المقالات

تاريخنا المجيد ليس تاريخنا !

1460 21:12:00 2007-05-19

بقلم : علاء الزيدي

زعق بي معلم التاريخ في الصف السادس الإبتدائي " عباس ديوان " صابـّا ً لعناته المتتالية على رأسي :- لك شنو " إبن حَسْنـة " .. قابل هو زعطوط مثلك يلعب وياك ؟!

هذه الغضبة المُضَرية لم تصدر عن إنسان غارق في الورع والتقوى ، بل عن شخص كان مخموراً على الدوام ، حتى في صفوف الدراسة ، التي لم يكن يتورع عن ملء أرضياتها بالبصاق ، بين لحظة وأخرى ، دون اهتمام بنفسيات التلاميذ الصغار وصحتهم وتربيتهم ، ناهيك عن رائحة العَرَق " المْسَيـَّح " الرديء التي كانت تفوح من فمه ، وهو يدرِّس هؤلاء الصغار المساكين " تاريخهم " المجيد !

كل ّ جريمتي أنه سألني عن اسم ذلك الصحابي الذي " فتح " تلك البلاد ، فأجبت بأنه " شـرحبيل بن حَسْنة " – بتسكين السين وليس فتحها – ولم تكن تلك غلطتي . فاسم الصحابي إياه لم يكن مُشكـّلا ً ( مُحَرَّكا ً ) في كتاب التاريخ من الأساس . كما إن أحدا ً من أهلي وأفراد عائلتي وجيراني ومعارفي وأقاربي لم يكن يعرف هذا الصحابي ، ولم يرو ِ لي أحد أية قصة أو حكاية عنه .

تفتح هذه القصة أذهاننا على حقيقة مرة . و هي أن تلاميذنا وطلابنا يدرسون تاريخا ً ليست لهم علاقة به ، وشخصيات لايعرفونها ، وأحداثا ً لاتدخل في صلب اهتماماتهم أو تمثـّل شيئا ً مؤثرا ً في حياتهم الراهنة .وإذا سألني سائل عن سبب هذا التخبط ، رددت على الفور بأنه المفكر السوري-التركي ساطع الحصري . فقد استـُقدِمَ هذا الرجل إلى العراق إبـّان تأسيس الدولة العراقية الحديثة في عشرينات القرن الماضي ، لوضع مناهج تتواءم وطبيعة تفكير المؤسسة الحاكمة ذات الرموز المستوردة ، ومن الطبيعي أن يفصـِّل الرجل مناهج على مقاسات السلطة ، التي لاتني تفتخر بكونها ممثلة أو وريثة شرعية لما تسمى بالثورة العربية الكبرى المنطلقة من الحجاز بدعم أوروبي أو بريطاني تحديدا ً . ومن هنا ، جاءت مناهج ساطع الحصري الدراسية مختصرة وموجزة لطبيعة تفكير السلطة الحاكمة آنذاك ، وهي سلطة عروبية لاعراقية و ذات قشور إسلاموية سنيـّة ، وكذلك أضفى الحصري المعبـّأ بالكراهية الطائفية التاريخية ، العثمانلية والشامية الأموية ، على تلك المناهج أبعادا ً أشد ّ طائفية ً وعنصرية ، وهكذا فقد جاءت المناهج غريبة عن واقع وتاريخ وطبيعة تفكير وتراث الغالبية من العراقيين . وربّما أمكن تلمـّس هذا الأمر بوضوح حتى في كتب القراءة للصفوف الدراسية الأولى في الإبتدائيات العراقية . فمن المستحيل أن تجد في هذه " القراءات " أسماء للشخوص تحاكي الواقع العراقي . ففي الوسط والجنوب ( وهو الشطر الأعظم من العراق ) تشيع أسماء مثل علي وحسين وحسن وعبد الحسين وعبد الحسن وعبد الكاظم وإلخ ... لكنك لاتجد في كتب القراءة إلا أسماء قدري ورازي ودينا ونازدار . ولو سلـّمنا بأن قدري من أصل تركي ودينا مسيحية ونازدار كردية فهل سمعت بعراقي اسمه رازي أو بازي ! إنها الطائفية والشوفينية العمياء التي تسللت حتى إلى التمثيليات والمسلسلات في العهود المقبورة ، حيث لتجد كل الأسماء الغريبة إلا أسماء غالبية العراقيين !

كان ساطع الحصري كتلة من المقت لكل ماهو شيعي وجعفري ، لذلك جاء تاريخنا وجغرافيتنا وحسابنا وكتابنا غريبة عنا وعن رموزنا الحقيقية التي نشأنا وشببنا على احترامها ورضعنا تقديرها وتكريمها مع الحليب . لاحظ مدى كراهية الحصري لنا من المثال التالي :يذكر الصحفي العراقي الرائد رفائيل بطي في مذكراته التي جمعها وحققها نجله الدكتور فائق بطي تحت عنوان " ذاكرة عراقية " ( المدى ، ج1 ، ط2 ، ص 61-62 ) أن ساطع الحصري مدير المعارف العام يومذاك كان يمارس سلطة دكتاتورية في وزارة المعارف ، وحينما تم افتتاح كلية الحقوق ببغداد وتقدم إليها المئات من خريجي المدارس الخاصة الذين يحملون " تذاكر تصديق " تؤكد أن شهاداتهم تعادل الشهادة الثانوية ، ومنهم خريجو المدرسة الجعفرية في بغداد ، رفض الحصري التركي- السوري هذه التذاكر وركب رأسه معاندا ً حتى تدخّل البلاط الملكي وحسم الأمر بقبولها . ويضيف بطي بأنه كان يحمل أيضا " تذكرة تصديق " من أحد الآباء الدومنكيين تشهد بأنه أنجز دراسته في مدرسة الآباء الدومنكيين في الموصل ، فقصد الحصري سائلا ً إياه تقديره لتلك الشهادة ، فقال الحصري بملء فمه :- إن التقويم العثماني الذي على منضدتي لسنة 1914 يعد ّ مدرسة الآباء الدومنكيين في الموصل من بين المدارس الإعدادية الراقية ذات الصفوف العشرة .ويقول الراحل رفائيل بطي إن روعه هدأ بهذا الجواب وخرج من مكتب الحصري غانما ً !إذن ، فسورة غضب الحصري إزاء " تذاكر التصديق " كانت مجرد مسرحية لمنع الشيعة الجعفرية من الوصول إلى دكـّة القضاء والمحاماة !

بهذه العقلية الضيقة وضعوا لنا المناهج الدراسية ، ولولا دم قلوبنا الذي صرفناه على شراء الكتب المتنوعة ، رغم فقرنا المدقع في الوسط والجنوب ، ونحن نعوم على بحار النفط التي كان ومازال يتنعم بملياراتها غيرنا ، ولولا المنابر والمجالس التي أنارت لنا الدروب المظلمة ، لخرجنا إلى دنيا العمل والحياة لانفرق بين الناقة والجمل كما كان شعب معاوية بن أبي سفيان !

لذلك ، فمن المهام الضرورية بعد توفير الأمن وتوفير المتطلبات الحياتية الأساسية للناس وإعادة الهيبة القانونية لا القسرية والتعسفية إلى الدولة ومؤسساتها ، إعداد ووضع مناهج دراسية منسجمة مع واقع الناس وتاريخهم الوطني الحقيقي . فربما كانت دراسة حياة وسيرة مناضلين وطنيين مثل يوسف سلمان يوسف " فهد " ومحمد سعيد الحبـّوبي وشعلان أبو الجون وغيرهم أهم ّ ألف مرة من دراسة شخصيات وهمية صنعتها الشوفينية والطائفية ، في محاولة منهما لتزيين وتجميل حقب الغزو والهيمنة الأجنبية .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك