المقالات

شهيد المحراب.. رائد التحرك الإسلامي في العراق

1086 12:30:00 2010-06-13

عمار العامري

تعد حالة استئثار بالروح الثورية والحماسية من السمات المميزة لدى طلبة العلوم الدينية (الحوزة العلمية) في النجف الاشرف لاسيما الشخصيات التي رافقت تقلبات الأوضاع السياسية والاجتماعية في العراق والمنطقة خلال عقود قرن العشرين حيث شهد العراق تغييرا كبيرا بعد الحرب العالمية الأولى نتيجة تأثيره ببوادره الأفكار الجديدة التي تغلغلت في المجتمع الداعية للانفصالية والتقسيم على أسس القومية والعرقية والتي نجحت في تقسيم أوربا على أساس الأقوام التي تعيش فيها (الجرمان والفرنسة والروس والإنكليز وغيرهم) وبعد النجاحات التي حققتها هذه النعرة انعكست على المتأثرين فيها خاصة الطلبة العرب الدارسين هناك أمثال ساطح الحصري وميشيل عفلق والذين نقلوها لإيجاد اتجاهات موالية لها في المجتمع العربي مما ولد تغيرات جديدة طرأت على الأوضاع السياسية والاجتماعية مثل الدعوة إلى الانحلال الخلقي والتحلل الاجتماعي وانتشار السفور وظهور الحركات والاتجاهات الداعية لبناء مجتمع سياسي على أساس قومي وطائفي أوجد بالضد منها تيار معارض متأثر بالوعي الديني داخل الحوزة العلمية فكان هناك رفض لتلك الأفكار الموالية للغرب والتي تحاول تطبيق شعاراتها على الساحة العربية والعراقية فجوبهت بفتاوى مراجع التقليد فكان لرفضهم تشكيل المجلس التأسيسي وقبول الانتداب أول البراهين التي تؤكد عدم قبول الشعوب الإسلامية للأفكار الجديدة ونتيجة لذلك وكون زمام الأمور السلطوية بيد حكام يعملون لصالح تطبيق النهج الطائفي في العراق سعى أولئك إلى تطبيق منهج معادي ضد التيار الديني كان منها تسفير علماء الدين ومراجع التقليد في النجف وكربلاء والكاظمية في محاولة استفزازية لكسر شوكة التيار المعارض كما فعلها الغربيين عندما جعلوا التيار الديني(الكنيسة) مجرد إدارة يعين موظفيها بقرار حكومي ونتيجة لهذا الأجراء استمر حالة عدم تدخل رجال الدين في السياسة العراقية لأكثر من 20 عام.ألا أن الحالة الثورية لم تغب عن أفكار وتطلعات رجال الدين العاملين فشهدت الساحة السياسية في العراق مطلع عقد الخمسينات من القرن الماضي تحول كبيرا في مجريات الإحداث حيث أصبحت المرجعية الدينية صاحبة القول الفصل في مجمل الإحداث وصاحبة الثقل الأكبر في موازين القوى ويبدو أن المرجعية العليا خاصة مرجعية الإمام محسن الحكيم باتت أكثر اتساع وانتشار بين أبناء المجتمع العراقي والإسلامي لاسيما بعد التصدي للأفكار السياسية التي تحاول بناء مجتمع على أساس ما تتبناه الأحزاب التي استوردت أفكارها من الخارج أمثال الحزب الشيوعي الذي تبنى الأفكار الماركسية الداعية إلى تجريد الفكر من الروح الدينية وأيضا حزب البعث الذي تبنى الأفكار القومية الطائفية التي تحاول جعل العراق حكَر على عرق معين مقابلة أبادت الأقوام والأعراق الأخرى.