التقارير

أزمات الاسلام السياسي بين ’داعش’ والاخوان’

1188 11:25:50 2014-11-08

محمد محمود مرتضى

ما بين "الاخوان" و"داعش" يبدو أن "الاسلام السياسي" يعيش أزمة ذات أبعاد ثلاثة.

الأول: أزمة هوية وتتعلق في مستوى الفعالية التاريخية، وتشخيص هذه الهوية مع تنامي الشعور بنوع من التناقض بين واقع المسلمين وواقعية الاسلام.

الثاني: أزمة وعي ديني تتعلق بالخلافات المزمنة داخل التجمعات الاسلامية وكيفية ادارة هذه الخلافات القائمة على احتكار النص وفهمه وفق "أحادية" معرفة الحقائق.

الثالث: أزمة ممارسة، دينية أو سياسية، والتي غالبا ما اضحت تنطلق من محددات دينية محضة، تتحكم بها ميول اقصائية يصعب عليها التعايش مع "الآخر" مهما كان هذا "الآخر".

في التجربة الاخوانية، ظهر الاخوان وكأنه تيار "براغماتي" يستطيع التعايش مع بيئة "معادية" يمارس فيها نوعاً من الفصل والوصل: فصل "الجماعة" عن البيئة "الجاهلية" المحيطة بها لتلافي "مساوئها" العملية، وحجر "الفكر التوحيدي الخالص" عن أي تفاعل مع الفكر "الشركي" من ناحية عقدية.

ووصل بحدوده الدنيا مع المجموعات الاخرى بما ينسجم ومبدأ "الدعوة" الى التوحيد من جهة، والمحاولات الحثيثة للوصول الى السلطة تمهيداً "لاسلمة المجتمع" من جهة ثانية.

الا أن هذه البراغماتية ظهرت أنها كذلك عندما يكون الاخوان في موقع المعارضة (مصر نموذجا) لكنها ليست كذلك عند وصولهم للسلطة.

في الممارسة أثبت "الاسلام السياسي" الاخواني أنه قادر على التكيّف والمناورة حال كونه معارضاً أكثر منه حال كونه في السلطة.

أما في التجربة "الداعشية"، فيمكن القول إن أزمة "الاسلام السياسي" عنده متعمقة أكثر بسبب تفاعل الأبعاد الثلاثة بعضها ببعض.

يسعى "داعش" لتكريس هوية خاصة به تتفاعل مع التاريخ عبر استحضاره بكله وكلكله وغثه وسمينه، متجاوزين "البعد الزماني" لمحدد هام في صياغة وتحديد الهوية. معتبرين ان "واقعية الاسلام" تقضي بإجراء عملية "انزياح مجتمعي" ومن ثم "نقل" إجتماعي الى واقع المسلمين كما كان عليه في زمن "السلف الصالح".

وفي الوعي الديني يرى "داعش" أن ما يجري الآن ليس طارئاً بل هو إمتداد لصراع تاريخي بين معسكري "الايمان والكفر"، ولئن كان الكفر يتمثل في المشركين والمنافقين في عصر الدولة النبوية فانه اتسع في عصر "الخلافة الراشدة" والسلف الصالح ليشمل حركات الردة والابتعاد عن الاحتكام الى الدين.

اما الممارسة، كبعد ثالث، فيرى "داعش" أنه الأخطر على "الدين"، والأكثر تمظهراً لناحية "الممارسات الشركية". ليس فقط  من جهة بعض الشعائر الدينية، بل في الرضوخ الى الحكام "الظالمين" والحكومات "الكافرة" واللجوء الى الممارسة "الديمقراطية" في العمل السياسي وهي ممارسة "شركية" ايضاً.

ويُرجع "الاسلام السياسي" الداعشي جميع هذه الانحرافات الى الفقه السياسي التقليدي "المغلوط" الذي ترسخ عبر التاريخ وفق نظرية "ولاية المتغلب".

يرى "داعش" أن مهمته "المقدسة" تكمن في إجراء عملية " تنقية وتطهير"، أما التنقية فتتعلق بإعادة تركيز وعي ديني "نكوصي" يعود بالمجتمع الى زمن السلف الصالح وتنقيته من "شوائب الحداثة" بدلا من استحضار تجربة هذا السلف وتفكيكها عن محددها الزماني.

لكن تنقية الوعي الديني يراد منه البعد "الماهوي"، اعني تكريس الهوية الخاصة بهذا المجتمع.

وأما التطهير، فذو وجهين : تطهير للمجتمع وتطهير فيه. الاول يقضي باقصاء الاقليات من "مشركين وكفار"، والثاني تطهير في مجتمع " المهاجرين والانصار" من كل سلوكيات منحرفة لا تنسجم مع ممارسات السلف الصالح وفق توصيفاتهم.

ما بين الاخوان وداعش يبدو أن الاسلام السياسي "السني" تحديداً يعيش أزمة حقيقية، لتراث كبير من التنظير لم ينسجم مع التجربة المعاشة الى الآن.

واذا لم تستطع الحركات الاسلامية "السنية" القيام بإنتاج معرفي معاصر يقارب بين النظرية والتطبيق، فان الامور ربما تتجه نحو أزمة أكبر ستُنتج حتماً نوعاً من "القطيعة" بين الدين كعلاقة شخصية للفرد بربه، وبين الدين كنظرية سياسية قابلة للتطبيق ومقبولة من مجموع الأمة بعد الدولة النبوية "والخلافة الراشدة".

7/5/141108

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك