المقالات

قراءة في ملفات الحركة الاسلامية في العراق المجلس الاعلى... المصداقية والواقعية ( الحلقة الثانية )

1042 16:20:00 2008-05-10

( بقلم: كريم النوري )

اشيع مفهوم خطير في الواقع العربي حول المساحة التي يتحرك بها الاسلاميون والفضاءات التي ينطلقون من خلالها فقد حاولت النخب السياسية الحاكمة والمثقفون التابعون لبلاط السلطان من حصر حركة الاسلاميين في زوايا المساجد والمراقد والتوجه لوعظ الناس وتربيتها على القضايا العبادية والاخلاقية دون الخوض في الحياة والمجتمع والسياسة فهذا حكر على رجالات السلطة وحدهم بينما الواقع ان انحسار حركة الاسلاميين في المساجد ودور العبادات وفسح المجال لغيرهم من العلمانيين والتيارات السياسية الاخرى في التحرك الميداني في الوسط الجماهيري والجامعي والمجتمعي هو إجحاف بحق الاسلاميين وتطويق لحركة المجتمع المسلم وهي ثقافة خاطئة لا يمكن تبريرها باعتبار ان الاسلاميين هم ابناء هذه الاوطان يحق لهم ما يحق لغيرهم.

ومن هنا فان المساحات السياسية التي يتحرك بها الاسلاميون قد تجعلهم امام تحديات كبيرة ومخاطر جدية لاسباب عديدة يمكن اجمالها بالنقاط التالية:

1- الانظمة الحاكمة في المنطقة لا تؤمن عادة بالمنهج الديمقراطي في تداول وتناقل السلطة وان وجدت في بعض البلدان فهي لا تكاد تشمل كل مراكز القرار الاساسية بل صورية وشكلية يكون للحاكم او الامير او الملك الصلاحية الكاملة لحل كل ما تنتجه الديمقراطية، وهذا ما يعيق تحرك الاحزاب الاسلامية في مثل هذه البلدان التي لا تسمح فقط بوجود حركات اسلامية في المشاركة في السلطة بل لا تسمح لها حتى بالتعايش ولو على القدر الثقافي والاطار المسجدي- ان جاز التعبير- الامر الذي يجعل استمرار وحضور هذه القوى صعباً وعسيراً في الوسط المحلي فضلاً على الوسط السلطوي ومركز القرار.

2- إرتباط الانظمة الحاكمة في الغالب باجندة خارجية او سياسية المحاور رغم انتهاء الحرب الباردة وسقوط القطبية الثنائية بعد تفكك الاتحاد السوفياتي الى شظايا غير متآخية. والقطبية الواحدة التي تقود النظام العالمي قد لا تساعد ايضاً على اتاحة التحرك لهذه القوى في انظمة هي ترفض اساساً اتاحة مثل هذا التحرك لمخاوفها من البديل الاسلامي او الحل الاسلامي بحسب ما ترفعه بعض الحركات الاسلامية من شعارات وادبيات. وهذه المخاوف والخطوط الحمر بوجه الحركات الاسلامية اسهمت في إنكفاء هذه الحركات وانعزالها وتوزعها ما بين سجون بلدانها او منافي العالم.

3- عقلية الاستبداد والانفراد بالسلطة حطمت ثقافة التنافس السياسي النزيه وحشدت كل الانظمة لمواجهة الحركات الاسلامية في المنطقة، وقد وضعت الحكومات اجراءات صارمة ضد الاسلاميين وحصل هناك اجماع شبه توافقي على محاصرة الحركات الاسلامية وضربها.

4- الصراع السياسي والعسكري بين الانظمة المستبدة والحركات الاسلامية أدى الى إرباك وضعف في أداء الاسلاميين وضيّق من مساحات تأثيرهم ونفوذهم وجعلهم في مواجهة غير متكافئة بين الاجهزة الحكومية الامنية المدججة بالاسلحة والتقنية التسليحية العالية وبين اسلاميين لا يتقنون سوى الخطب والتنظير والحوار.

5- حرق المراحل في اساليب الدعوة الاسلامية اوجد تخبطاً في إداء الاسلاميين كما ان حرق المراحل في مواجهة الاسلاميين من قبل السلطات الحاكمة ادى الى مذابح ومجازر في وسط الاسلاميين ونعني بحرق المراحل للاسلاميين الانتقال من المرحلة التوعوية والتثقيفية الى المرحلة العسكرية والمواجهات المسلحة وما حرق المراحل في المواجهة الحكومية هو لجوء السلطات الى الانتقال الى المرحلة الاخيرة في طبيعة المواجهات وهي الابادة الفورية دون ايجاد وسائل تدريجية في المواجهة كالاقناع والحوار او الاجراءات الامنية البسيطة.

6- خطأ بعض القيادات الاسلامية في المواجهة والتصعيد الفوري للمواجهة والتثقيف الثوري واعتبار كل الانظمة كافرة وفاسقة وعميلة والاعتقاد بان الاسلاميين وحدهم هم ممثلو الشريعة والشارع والادعاء بان الخروج من الحركة الاسلامية هو خروج من الدين هذه التصورات ساعدت الانظمة الحاكمة على توجيه ضربة اعلامية وامنية ضد الاسلاميين وخصوصاً في المغرب العربي.

7- التصورات الخاطئة لبعض الاسلاميين حول المفاهيم السياسية العصرية كالمسار الديمقراطي والانتخابات والتعامل بمثالية عالية مع هذه المفاهيم واعتبارها من الافكار الوافدة والمفاهيم المستوردة وانها تخالف المنهج الاسلامي بينما لم يضعوا حلولاً واقعية لهذا الرفض الخاطىء والسلبي والذي جعل بعض الحركات الاسلامية خصوصاً في المغرب العربي والخليج في زاوية صعبة بعيدة عن جماهيرها ومناخها الطبيعي.

8- بروز قيادات اسلامية متشددة لا تؤمن بالتعددية والتسامح والحوار بل تعتبر كل حوار مع الاخر هو من الكفر والمعصية والخروج عن الدين، وهذه العقدة ابعدت الناس عن هذه الحركات رغم ان الفطرة الجماهيرة كانت تتعاطى مع الاسلاميين وتبدي التعاطف والتأييد معهم.

9- التعامل مع الواقع بتصورات مثالية ومفاهيم خيالية لا تعتمد على نظرة موضوعية وواقعية ولا تستند على قراءة حقيقية لمتطلبات الواقع ومستجداته المؤثرة، بل كان تعامل بعض الاسلاميين مع المجتمع والسلطة بالاملاءات والتعالي والتلقين والاوامر الفوقية وتناسي الخطاب الالهي " وادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن" او قوله تعالى لموسى وهارون عليهما السلام " إذهبا الى فرعون فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر او يخشى".

10- الشعور بالقيمومة والوصاية على الامة وان طاعة الاسلاميين طاعة مفترضة لا يمكن مخالفتهم اوتخطئتهم مطلقاً وهذه العقدة التي يمكن بان نسميها عقدة الاستاذية اذا جاز التعبير جعلت بعض الاسلاميين في موضع خطير لا يقبل النصيحة او التوجيه وهذا نابع اما عن شعور خيالي بالافضلية والاحقية او عن الشعور بالمكابرة.

الواقعية والمصداقية ... المجلس الاعلى نموذجاً

ليس إدعاء القول بل التأكيد بان المجلس الاعلى الاسلامي العراقي كان الفصيل المتميز في أداءاته السياسية وحركته الميدانية في اعقد مفاصل التأريخ العراقي المعاصر وقدرته الاستثنائية على الحضور في الواقع السياسي وقراءته الواقعية لمجريات الاحداث بكل سياقاتها الفاعلة.

قد يمكن القول ان ظروف العراق ما قبل التغيير الاخير وما بعده تختلف تماماً عن ظروف البلدان الاخرى من حيث بشاعة السلطة الحاكمة والظروف الاقليمية والدولية وتعقيدات العراق الديموغرافية وهو ما يمكن ان يكون معيقاً لحركة المجلس الاعلى الاسلامي العراقي. تعاطى المجلس الاعلى مع الواقع العراقي بكل تعقيداتها ومستجداته برؤية واقعية ومرونة لم تبعده عن ثوابته مبادئه وشعاراته وحافظ على قيمه وادبياته الاسلامية دون ان ينغلق امام الانفتاح الايجابي الدولي والمحلي. هذا التوازن الصعب بين الحفاظ على المبادىء والثوابت دون الانزلاق وراء المخططات الغربية والتخلي عن اصوله الاسلامية والعربية وبين الانفتاح الايجابي مع المستجدات والتطورات الدولية والاقليمية في العراق والمنطقة دون المساس بالثوابت والاخلاقيات التي تبناها المجلس الاعلى منذ تأسيسه. وتحديد الاولويات وتشخيص المصالح العليا في الدخول في معترك السجال السياسي الذي سبق سقوط النظام والذي اعقبه يحتاج الى نظرة بعيدة المدى ورؤية استراتيجية متوزانة وقد يؤدي الافراط او التفريط بهذه الموازنات والخيارات الى الوقوع في فخ السقوط.

العقول القيادية للمجلس الاعلى والثوابت والمبادىء السياسية التي أسسها شهيد المحراب(قدس) وسار على نهجها سماحة السيد عبد العزيز الحكيم مع فريقه الشوروي في قيادة المجلس الاعلى وانطلاقتهم المباركة في وضع كل الاستراتجيات وفق دراسة مستفيضة لكل تفاصيلها وقراءة كل زواياها واحتمالاتها جعلت القرار في المجلس الاعلى قراراً جماعياً مدروساً بعيداً عن الانفعال والارتجال والتسرع.ليس سراً الاشارة العابرة الى قنوات صنع القرار في المجلس الاعلى والذي يعتمد على طرحه امام الشوري العليا في المجلس الاعلى المتشكلة فقهاء وسياسيين وقانونيين واقتصاديين لمناقشة اية قضية بشكل مستفيض يسهم في إشباعها وملاحظة كل سلبياتها وايجابياتها ومعالجة كل ما يترتب على القرار المراد اتخاذه.وقد يعاب على المجلس الاعلى احياناً تريثه في إبداء القرار الحاسم والسريع بخلاف بعض القوى التي تتراكض وراء الفضائيات لابداء مواقف احزابها وقد تعدد القراءات وتتكرر المواقف في الحزب الواحد بسبب التسرع في إبداء المواقف. فاذا كان التأني والتريث في ابداء المواقف المتسرعة عيباً فان المجلس الاعلى يرى ان العيب الاكبر هو تعدد المواقف في الفصيل والتشكيل الواحد لقضية واحدة، وقد تبدأ الكثير من القوى السياسية التي تتعدد قراءاتها ومواقفها الى الاعلان الخجول عن عدم تبينها لمواقف وقرارات قادتها ورموزها وسرعان ما تعلن بان الشخصية الفلانية لاتعبر عن رأي الحزب او الجهة السياسية.

على ان هذا لا يعني بان المجلس الاعلى الاسلامي العراقي لم يكن حاسماً وحازماً في أبداء الموقف المطلوب في اللحظة المناسبة فان ثمة فرقاً كبيراً بين السرعة والتسرع وبين التريث والحسم في القضايا الحساسة التي تتطلب موقفاً حاسماً وسريعاً فقد يكون المجلس الاعلى سباقاً ومبادراً بحسب الموقف والقضية التي يتوقف عليها الحسم او التريث.

وهذا الكلام لم يكن فكرة مجردةً واستنتاجاً تحليلياً او رؤية مزاجية لا يدعمها الواقع او يؤيدها البرهان او يؤكدها الوجدان فان التجربة والممارسة السياسية قد أثبتت صحة ما أكدناه وما ذكرناه والجميع الذي يتابع المشهد العراقي يرى بوضوح حقيقة ما اشرنا اليه وهو ليس إدعاءً كما ذكرنا بل اداء متميز بحاجة الى دراسة اوسع واشمل في واقع لا يكاد يرحم احداً بتعقيداته وتداخلاته وسنشير في القسم الثالث الى موقف المجلس الاعلى للمتغيرات الاقليمية والدولية قبل التاسع من نيسان 2003.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
انوار الكربلائي
2008-05-11
مقال تحليلي شجاع وجرىء ويكشف حقائق عن الحركة الاسلامية
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك