حامد جعفر
في ايام صدام المرعبة, وفي ليلة حالكة الجلباب سوداء الاهاب, كان في ضيافتي قريب لي. وكان قد أمتد بنا السمر حتى بعد منتصف الليل بساعات . وبينما نحن كذلك والناس يغطون في نوم عميق والصمت يخيم على كل البيوت والطرقات الا من هدير سيارة من بعيد او عواء كلب في صعيد,اذا بنا نسمع عويل امرأة تبكي وهي تمر من امام بيتنا . هبت المروءة في نفوسنا وخرجنا مستطلعين الى الطريق لنمد يد العون ما امكننا ذلك. ولكن دهشنا لاننا لم نر أحدا وأختفى صوت البكاء وكأنه طار في أجواز الفضاء..! ورغم ذلك فقد تمشينا حتى نهاية محلتنا القريبة وحدقنا شمالا ويمينا فلم نجد شيئا مريبا فعدنا ادراجنا واغلقنا علينا بابنا.وعند ضحا اليوم التالي زارنا احد الشباب ,جار لنا, ليخبرني باننا كنا مراقبين عندما خرجنا ليلا الى الشارع واخبرنا بكل تفاصيل ما حدث !! فدهشنا ولم نعجب لاننا كنا نعلم ان للبعث عيونا ساهرة على مصالحه لا تنام , تراقب حتى دبيب النملة وطيران البعوضة . حمدنا الله تعالى على نجاتنا من اتهام خطير او تقرير بعثي مثير بعد ان اكتشف البعثيون شعارات معادية لهم مكتوبة على بعض جدران الدكاكين القريبة من محلتنا .
ضربت هذه القصة مثلا لقياس ما يحدث في أيامنا هذه من عبث وفلتان. فهذه مدينة الصدر , مدينة الفقراء والكادحين ,تختالها مفخخات البعث واذنابه كل يوم ويستمر الذبح والتقتيل, ثم يخرج علينا قاسم عطا ليبرر دخول مفخخات القتلة المجرمين الى هذه المدينة واسواقها, وكأن الدولة ومؤسساتها الامنية بريئة لا شأن لها بما يحدث!!
ونحن نتساءل ويعصر قلوبنا الالم: اين الاستخبارات والمخابرات والامن والمخبر السري الذي دوخونا به ولم نر تأثيره ؟!كيف توجد في بغداد وضواحيها أماكن يكدس فيها السلاح المدمر والمتفجرات الشديدة, وتحور فيها الدراجات النارية وغير النارية والسيارات والعربات ثم تفخخ على أخبث ما يكون ثم تخرج الى الطرقات التي تنتشر فيها مئات السيطرات المزودة بأجهزة كشف المتفجرات وتجتازها بأمان ثم تصل الى مدينة المساكين والمعدمين, مدينة الصدر, وتخترقها محلة فمحلة,حتى تصل الى سوق الطيور , أكثر الاماكن هناك ازدحاما, لتنفجر وتقتل وتجرح المئات ليزداد عدد اليتامى والارامل ويقتل العاهل والعامل , فتزداد العوائل المسكينة جوعا وذلا ولن تنجدهم الحكومة ولا اي مؤسسة اجتماعية خيرية, بل يقولون لهم كما قال بنو اسرائيل لموسى : اذهب انت وربك فقاتلا انا ها هنا قاعدون !!
اليس من واجب الامن ان يراقب كل بيت وكل بستان وكل كراج وان يحس بكل فعل مريب , أم أن هناك بيوتات واماكن لا تقع تحت سلطة الدولة لانها تابعة للحزب الفلاني او الشخص العلاني حيث تخاف الدولة من المساس به ومن هنا تحل المصائب !!
اننا نرثي شهداءنا في مدينة المساكين الذين أصبحت أحزانهم أكثر من أفراحهم ولم يكسبوا شيئا من العهد الجديد سوى الهواء الملوث بالاتربة وصار حالهم كحال شاعرنا المتنبي عندما قال:
رماني الدهر بالارزاء حتى ........ فؤادي في غشاء من نبالفصرت اذا أصابتني سهام ......... تكسرت النصال على النصال
حامد جعفرصوت الحرية
https://telegram.me/buratha