنجح.. فأمريكا طبقت هذه السياسة منذ ولادة الجمهورية الاسلامية.. كيف لسياسة الاحتواء ان تنجح، وإيران في سبيل تعظيم نفوذها، ومده في المنطقة، تلجأ إلى وسائل غير مباشرة، مثل دعم الارهاب، وتمويل الوكلاء، ومساندة الاقليات والاحزاب الشيعية في المنطقة؟؟ ثم هل دول الخليج راغبة او قادرة على مساعدة أمريكا في عزل إيران؟؟ الاجابة عن هذين السؤالين لا تبدو مشجعة للاستمرار في سياسة الاحتواء.. كما ان سياسية الاحتواء انطلقت - أصلاً - من مخاوف أمريكا القديمة من (تصدير) الثورة الإيرانية.. ولكن على أمريكا التخلي عن هذه المخاوف.. فقد اثبتت الحدود القائمة بين دول المنطقة انها اكثر صلابة وديمومة مما اعتقد الملالي في إيران، وان الاحلام الثورية الإيرانية قد دفنت في ساحات المعارك في العراق منتصف الثمانينيات الميلادية.. واجبرتهم الحرب المكلفة مع العراق على ادراك محدودية قوتهم، وعدم واقعية طموحاتهم، واصبحت سياستهم الخارجية الرسمية اكثر واقعية.. ان طموح إيران الاساسي - اليوم - هي ان تكون قوة متوسطة الحجم، مع رغبتها في ان يكون لها نفوذ قوي وواضح في المنطقة، ولاعباً في ترتيب شؤونه.. ولذا فإن سياسة الاحتواء غير مناسبة، طالما ان إيران توقفت عن سياسة تصدير الثورة.. وفي الواقع ان سياسة الاحتواء لم تنجح اصلاً، وفرص نجاحها مستقبلاً ضئيلة جداً.. ويكفي للتدليل على ذلك، ومن واقع تقارير الخارجية الأمريكية، تلك الشواهد المتعددة لدعم إيران المتواصل للارهاب، ومواصلة تقدم برنامجها النووي.. كما ان جميع العقوبات التي فرضتها أمريكا على إيران فشلت في تعديل سلوكيات إيران.. ان سياسة الاحتواء سوف تفشل - تماماً - خاصة بعد احتلال العراق، حيث ان هذا الاحتلال قوى من شوكة الاقليات والاكثريات الشيعية في المنطقة، فضلاً عن الاحزاب الشيعية المتعاطفة مع إيران.. لقد ذهبت تلك الايام التي كان فيها (سنة العراق) على سدة الحكم، وكانوا قوة توازن ضد القوة الشيعية في إيران.. وشيعة العراق - اليوم - خاصة اقوى حزبين فيها، حزب الدعوة، والمجلس الاعلى للثورة الاسلامية - اللذين تربطهما علاقات قوية بطهران.. فهذان الحزبان لن يساندا اية جهود لاحتواء نفوذ إيران من اجل (سواد عيون) الولايات المتحدة. حتى دول الخليج لن تكون متحمسة للوقوف على صف أمريكا ضد إيران، فقد ذهبت تلك (الثقة) التي كانت تعول فيها دول الخليج على أمريكا في استقلالية قرارها، والتي كانت تعطيها قدراً من الثقة في مواجهة نفوذ إيران في المنطقة، حيث ان ما جرى في العراق (هز) ثقة تلك الدول، خاصة بعد ان عجزت أمريكا - نفسها - عن تهدئة الاوضاع في العراق، رغم قدراتها العسكرية الهائلة.. اضف إلى ذلك، (الموجةالشعبية) الكارهة لأمريكا، والتي جعلت من الصعب على حكومات المنطقة ان تتعاون مع أمريكا علناً، او ان تسمح لقواتها بالتمركز في اراضيها.. بل ان حكومات المنطقة - خاصة في الخليج - قد ترى ان من مصلحتها (مهادنة) إيران بدلاً من مواجهتها، وهي ترى تعاظم نفوذ وقوة إيران في المنطقة.. وليس المجتمع الدولي - ايضاً - في مزاج للتعاون مع أمريكا في سياسة الاحتواء والعقوبات، كما رأينا ذلك - جلياً - في مواقف الفرنسيين والروس تجاه إيران.. فهم يعتقدون ان الطموح النووي الإيراني، ومساندتها للارهاب، امران يمكن معالجتهما دون اللجوء للخيارات العسكرية، او العقوبات الاقتصادية الخانقة.. لقد نجحت أمريكا في استقطاب حلفائها في الحرب الباردة مع روسيا، لأن الحلفاء كانوا - فعلاً - يشعرون بالخطر السوفييتي، اما مع إيران فإنها - عدا إسرائيل - لا يبدو انهم قلقون بنفس المقدار الأمريكي..
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك