المقالات

بوتقةُ التمييز..


كوثر العزاوي

من البديهي جدا أن تنتج الظروف الطبيعية وأيام الصفاء أناسيّ كثيرة يغلب عليها طابع الاستقامة وَسِمة الشرف والاعتدال ولو ادّعاءً، حيث أنّ لباس الظاهر شفيفٌ وساتر لما تحتهُ، ومن السهل جدا امتزاج الطيّب والخبيث والصالح والطالح، والمؤمن والمنافق، ولايطَّلع على مافي القلوب إلا علَّامُ الغيوب ولايُعرَف المرء إلّا في الخطوب،

وعند هُبوب رياح البلاء وتصاعد غبار الشدة وتراكم ظلمات الآفاق، تتمايز الصفوف، ويُعرَف صادقُ الإيمان من المدَّعي، وعاليَ الشرف من الوضيع، ومن شأن الله سبحانه ألّا يترك المؤمنين في مصافّ الكافرين والمنافقين حتى يميّزهم ويعرّف الناس فضلهم ونزاهتهم وهم في غمرة اختلاطهم بالكفار والمنافقين بمقتضى التعايش في الحياة، وهذه سنّة الله عزوجل في خلقه في كل عصر وزمان، وقد تجلى لطفه مبيّنًا حكمته وسنّتهِ في خلقهِ عبر قوله عزوجل:{ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلی‌ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّی يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَی الْغَيب..} آل عمران ١٧٩- والملفت في هذه الآية جمال التعبير عن المؤمنين المخلصين الذين صدقوا في إيمانهم فجاء ب"الطيب"، ومن المعلوم أن الطيب كما ورد في كتب التفسير، هو الباقي علی أصل خِلقتهِ الذي لم تُشِبْهُ الشّوائب، ولم تلوثه الكدورات، فالماء الطاهر طيّب، و الثوب الطاهر طيّب، بل كل ما شابه ذلك مما لايلوثه خَبَث او خُبثٌ فيكدّر صفاءه ويذهب بهاءه! فكأن رأفة الله تعالى تقول: أيها المؤمنون كيف لي ترككم على ما أنتم عليه من الإلتباس والشبهات واختلاط المنافقين بكم وقد خفيَ أمرهم عنكم، بيد انّ ذلك مرهون بالاختبار والتمحيص وعند اشتداد الغربال، فتبتَلون وتمتحَنون بألوان من المصائب والشدائد حتى يتميز المؤمنون من المنافقين، وينفصل الأخيار عن الأشرار، وهذا أيضا مااثبتته الروايات عن أهل بيت العصمة وهي خير شاهد: في حديث للإمام الباقر"عليه السلام": {والله لتُميّزنّ، والله لتُمحصنّ، والله لتُغربلنّ كما يُغربل الزوان من القمح}

فقد نفهم مما ذُكر، أن الإيمان هو فطرة الإنسان الأصلية، وجِبلّتهُ الأولی، ولعل مانراه اليوم من سقوط مريع لأفراد وجماعات طالما اتخذوا الدين غطاءًا وتكلّفًا وتصنّعوا الإيمان والشرف، سيما المتسنّمين مراكز المسؤولية في دوائر السلطة ومَن نالوا ثقة عوام الناس من الشعب، وبينما هم يتحركون غافلين في مختبر الحياة إذ تراهم على غير هدى من ربهم ليدركوا بعد التداعي والسقوط، أن ليس کلّ من ادّعی الإيمان وتغنى بشعارات جوفاء يُترك لشأنه ليعيش في المجتمع بشکل عادي، بل إنّ ضغوطات الحياة هي محك البشر وهي المختبر الذي تتمايز فيه صفوفهم" ففي تقلب الاحوال تُعرف جواهر الرجال" وإنّ طريق معرفتهم وتمييزهم هو الابتلاء ويتم ذلك تدريجيًا، وتلك بوتقة التمييز، فما على الغيور حقًا إلّا أن يجتهد ليثبت حقيقة ادّعائه وصدق نيّته ليفوز في هذا الامتحان و يخرج مرفوع الرأس من هذا الاختبار العظيم! وتبقی الأعمال المقترنة بالتقوى هي الملاك الوحيد و المعيار الخالد و المسار الأبدي لمعرفة الأشخاص وتمييزهم و تصنيفهم، وماعدا ذلك فهو بلاهة واستغفال لاتليق بالمؤمنين والله تعالى يقول: {قُل لَّا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ ۚ فَاتَّقُوا اللَهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} المائدة ١٠٠

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك