المقالات

المعاني العميقة في استشهاد الأمام الحسين ( ع )

1129 22:22:00 2008-12-31

( بقلم : زهير كاظم عبود )

من حق المرء أن يتساءل عن الدوافع العميقة وراء استذكار واقعة أستشهاد الأمام الحسين بن علي ( ع ) ، وهل أن هذا الأستذكار يتحدد في أظهار مشاعر الحزن والبكاء على تلك الواقعة المعروفة في التاريخ العربي ؟ ثمة من يطرح الواقعة بشيء من التسطيح حين يعتقد أن مسيرة الأمام الحسين كانت لطلب الأمارة ومنافسة الحاكم الباغي الذي لايستحق أن يتبوء تلك المراكز الدينية والدنيوية !!  والحقيقة التي ينبغي التوقف عندها مليا مع استحضار قيم العصر الذي كان يعيشها سيد الشهداء ، بالأضافة الى عدم غياب القيم والتقاليد التي نشأ عليها الأمام ، سواء تلك التي رضعها من والده الأمام علي بن ابي طالب ( ع ) ، او التي رضعها من ثدي فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين ، او تلك التي تلقفها بفطرته او بنبوغه منذ تبلور وعيه وأدراكه من جده المصطفى نبي الأمة ورسولها ( ص ) .

وحين تستذكر الإنسانية كل عام ذكرى استشهاد الأمام الحسين ( ع ) بالنظر لما تحتويه الذكرى من عبر ودروس وقيم ، وتعني فيما تعنيه الواقعة ليس فقط ما حدث في واقعة الطف من قتال القلة المؤمنة مع جيش الطغيان والظلم جيش سلطة الحاكم يزيد ، وليس ماجرى بعد ذلك من قتل وسبي خلافاً لما تعارفت عليه قيم العرب والرجولة من قيم في القتال والمنازلة والحروب والأسر وخلافا لأعراف المنتصر وقيم الفرسان والقيم الإنسانية الأخرى . كان يمكن للحسين أن يتفادى تلك المواجهة غير المتكافئة بمبايعة الحاكم الظالم باللسان ، وكانت الكلمة تعني الميثاق والموافقة تعني الدستور الذي يلزم الرجل ، وهذه القيم التي يتمسك بها الأمام الحسين ( ع ) ، لم تكن وليدة الواقعة ، ولا املتها الظروف إنما كانت تلك الكلمة دلالة أكيدة وعميقة على رسوخ المباديء الأنسانية في عقل الشهيد .

كما أن القيمة التي نستقيها من الواقعة تتمثل في صمود الثائر رغم يقينه ومعرفته بعدم وجود توازن أو تعادل بين قوته وقوة السلطان ، الا أن القيم التي تقيد الحسين وتملي عليه المواقف والخطوات التي يتقدم بها في دنياه مستندا على اسس دينه ، وتمسكه بعقيدته التي يعتقدها أنها الحق ورفضه مبايعة الحاكم الطاغية الباغي يزيد بن معاوية ولو بالكلام ، هي ما تفرض نفسها في تلك الحال ، الالتزام بالقيم وانتصارها على كل الظروف ، ولهذا فقد أتسع عقل الحسين في تلك اللحظات العصيبة ملتزما بموقفه السياسي والديني والأنساني ، ومعبرا أمينا عن رغبة الناس في عدم قبول الحاكم ، ليصبح الموقف مهما كانت النتائج القيمة التي تنتصر ، سواء انتصر فيها الحاكم أو انتصر فيها الحسين ، فقد أتسع معنى هذه القيمة حتى صارت قيمة أنسانية عامة لتمتد في العقل البشري على امتداد الأرض أكثر منها أسلامية .

ومن أجل تبسيط تلك المعاني نجد أن الحسين رفض البيعة ليزيد بن معاوية كحاكم وسلطان على بلاد المسلمين ، وكما نعرف فأن حالة الرفض والقبول يتجسدان في كلمة يقولها الرجل دون وثائق ودون تواقيع وأختام ، وحتى دون الحاجة الى شهود أثبات فالرجل يشهد على نفسه بالالتزام بالموقف ، ومجرد الكلمة التي يطلقها الرجل تعني الموقف والشرف والإلتزام بكل أبعاده . وكما نعرف ايضا أن القلة التي قادها الحسين بن علي ( ع ) لايمكنها بالتأكيد أن تنتصر بالقوة على جيش الامبراطورية المدجج ، ومعرفة عدم التكافؤ مع الأصرار على الأستمرار على ذات الخط يشكل جدلية بين السيف والكلمة ، فالصراع بين الحاكم والمحكوم ، وبين السلطان وبين رفض الحسين كان بين القوة ومعنى الرفض .

ورغم عدم تكافؤ القوتين فجيش الحسين قليل العدد والعدة ولكنه ممتلئ بالقناعة بوقوفه الى جانب الحق والعدالة ، كان كل فرد من هذه القلة يتمتع بمعنويات خارقة من انه يؤدي دورا أنسانيا وعقائديا في رفض الحاكم ، وجيش يزيد الكثير العدد والعدة والممتلئ بكل أطماع الدنيا والجهل والحقد المترسب في النفوس وحب السلطة مدفوعا بالجهل والأنقياد والخوف وأطماع الدنيا ، وتلك مفارقة تدل على النقائض في جميع القيم والأعتقادات والمباديء بين تلك الجهتين .

ولم يكن الحسين بن علي ( ع ) طالباً للسلطة ولا راغبا في الحكم ولكنه كان مسؤولاً أمام الله والناس في رفض الحاكم الباغي والطاغية والمتفسخ والذي عم هذا الزمان ، فقد سجل التايخ عن شخصية الحسين ومكانته ما يدل على قدرته القيادية في تحقيق العدل الأجتماعي ومكانته الدينية المتميزة بالأضافة الى مكانته الأجتماعية . وحين وقعت الواقعة في السنة 61هـ في اليوم العاشر بعد صلاة الظهر قاتل الحسين ومن معه قتال المؤمن بعدالة قضيته حتى أستشهد على أرض الغاضرية وأستشهد معه جميع من كانوا معه وتم سلبهم أسلحتهم وملابسهم على غير ما كانت تتعارف عليه العرب ، وزاد ذلك بأن تم سبي نساء وبنات الحسين تتقدمهن العقيلة زينب بنت علي وهي أبنة فاطمة الزهراء وجدها رسول الله محمد بن عبد الله ( ص ) ، وتم سوقهن الى عاصمة الخلافة الأموية بدمشق حاسرات الرؤوس ذليلات يتصفح وجوههن الشريف والوضيع ، وبصحبة الأسرى رأس الحسين الثائر مرفوعاً على رمح ليعرض على الخليفة الباغي المنتصر .تلك كانت معاني عميقة تدل على انهيار القوة وأنتصار الكلمة ، دلائل في ضعف حجة الحاكم وقوة الحق عند الشهيد ، وأنتصار معاني الرفض وبروز معنى التضحية كأسمى ما يستطيع أن يقدم عليه الأنسان المتمسك بقيمه ومبادئه .

وتدور دورة الزمن لتمتد لأكثر من 1350 سنة حين بقيت الحقيقة ناصعة لم يستطع الزمن أن يطمرها أو تخبئها السلطات الغاشمة ، فقد بقيت واقعة الحسين تدل على ثبات الثائر على موقفه ومبادئه ورفضة للاستبداد والطغيان ومبايعة ومداهنة الحاكم الظالم ولو بكلمة مجرد كلمة من اللسان ، وآثر الاستشهاد على قول كلمة الباطل من اجل ان يبقى حق الأنسان في رفض الطغاة نبراسا أبديا يستذكره الناس في الذكرى التي تتجدد سنويا في تلك الواقعة .بقيت مآثرة الحسين على مر الدهور تجسيداً حياً للمعركة بين الحق والباطل ، وأستمرت مبادئ الحسين تنتشر بين قيم الناس على مر الدهور وتفعل فعلها ودروساً يقتدي بها في الثورة والصمود والثبات ، وليس اعتباطا أن يرد استذكار الشهيد الأمام على لسان محرر الهند القائد غاندي وعلى سلسلة طويلة من القادة والمفكرين ورموز الثقافة الأنسانية ، حيث أن الموقف تحول من الموقف المادي الى الموقف الرمزي ، حين يصار الى مقارنة بين موقف الثائر الحسين وبين مسيرة الحاكم يزيد ، فيكون الحسين في كفة الحق والثبات والعدل والأيمان والمتمسك بالمبادئ حتى ولو كان ثمنها الشهادة ويكون نقيضه في كفة الظلم والطغيان وضياع القيم والمبادئ والكفر والتستر خلف قوة جيوش السلطة وقوة المال ، رغم كل ما يحدث من تعتيم للواقعة الا أن بريقها يكاد أن يطغي على البصر وشواهدها باقية الى الأبد .

يقينا ستبقى ذكرى استشهاد الأمام الثالث الحسين بن علي بن أبي طالب ( ع ) رمزاً خالداً يعبر عن رفض مهادنة الطغيان والظلم والذي تحول الى رمز أنساني خالد للبطولة والشجاعة والثبات على المبادئ والتضحية بالروح ورمزاً خالداً ما بقيت البشرية

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
hameed ridha
2009-01-01
بسمه تعالى لو عرف العالم وخاصة عربنارسالة الحسين التي خطها بأطهر الدماء وأزكاها لماوصلنا الى ذلة غزه اليوم خرج الامام علي ع الى حرب الجمل لا اعتراضاعلى مطالباتهم الجوفاء بل عند تحرشهم بالأبرياء ونهبهم أموال المسلمين واليوم نسمي هارون قتال الهاشميين ليبني سلطانه نسميه لأطفالنابالرشيد ولربما حاول غيرنا تسمية الجزار الأرجس الحجاج بباني الكعبه المشرفه وحاول اخرون تعليم أجيالهم بان الحسين قتل بسيف جده لأنه خرج على الدنس الأقذر من سموه امام زمانه وهانحن نحصد ممايزرعون ذباحين ومهجرين ومكفرين
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك