المقالات

الشاهدُ والشهيدْ

1062 21:52:00 2009-06-29

قاسم محمد الكفائي عراقي مقيم في كندا

يعيشُ العراقيونَ جميعا هذه الأيام مأساة الذكرى السادسة لأستشهادِ السيد مُحمّد باقر الحكيم الذي صَرَعَهُ حادثُ تفجير إرهابي مُدبَّرٌ من قِبل الجماعاتِ البعثية والتكفيرية الى جانبِ الصَحن الحَيدري المُطهّر في النجف الأشرف . عاش السيدُ الحكيم منذ مَهدِه وحتى هجرتهِ من العراق مضطرا في كنف الأيمان والعلم والرسالة . فكان أبوه هو السيد مُحسن الحكيم ( رضوان الله تعالى عليه ) الذي يُعَد ُّالمَرجعَ الأكبر في حقبته لعامةِ الشيعة في العالم . وكان قائدا في مَيادين الحرب ضد المُحتل الأنجليزي في عشرينات القرن الماضي . واصل السيد مُحمّد باقر عمَله السياسي المُعارض لنظام الطاغية صدام حُسين كمسؤوليةٍ كبيرةٍ في حجمِها ، وثقيلةٍ في وزنِها ، وهي امتدادٌ لمسؤولية أبيهِ ( توفى عام 1970 ) في التصدّي للكثير من المخاطر التي ألمّت بشعب العراق ، لذلك غادر وطنَه ، واتخذ من سورية مقرا له كونها المكانُ الآمنُ لكل العراقيين المناهضين لنظام الطاغية في مواصلة عملها السياسي من أجل إنقاذ العراق . انتقل بعدها الى إيران بحكم ظروف العمل السياسي بعد إنتصار الثورة الأسلامية في إيران عام 1979 ، التي قادها الأمامُ الخميني الراحل – تقدست روحُه الطاهرة - وكان صائبا في خطوتهِ .

 يُعَد السيد محمد باقر الحكيم الشاهد الصادق والموثوق على حقيقة كل الجرائم التي ارتكبها نظام صدام حسين بحق عموم العراقيين وبحق الوطن . فموقعه الديني والقيادي أهّله لهذه المرتبة ، كذلك دخوله السجن لأكثر من مرة إبتداء منذ عام 1972 وفي فترات أخرى من حياته التي قضاها في العراق . كما أن السيدَ الحكيم وفي مهجره وقفَ على حقيقةِ الجرائم الكبرى التي ارتكبها صدام حسين في أهوار الجنوب ، وفي حلبجة ، والأنفال ، والأنتفاضة الشعبانية ، وفي السجون، ودوائر الأمن والمخابرات .

كان شاهدا على كل هذه الجرائم ، وكان حاضرا للدفاع عن أبناء شعبه المنكوبين والمعذبين في كل المحافل الدولية . في الجانب الآخر من حياته كان السيدُ الحكيم قائدا بارعا في قيادته ، والرجلُ العنيدُ والعَصيُ على الطاغية وأهوائه وطروحاتهِ الشريرة ، والصابرُ أمام هَول المصائب التي حَلت بأهل بيتهِ وأبناء شعبه ووطنِه . هذه الخصال وهذه الدرجة من الشموخ والتحدي التي تمتع بها الحكيم ليس من السهل أن يتمتع بها الأنسان السياسي الآخر ، ويصعبُ أحيانا احتواء جزءً منها عندما نتعرف على وقائع حقيقية كان فيها صدام يتفاوضُ مع السيد الحكيم على إعدام جميع أعضاء عائلتهِ الذين زادَ عددُهم على الستين فردا إذا هو لم يذعن الى مفردات وشروط الطاغية بأسلوبِ الترغيب والوعيد بالتوقفِ عن مواصلةِ العمل في مشروعهِ السياسي المُعارض ، والعودة الى العراق . لكنه أبَى بكلمةٍ حسينيةٍ واحدة - هيهات منا الذلة - ، وكانت النتيجة إقدام المُستبدُ على تصفيةِ أبناء آل الحكيم جميعا . عادَ بعدها الى وطنهِ العراق مُنتصرا ظافرا بعد سقوط نظام الطاغوت والى الأبد في عام 2003 ( عام استشهاده ) ليعملَ وُفق مصلحةِ البلاد وأهلها بلا كلل ولا ملل ، مُقنِعا بسلوكهِ الوطني جميعَ الأطياف السياسيةِ والمذاهبَ والأديانَ والقومياتِ الأخرى ، الى أن استشهد في ذلك الموقع الطاهر ، الى جوارِ ضريح جدِّه الأمام علي بن أبي طالب – ع - في النجف الأشرف .

لقد انقضى عهدُ السيدِ الحكيم مُحمّد باقر الحكيم – تقدست روحه الطاهرة - قائدا على الأرض ، ولم ينقضْ العهد الذي بينه وبين أبناء شعبه في مواصلة المسير حتى بلوغ الهدف المَرجو . وسيظل إرثهُ الوطني مَعلما بارزا تهفو عليه الأفكار حين تضيق بها السُبُل أو لا تضيق . فأهمُ مَعالم حياة السيدِ محمد باقر الحكيم أنه عاشَ في الحياة الدنيا صابرا ، مُحتسِبا ، مُخضَبا بهموم وطنهِ ، ليصبحَ شهيدا مخضَبا بشظايا ذلك الحادث الأرهابي المُرَوع ، وقد سقى دمُه الطاهر أرضا تقدست بدماء أجدادِه ، وأهل ِ بيتهِ ، والشهداء ِ من أبناء ِ شعبهِ .

لقد خسِر العراقُ قائدا فذا ، ووطنيا نقيا ، عارفا بهموم جميع ِ العراقيين ، ومَواطن ِ قوتِهم . ليس لنا من حيلةٍ ولا مفر أمام مشيئة الله سبحانه سوى أن نرفع أيدينا الى بارئنا ونقول : اللهم تقبل من العراق وشعبه هذا القربان . ونعزي آل الحكيم على هذا المصاب الجَلل ، ونعزي شعبَ العراق وأنفسَنا ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك