حافظ آل بشارة
اعلن وزراء الثقافة العرب اتخاذ بغداد عاصمة للثقافة العربية سنة 2013 وقالوا في اجتماعهم في قطر انهم يسعون الى مساعدة العراق لاكمال بناه التحتية الخاصة بهذه التظاهرة الثقافية ، الجامعة العربية لديها نشاطات شكلية تقلد فيها الدول المرفهة والمستقرة والمرتاحة التي تهتم بالانسان وثقافته وكرامته وحقوقه ، في العراق التهم الحريق الاستبدادي كل شيء وفي وسط هذه الخرائب المخيفة والجفاف المنتشر يتذكر المثقفون عصرهم الذهبي في ظل الدولة العباسية ، وهو عصر انحطاط لا ذهبي ولا هم يحزنون ، مساكين يسمون مدح الخلفاء مقابل أجور عصرا ذهبيا ، يقف الشاعر على ابواب السلطان مثل كلب هزيل وقد يناوله شيئا وقد يطرده او يجعله اضحوكة لجنوده ، كانت غنائم الفتوحات تنهال على بغداد فلم يبق فيها فقير ،الشاعر وحده فقير يستجدي لقمة عيشه ، التأريخ الذي يكتبه مؤرخو السلطة يرسم صورة وردية لهذه المواقف الذليلة ، في ذلك العصر وما بعده لم ينجح المثقف العربي في صناعة السلطة او الرأي العام ، فالسلطة صناعة خاصة تخرج من تحت ايدي القبائل والعسكر والاقطاع ، المثقف عندهم جزء من منظومة الخدم التي تطوق السلطان وهو لا يفرق عادة بين الراقصة الغجرية والشاعر والواعظ والراوي او المحدث كلهم عنده في خانة واحدة ، ومن نبغ في بغداد من المؤرخين والشعراء والنقاد والفلاسفة والفقهاء انما نشأوا وقدموا منجزاتهم العلمية الخالدة خارج اطار الحكومات ، لكن للثقافة وليس للسلطة ، كانت الحكومات تنقضي ويموت الخلفاء والسلاطين وقادة الجند ويندثرون وتنمحي قبورهم ولا يبقى سوى ما هو مقدس في حياة الأمة وان كان ضريحا يزار كما يبقى الفكر والادب والفن ، في ظل نظام صدام تم تسييس الاداب والفنون فاصبح هناك مثقف السلطة يقابله المثقف المعارض ، وقد تم استعباد الاول واستبعاد الثاني ، وبعد التغيير بدأ عصر الحرية واتضح ان بعض المثقفين يكره الحرية يصنع صنمه الذي يسجد له ، الصنم الجديد الحالي هو عبارة عن ثقافة التقليد والعولمة والانسياق وراء الانحطاط الثقافي الغربي والاندماج معه بأسم التطور والانفتاح ، تيار ثقافي عراقي جديد يتهم كل من يحذر الناس من الغزو الثقافي بالتخلف والانغلاق والتعصب ، في فرنسا والصين واليابان والهند ظهرت قوانين تقيد الانفتاح على الثقافات الأخرى خوفا على الهوية الثقافية لتلك البلدان ! ونحن اذ يدعو بعض الجهلة عندنا الى الانفتاح غير المشروط على الغرب فهي العبثية والحمق . يمكن لبغداد ان تكون عاصمة للثقافة العربية عندما تنجح في اصلاح العلاقة بين المثقفين والساسة ، وعندما تجعل المثقف يصنع السياسي ، وعندما تبدأ مكافحة ظاهرة استعباد الساسة للمثقفين ، وعندما يكون المثقف مكتفيا اقتصاديا ولديه منزل وكرامته محفوظة ، عندما تدعم الحكومة الجمعيات والمنتديات وتكرم المبدعين ، وعندما يقول الصحفي والكاتب والمفكر والفنان الحقيقة بقوة دون ان يخشى لومة لائم
https://telegram.me/buratha