بين هذه التقلبات السياسية والاجتماعية برز على الساحة السياسية التيار الديني (التحرك الإسلامي في العراق) والذي أصبح من رواده السيد محمد باقر الحكيم (شهيد المحراب)(1957-2003) نجل الإمام محسن الحكيم فقد تأثر السيد الحكيم بمرجعية والده خلال (1950-1970) فشكل السيد شهيد المحراب انعطافة مهمة في تاريخ الحركة الإسلامية وإضاءة في طريق الشهادة:• مارس دور بارز في إدارة شؤون جهاز المرجعية الدينية في النجف الاشرف باعتباره احد أركانه المهمة وهو في عمر لا يتجاوز سبع عشر سنة حيث مثل والده الإمام الحكيم في العديد من المحافل الجماهيرية وفي استقبال الوفود الرسمية والشعبية.• اختير عضو في اللجنة المشرفة على إصدار مجلة (الأضواء الإسلامية) الناطقة باسم جماعة علماء النجف الاشرف في الخمسينات من القرن الماضي والتي تعتبر من ابرز النشاطات الثقافية والإعلامية التي واجهة التيارات المنحرفة آنذاك.• أكمل مراحله الدراسية للعلوم الدينية فاضطلع بعلوم القران فكان من أستاذته والمؤلفين في بيانه وتبيانه حتى أن تأسست كلية أصول الدين في بغداد عام 1964اصبح احد أساتذة علوم القران فيها.• ارفد المكتبات الإسلامية بعشرات المراجع في العقائد وعلوم القرآن وتفسيره والتاريخ والفكر والاجتماع .• قام بدور وكيل المرجعية الدينية لاسيما لوالده المرجع الأعلى في إدارة شؤون بعثة الحج والعمرة باعتبارها من المواسم الدينية التي يجتمع فيها المؤمنين من كافة البلدان وهم بحاجة للتوجيه والإرشاد ومعرفة متغيرات الأمور العقائدية والابتلائية. • أوفد من قبل والده الإمام الحكيم إلى بعض المدن في زيارة ميدانية لتفقد أحوال أبناء المجتمع العراقي ودراسة أوضاعهم وبذلك أسس شبكة واسعة من العلاقات الاجتماعية مع كافة الشرائح السياسية والعشائرية والمدنية مع المثقفين والشباب.• شارك في تأسيس العديد من التشكيلات السياسية والفكرية والاجتماعية لمواجهة الهجمات والأفكار المخالفة للدين الإسلامي والتي حاول أصحابها خلق حالة من الانحلال والتفسخ في المجتمع العراقي لدعم الأفكار الهدامة.وما أن وصلت عصابة البعث للسلطة في 1968 حتى كان السيد محمد باقر الحكيم من أوائل المتصدين أفكارهم لما عرف عنها من ممارسات إجرامية وأفكار شيفونية ابتدأتها بجرائم الحرس القومي عام 1963 وتطبيق الأفكار الطائفية بشكل علني ضد المسلمين الشيعة والأكراد في شمال العراق حيث باتت قرارات سلطة البعث الأولى مدعاة للسخرية لما تنم به من حقد دفين وسموم ضد الأكثرية من أبناء الشعب العراقي كما مارس البعث في سلطتهم الثانية سياسات عدوانية ضد التيار الإسلامي فكانت بدايتهم اعتباره (تيار رجعي) فقام بتوجيه التهم بالعمالة والتجسس ومحاولات الانقلاب لكل العاملين فيه لاسيما النشطاء الإسلاميين أمثال السيدين مهدي الحكيم وحسن الشيرازي حتى جاء عام 1972لتبدا ملاحقة السيد محمد باقر الحكيم من قبل عصاباته ومنها:• اعتقل السيد شهيد المحراب بتهمة دعم التحرك الإسلامي في العراق ضد النظام الحاكم وعلى اثر ذلك وصدر حكم الإعدام بحقه إلا أن رعاية الإلهية قضت القضاء عنه ومنذ تلك الإحداث تصاعدت المواجهة بين الإسلاميين (الشيعة) والنظام الحاكم.• أوفد السيد الحكيم ممثلا عن المرجعية الدينية لإلقاء كلمتها في الانتفاضة الحسينية عام 1977(انتفاضة رجب) اثر منع النظام البائد المواكب الحسينية المتوجه من مدينة النجف الاشرف إلى كربلاء لإحياء ذكرى أربعينية الإمام الحسين(ع) واعتقل مع السيد محمد باقر الصدر وعدد كبير من المؤمنين.• اثر استشهاد السيد الصدر عام 1980 على يد زمرة البعث تمكن السيد الحكيم من الخروج من العراق ليساهم في استمرار الثورة الإسلامية في العراق وتقديم الدعم السياسي والفكري للحركة الإسلامية في الخارج بعد أن ضاقت بها الأذرع بسبب الجرائم الإرهابية التي مارسها النظام ضد أبناء العراق.• شارك في تأسيس (حركة المجاهدين العراقيين) التي ترأسها السيد عبد العزيز الحكيم (عزيز العراق) ثم سعى شهيد المحراب مع ثلة من المجاهدين إلى تأسيس فيلق بدر التي أصبحت الذراع العسكري للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق والذي ساهم السيد الحكيم بتأسيسه بشكل فعال عام 1982 ليكون الخيمة التي يجتمع تحت ظلها أبناء التيار الإسلامي المعارض للنظام البائد حيث تصدى شهيد المحراب إلى جرائم الطاغية(صدام) بحق أبناء أسرة أل الحكيم حينما أجابه بمقولة أبي الأحرار(هيهات منا الذلة).• من اجل جمع كلمة الحركة الإسلامية لدعم مشروع المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق ساهم بدور كبير في عقد (مؤتمر نصرة الشعب العراقي) في طهران والذي شاركت فيه جميع فصائل المعارضة العراقية الإسلامية.• ولم تقف عجلة التطور السياسي المعارض عند الحالة المسلحة أنما أخذت الحالة السياسية أبعاد أوسع بعد شعور الرأي العام العالمي بفاعلية السيد محمد باقر الحكيم في الأوساط العراقية في الداخل لاسيما بعد رفع صوره والهتاف باسمه ليصبح ( العنوان الإسلامي عام) في انتفاضة الشعب العراقي (الانتفاضة الشعبانية) عام 1991 واخذ السيد الحكيم يفتح أفاق العلاقات السياسية مع الدول الصديقة والشقيقة والمنظمات الدولية من اجل إطلاع الجميع على اضطهاد النظام الحاكم للأبناء الشعب مقابل الرفض الجماهيري لحكمه.• بعد وفاة أية الله العظمى السيد ابو القاسم الخوئي عام 1992 كان السيد محمد باقر الحكيم من أوائل علماء الدين الذين دعموا مرجعية الإمام السيستاني باعتباره الأوفر حظا لان تثنى له الوسادة وهذا ما يؤكد عمق التأثير الذي يتمتع به السيد الحكيم ليس في الجوانب السياسية فحسب أنما كان ذو تأثيرا في الجوانب الدينية والعقائدية للأمة.ليبقى السيد الحكيم ذلك الرائد الهمام الذي نهل من مشارب الحوزة العلمية وعاش بكانفاتها ثائرا وقائدا وسياسيا ساعيا إلى تخليص العراق من براثن البعث وازلامه ليكن من أوائل الذين دخلوا الوطن بعد التغيير في يوم 10مايس 2003 واستقبلوا بحفاوة كبيرة ليرسم معالم العراق الجديد بدولته الحديثة العصرية والتي تحترم فيها كافة الأطياف والقوميات ويعتمد فيها مبدأ(المواطنة) كأساس لبناء دولة ديمقراطية اتحادية فكانت أفكار ومتبنيات شهيد المحراب السيد محمد باقر الحكيم رهان لبناء المجتمع العراقي سياسيا واجتماعيا حتى أن شعر أعداء العراق بتأثيره في مرحلة ما بعد التغيير ليصبوا عليه جام غضبهم ولينفذ أولئك خطة لاغتياله في الأول من شهر رجب الموافق 29 أب 2003 داخل الصحن العلوي المطهر لتكن تلك آخرة محطة في طريق الشهادة الذي رسمه احد ابرز رواد التحرك الإسلامي في العراق السيد محمد باقر الحكيم شهيد المحراب.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك