المقالات

الزمن المهدور..!


  محمد عبد الجبار الشبوط ||   الزمن هو العنصر الثالث في المركب الحضاري إضافة الى الانسان والارض والعلم والعمل. بمعنى ان كل فعل حضاري هو حصيلة اجتماع وتفاعل هذه العناصر في اطار منظومة قيم حاكمة. وكلمة "قيم" في هذا السياق محايدة، لانها قد تعني قيما سلبية وقد تعني قيما ايجابية. فالحرية قيمة ايجابية، على عكس العبودية وهي قيمة سلبية.  ومنظومة القيم الايجابية تطرح عدة نقاط تتعلق بالزمن منها: اولا، وعي قيمة الزمن بوصفه ثروة لا تعوض، يجب الحفاظ عليها والحرص عليها واستثمارها وعدم اضاعتها وهدرها فيما لا ينفع الانتاجية الحضارية. وفي الحديث الذي يرويه "البحار" نقرأ:"يا أبا ذر كن على عمرك أشح منك على درهمك ودينارك.". ثانيا، تنظيم الزمن، وفق جداول زمنية تحدد المهام المطلوب انجازها في كل قطعة زمنية معطاة، بما يضمن عدم الارتباك في العمل وهدر الزمن. ثالثا، كمية الانجاز في الزمن المعطى. فالمفروض ان تحسب كمية الانجاز بالنسبة الى الزمن المعطى بهدف زيادة هذه الكمية، اي زيادة الانتاجية.  رابعا، تغير الزمان، والذي يعني ملاحظة التغيرات التي تحصل في القيم والمعايير والتوجهات التي تحصل بمرور الزمن ومنها ينتج الاختلاف بين الاجيال وضرورة مراعاة هذا الاختلاف. كما في مقولة "لا تكرهوا أولادكم على آثاركم ، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم"، بغض النظر عن قائلها.  تختلف المجتمعات في طريقة وطبيعة استثمارها للزمن. فهناك مجتمعات تحسن استغلال الزمن على افضل وجه، بالنسبة الى انتاجية المجتمع، كالمجتمع الياباني، وهناك مجتمعات لا تحسن ذلك، وهي المجتمعات المتخلفة. ولهذا قلت في مناسبات كثيرة ان التخلف في جوهره عبارة عن خلل حاد، او اختلالات حادة، لا فرق، في المركب الحضاري ومنظومة القيم الحافة به. وعدم استثمار الزمن تخلف/ او تأخر في وعي المجتمع للزمن وطريقة استثماره له.  جرت الانتخابات النيابية في العراق في العاشر من شهر تشرين الاول من عام ٢٠٢١. وقد مضت حتى الان حوالي اربعة اشهر الا عدة ايام. والغاية من الانتخابات كما هو معروف تشكيل مجلس النواب، ثم انتخاب رئيس الجمهورية واختيار رئيس مجلس الوزراء.  ولكن لم يتم الانتهاء من تحقيق هذه الاهداف كلها حتى الان. وهذا يؤشر الى وجود خلل كبير في حساب الزمن في المجتمع العراقي. ففي المجتمعات المتقدمة/ الحضارية/ الحديثة لا تستغرق هذه المهام كل هذا الوقت، بل يتم انجازها خلال ٢٤ ساعة او اكثر قليلا. وبالتاكيد هناك اسباب كثيرة لهذه المسألة سواء في مظهرها المتقدم او مظهرها المتخلف. وما يهمنا من القول انها تعبير عن خلل حاد في المركب الحضاري للمجتمع العراقي والدولة العراقية يشمل هندسة الدولة كما يشمل السلوك السياسي للافراد والجماعات ذات العلاقة. وادى هذا الخلل الى ضعف الانتاجية السياسية للمجتمع العراقي.   وهذا خلل نجده في مفاصل المجتمع وهياكل الدولة المختلفة، سواء في الدوائر الحكومية ام في مجالات العمل الاخرى، وخلاصته ضعف انتاجية المجتمع، اي ضآلة كمية المنتج بالنسبة الى كمية الزمن المعطى. ولهذا اكرر القول ان اي اصلاح للمجتمع العراقي يجب ان يعالج بالدرجة الاولى الاختلالات الحاصلة في المركب الحضاري واعادة بناء المحتوى الداخلي للمجتمع، ومنظومة القيم العليا، ومنظومة الاجراءات التنفيذية ذات العلاقة بشكل  يحسّن ويزيد من انتاجية المجتمع في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والادارية والتربوية وغير ذلك. يقول البعض "شبعنا من التنظير! نريد حلولا عملية!" واقول لهؤلاء ان الحلول العملية لا يمكن ان تشتغل في مجتمع يعاني خللا في المركب الحضاري وقيمه الحافة، ويقع هذا في صلب النظرية التي يتعين العمل على انتاجها وتطبيقها.
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك