حسن الهاشمي
عادة ما يكون المثقفون العقلاء في خضم الأحداث التي تعصف بالأمة هم الملجأ والمأوى وصمام الأمان لامتصاص الأزمات والعبور بالأمة إلى شاطئ الأمان عبر التوجيه واتخاذ القرارات الصائبة التي تصب في مصلحة الأمة، وكلما يكون أصحاب القرار من الحنكة والتقوى والمهنية ويستندون في حكمهم إلى الشورى وتقلب الآراء كلما يكون القرار أكثر صوابا وأمتن حكما وأوفر عطاء والعكس بالعكس كلما يكون القرار من الهزال والانحراف والمزاجية التي طالما تصدر من الظلمة والفاسدين كلما يكون فيه من المنغصات والكوارث ما لا يحمد عقباها. ونظرية الحكم والأخذ بأزمة الأمور في الحكم هي من أخطر النظريات لأنها تمس عادات وتقاليد ومصير العباد وفي كافة مجالات الحياة، لذلك تتطلب أن المتصدين للأمور أن يكونوا على مستوى عال من المسؤولية لحفظ الحقوق وبسط العدالة والأخذ بأيدي الجماهير إلى سبل الرفاه والنجاة والتطور والاستقرار، وهذا لا يتأتى اعتباطا وإنما يتأتى بتظافر جهود عقلاء الأمة ومثقفيها وسياسييها وعلماءها من شتى الصنوف، والرأي الصائب يكون دائما بالاستشارة من كافة الاختصاصات التي تعنى بشؤون البشر من سياسية ودينية واقتصادية واجتماعية لأنها مجتمعة هي التي تشكل مستقبل الإنسان نحو الأحسن إن حسن القادة والأسوأ إن انحرف القادة عن جادة الصواب، ولهذا جاءت الروايات لتؤكد على ضرورة الاستشارة لأنها تهدي لأرشد الأمور وأصوبها، وإن أعلم الناس من جمع علوم الآخرين إلى علمه. وفي هذا المضمار جاء في الحديث الشريف: صنفان من أمتي إذا صلحا صلحت أمتي وإذا فسدا فسدت أمتي... الفقهاء والأمراء. (تحف العقول: ص42) ومن هذا نعرف أن هناك حاجة ماسة بل ضرورية للتنسيق بين السياسي والفقيه من أجل بناء دولة كريمة يحكمها الحق ويسوسها العدل، فمن دون ذلك لا يقوم للدولة بنيان قويم ولا لسياستها نهج مستقيم، حيث أن السياسي غير المثقف يتخذ من الديكتاتورية وإلغاء الآخر منهجا له ولا يجلب للأمة سوى الدمار والويلات، أما السياسي المثقف فإنه بالإضافة إلى صعوده إلى مراكز القرار إنما جاء عن طريق الإقتراع وانتخاب الناس له مباشرة، فإنه يعتمد على آراء العلماء والمتخصصين كل في مجال عمله لكي يفتح الطريق أمام كل نجاح ويقتنص الكلمة الصادقة والواعدة خدمة للمصلحة العامة وأنها فوق الميول والاتجاهات الفئوية والشخصية. وعندما تكون الدولة قائمة على أساس حق الله تعالى في الحكم وحق الناس في الحكومة ينبغي أن يكون الهدف الأسمى فيها هو رضا الله سبحانه والانتصاف لعباده، حيث إن هذا الهدف إذا ما تم تحقيقه فإن الأمة بخير وهي ترفل بالسعادة الدنيوية والأخروية، كيف لا وإن الله تعالى أقرب للإنسان من حبل الوريد وهو الذي يعلم احتياجاته وما ينتشله من مهاوي الفساد والرذيلة وما يحتاجه للوصول إلى ساحل النجاة؟! والعلاقة إذا ما عمرت بين الإنسان وربه فإن كل أبواب الرحمة والبركة تتفتح أمامه وتؤتيه الثمرات من فوق رأسه ومن تحت رجله، أما إذا ما أساءت العلاقة فإن حياة الإنسان تكون نكدا وإنه لا يخرج من مشكلة حتى يدخل بأعظم منها.الدولة التي تعتمد رضا الله تعالى وإنصاف العباد تكون السلطة فيها متنقلة يتداولها الناس سلميا وبالانتخاب الحر النزيه بعيدا عن الغش والخداع واللعب السياسية التي نراها غالبا في الأنظمة المستبدة والتي اكتوينا بها عشرات بل مئات السنين بسبب ابتعادنا عن القيم والأحكام التي أنزلها الله تعالى لسعادتنا، وعلاجنا يكمن في أن تكون سياستنا العامة قائمة على أساس الرفاه ونشر الفضيلة وتوزيع القدرة توزيعا عادلا، وأن ترعى حقوق جميع المواطنين بلا إجحاف أو ظلم طبقي أو فئوي أو قومي أو أسري أو غير ذلك من عناصر الظلم والجور والفساد.المهم أن يتولى إدارة الدولة ذوي الخبرة والاختصاص في كل مجالات الحياة ليتضامن الدين والدنيا في بنائها وتسييرها، فكل دولة يحوطها الدين والأخلاق لا تغلب وكل سياسة لا يقودها العلم والحكمة سرعان ما تذهب، هذه المعادلة ضرورية للتقويم والسلوك والاستمرارية على المنهج الحق الذي لا لبس فيه ولا اعوجاج، حيث أن الحكم لله والحكومة للشعب ينتخب من يراه مناسبا لتحقيق أهدافه في الحفاظ على القيم والفضيلة والنهوض العمراني في ظل دولة يتم فيها التداول السلمي للسلطة، وأنها عرضة للانتقاد والتغيير إذا ما شابها أي نوع من التقصير أو التواني في أداء الحقوق والواجبات وما لها وما عليها بشأن كل ما يعتور حركة الناس نحو الأحسن الكمي والكيفي في طريقة الحكم والحكومة التي يعيش في كنفها.الشارع عندما يقول أنتم أعرف بأمور دنياكم إنما يقصد مرافق الحياة العامة التي ليس لها علاقة بالتشريع كالتبحر في العلوم الحديثة وتطوير الحياة بما يوفر سبل الأمن والراحة والرفاه للمواطن، أما الأمور المتعلقة بالتشريع التي ربما تتدخل في صغريات الحياة البشرية لتنظيمها وسوقها لتحقيق العدل والقسط في التعامل الإنساني فالإنسان مدعو لمصلحته العامة والخاصة العمل وفقا للتشريع الإلهي، وإذا ما أحجم عنها وانصبت عليه المشاكل المادية والروحية صبا فلا يلومن إلا نفسه ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى)، وعندما تكون الدنيا مزرعة الآخرة وعندما تكون أعمال الخير تجلب على أهلها البركة والرحمة ويلمسها الإنسان الملتزم في حياته الدنيا قبل غيره، ناهيك عن الثواب الذي ينتظره في الآخرة فإن هذه الأمور كلها حوافز ومحركات للعمل الصالح الذي يحفظ المال العام والأعراض والدماء من الانتهاك كما هو حاصل في الدول المادية البعيدة عن مصادر التشريع الإلهي، إذن الدين ليس أفيونا للشعوب كما ذكر ذلك الملحدون وإنما هو لتنظيم العلاقة بين العبد وأقرانه وبين العبد وربه ليضمن بذلك السعادة والتطور والتكامل في الدنيا والآخرة.
https://telegram.me/buratha