المقالات

خذوا هدايا الموت اليومي

1086 17:46:00 2008-05-09

( بقلم : عبد السلام الهاشمي )

رسالة الدم لا تقرأ هكذا ، ورسالة الموت وصلت بكل تفاصيلها واوجاعها وحروفها المتشظية ، وزخم الرسائل الكثيرة تبعثر على ارصفة الطرقات المهملة وفي الحفر التي خلفتها العبوات وفي المنازل التي سقطت عليها القذائف والتي اتخذتها متاريس للقتال وسواتر للمحاربة بالسلاح الابيض ، والسلاح الابيض فقط بين القلوب السوداء والعصائب السوداء العمائم السوداء والشعارات السوداء والرايات السوداء والقطع السوداء التي ملأت الجدران وغطت وجهها الخجل بعدما تناثرت عليه الشظايا كمطر اسود اثر انفجار هدية مفخخة قربه من شخص تعرفه وقف قربها اياما واياما بانتظار من لا ياتي ، وفي رياض الاطفال والمدارس والاسواق وفي كل جوانب الحياة التي يريد الخارجون عن الانسانية ان يقدموها .

رسائل الموت بعثتها رصاصة واواصلتها عبوة وقرأتها قذيفة هاون ، انها هدايا عيد الميلاد للشعب العراقي الصابر المبتلى ، هدايا الموت المعلب اليومي ، هدايا الدم الاحمر واليوم الاحمر ودجلة الاحمر والزمن الاحمر والعراق الاحمر الذي رفع الدم الى السماء فسقطت كل قطراته على الارض ودعائه الذي لن يقبل لأنه مليئ بالاثام والذنوب ومليئ بالقتلة والمجرمين واللصوص من المستعيرين اسم رجالاته ستارا للقتل والفتك والحرق والتدمير ، هدايا القادمين عبر الحدود الى داخل الوطن بحقائبهم الدبلوماسية وملابسهم الانيقة وهدايا الداخلين الى الوطن عبر الوطن يدخلون منه ويخرجون اليه بعصائبهم السوداء واسلحتهم وشعاراتهم القاتلة ، هدايا وهبات تتناثر هنا وهناك لاتدق الابواب الموصدة التي الجمها واوصدها الخوف من زائر غريب مجهول يحمل الموت والرصاص بل تدخل دون استئذان وتوزع هداياتها بالمجان وعلى الجميع الذي تعرفه والذي لا تعرفه وبالتساوي وبدون استثناء ولكل افراد العائلة والجيران وحتى عاشر جار .

الهدايا يعرف مرسلوها اين يضعوها وماذا تعني والى اي مدى تصل ؟، فهم يمرون يوميا في نفس الدروب والا زقة والاسواق ويشربون نفس الماء ثم يرمون هدية السم فيه ويشترون الخضار ويبعثرونها على الارصفة الموشاة بالدم حتى تغطي عورة عبوة قاتلة اخرجتها في المعركة وتضيع ملامح اسلاك توصيل تنفجر على المتبضعين حين يشتد ازدحام السوق وحركة التبضع ، ويدخلون الى الجوامع والحسينيات يرفعون سجادة الصلاة ويضعون بدلا عنها قذيفة هاون او صاروخ لا يعرف اين يسقط ، ومتى يسقط ،وعلى اي منزل سيسقط ، وكم سيخلف من دمار ؟ هم معنا وبيننا يعرفون كيف يسرقون الابتسامه ويئدون الكلمة ويغتالون الطفولة والشبابا ويوقفونت الحياة لأنهم اعداء الحياة ولا يهمهم ان تستمر او تتوقف لأنها بالنسبة لهم معدومة كونهم لاينتمون الى سلالة البشر بل آكلي لحوم البشر باشكالهم المرعبة ووجوهم التي مسخت الى هيئة وحوش وسلبت منها ملامح البشر وغادرتها الرحمة والعطف والشفقة والمودة ، انهم مدربون على قطع الرقاب وقطع الارزاق وقطع شريان الحياة الدافق ، انهم لصوص النهار الذين لا يسلم اي بيت منهم كونهم داخل البيت ومنه وهذا ما نخشاه ان يحطموا البيت على ساكنية بعد ان ينهبوا محتوياته لأنهم يعرفون طرق الدخول والخروج .

هدايا الموت لم تغادر مدينة حتى تتجمع في مدينة اخرى وتتراكم الى الحد الذي يعجز ساعي البريد من ايصالها دفعة واحد فيبدأ بتوزيعها يوميا وفي اوقات غير محددة ، في الليل وفي النهار وعند الصباح وقد تخطئ اصحابها وتصيب موقعا اخر المهم انها وصلت وهذا كل شيء .

هدايا الموت تأتي وتروح بين لحظة واخرى وبين مخالبها لحم طري وتدوس على لحم محروق وبين انيابها عمر العراق ومستقبله وتاريخه وحضارته يسيل الدم الطري على الارض وتسحقه لتسير الى مدينة اخرى حتى تقتص من اهلها الابرياء العزل ، انها لعبة الموت التي يتقنها السفاحون والقتلة في الزمن الهمجي البربري وفي حكم الاطفال وانصاف الفقهاء وحكم العمامة المغشوشة وحكم الجهل والرعاع والسذج ، هي ابتلاء النهر بالحصى والطمي ولعب الطفل بالنار التي احرق ما حوله حت عاد الى احراق نفسه دون ان يشعر بالخطر الذي يحيق به، فألى اين المفر من الاخ والابن والاب ؟ والى اين المفر من العراقي الذي يحمل جنسية الفرات وعلى صورته ختم النخيل ؟ الى من نشكو ؟، والى من نرفع تظلمنا بعدما قتلنا اخواننا ؟ .

انها ماساة حقيقية ان توغل السكين الاعمى في الجرح النازف وتحز اوردته وترتكب المجازر وتشيع الجنائز المذبوحة بالخنجر العراقي المسموم ، هي مصيبة ان تمتد خارطة القتل الجماعي وتطال كل من لم ينتمي الى هذه الجماعة وكل من لم يؤيد فعلها المنحرف بلسانه او بقلبه او حتى اشاح بوجهه عن صورة لزعيمه وقائده المفدى التي تملأ الشوارع والمكتبات شبيهة بصور القائد المنصور ، او ادار وجهه عن منظر الدماء المستباحه فعدته الفئات والجماعات الخارجة عن الدين من المناوئين لها والخطر الذي لابد ان تتخلص منه ، وكل من لم يكن معها فهو ضدها ، انها قمة المأساة ان تحترق البلاد بساكنيها بأيادي قذرة مدسوسة كانت شمس العراق لونت جبينها الاسود بعدما غيبتها الغيوم سنين طويلة ،التي تريد تدمير الاضرحة بينما كان لقبة علي والحسين فضل لوجودها على هذه الأرض وترخيص باعتمار العمامة السوداء وحفظ ديمومتها وابقاء كرامتها مصانة طيلة هذه الفترة ، فبأي ذنب تنتهك الحرمات ؟ وبأي ذنب يقتل الابرياء ؟ وبأي ذنب يتحول الهدوء االى صراخ ويصبح لون جنح حمام السلام احمرا ؟، انها ارادة السيف وارادة الرصاص وارادة المجرمين الذين لم يرتضوا ان يصبح العراق كما كان ويعود الى سابق عهده مزدهرا يلوح بعراقيته الشامخة كراية عالية وسارية ترتفع فوق الهامات امام الجميع وياخذ مكانته الحقيقية بين الدول .

اليوم وصلت هدايا الموت وقامت مجاميع الموت بتوزيعها كالتوابيت على البيوت وعاد السؤال المشروخ كجدار نهشته انياب الرصاص متى سيرتاح العراق ومتى سيستقر ؟ وهل ستكون نهايته آمنة مستقرة في القريب العاجل ؟ وهل سترحمه الميليشيات القاتلة التي تستورد الموت من الخارج وتضع عليه علامتها الاصلية (صنع في العراق) ؟ فهل نحن نصنع الموت ام نستورده ؟ وفي كلا الحالتين نحن مساهمون في القتل وفي توزيع الهدايا ، انها لحظات يجب ان يتوقف عندها القلم الشريف باليد غير الملوثة واللسان العراقي النظيف الطاهر من كل ما يزعج العراق والعراقيين ويقول كلمته في هذا الشأن ، كفى لمسيل الدماء وكفى لأزهاق الارواح وقتل الابرياء ، ام آن الاوان لكي نضع السلاح جانبا ؟ اما آن الاوان لنتحاور مع العقل عن ماهية القتل واسبابه ونتائجه؟ اما آن الاوان لتغليب مفردات السلم والامن والحرية على مفردات القتل والتدمير والذبح والتفخيخ ؟ اما آن الاوان لطي صفحة الماضي والبدء بصفحة جديدة خالية من العنف والدم ؟ انه نداء لجميع الشرفاء وجميع المعنيين بالشان العراقي ومن هم الآن في دائرة المعركة وبالذات الاخوة من التيار الصدري وجيش المهدي لوقف نزيف الدم والقاء السلاح والوقوف مع القانون والتكاتف مع القوى السياسية الرامية الى اعمار العراق وبنائه وكفى دمارا وخرابا وكفى موتا ، فالعراق مر بمراحل مظلمة من تاريخه ولم ير شبابه الراحة والنور في حياتهم بل زنازين وسجون حتى تنفسوا الصعداء بعد زوال نظام مقبور متسلط فعدتم ثانية لترموهم بتلك الزنازين المظلمة وتشيعون ثقافة الرصاص والقتل وتغييب الفكر على دعوات الحرية والسلام ، دعونا نعيش الحياة كما نريد ، دعو الحياة تستمر وخذوا هداياكم فهناك هدايا كبيرة يحملها المستقبل واضحة وكبيرة وزاهية ومفيدة فيها الامن والسلام والحرية وفيها لون العراق الجديد ، العراق الذي يجب ان يكون كذلك بلا سلاح ولا رصاص او عبوات او سيارات مفخخة، عراق يعيش فيه الجميع بـأمن وسلام وتتنقل الفراشات الصباحية على ورودة المتفتحة الزاهية الالوان .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك