المقالات

المَرجِعيّةُ الدّينيّةُ..لَمحةُ تاريخٍ؛ ورُؤيةُ حاضرٍ؛ وَبَصيرةُ مُستقبلٍ

2415 2021-11-28

أ.د. عليّ الدّلفي ||

في كُلِّ دولةٍ من دولِ العالمِ تتّجهُ العقولُ إلى استثمارِ مصادرِ القوّةِ في هذهِ الدّولةِ أو تلكَ؛ ولا شكَّ أنَّ المرجعيّةَ الدّينيّةَ في العِرَاقِ منْ أهمِّ وأقوى مصادرِ القوّةِ فيهِ؛ من هنا ونتيجة الصّراعِ على المصالحِ أصبحتِ المرجعيّةُ الدّينيّةُ هدفًا لسِهامِ أعداءِ العِرَاقِ لإضعافهِ والنّيلِ منهُ؛ ولا سيّما بَعْدَ الفتوى المباركةِ التي أجهضتْ صفحةً مِنْ صفحاتِ مشروعِ الشّرقِ الأوسطِ الجديدِ.
يُحدّثنا التّاريخُ أنَّ السّيّدَ الشّيرازيّ بعدَ إصدارِ فتواه بتحريمِ التّنباكِ التي أدّتْ إلى تَحرّرِ الاقتصادِ الإيرانيّ مِنْ (بريطانيا) رُؤيَ حزينًا بعدَ ذلكَ، فلمّا سألهُ البعضُ عن سببِ حزنهِ؟ أجاب ما مفاده: أنَّ الأعداءَ سينتبهونَ إلى قُوّةِ المرجعيّةِ الدّينيّةِ بعدَ أثرِ هذهِ الفتوى مِمّا يجعلهم في شغلٍ شاغلٍ لحياكةِ المؤامراتِ في سبيلِ إضعافِ المرجعيّةِ في أوساطِ المُجتمعِ.
يصفُ بَعْضُ المُستشرقينَ (الشّيعةَ) بأنّهم حزبٌ ثوريّ هدّامٌ، وهذا الوصفُ نِتاجٌ إلى تعارضِ مصلحةِ الشّعوبِ والأممِ التي يمثّلها هؤلاءِ المُستشرقينَ وأدبياتِ القراءةِ الشّيعيّةِ للإسلامِ الثوريّةِ، بَلْ وتعارض هذه المدرسة الشّيعيّة مع الدّولِ الإسلاميّةِ التّاريخيّةِ الثلاثِ (الأمويّةِ؛ والعباسيّةِ؛ والعثمانيّةِ)، ومنشأ التعارضِ أنَّ هذهِ الدّول الثلاث فرضتِ الإسلام الرّسميّ على الشّعوبِ المُتحكّمةِ بها حتّى نادى مناديهم أنَّه برئتِ الذّمةُ من يتّبعُ هؤلاءِ الفقهاء الأربعة وهُمْ: (أبو حنيفة؛ ومالك؛ والشافعيّ؛ والحنبليّ)؛ باعتبارِ هذهِ المذاهب هي الأقربُ إلى إضفاءِ المشروعيّةِ على فسادِ الحكّامِ وظلمهم، وهنا المدرسةُ الشّيعيّة كانتْ على طولِ الخطّ الرّساليّ في معارضةٍ مع هذهِ الأنظمةِ التي أرادتْ بكلِّ وسيلةِ استئصالِ الشّيعةِ منَ الوجودِ، والتّاريخُ زاخرٌ في عملياتِ الاستئصالِ وفق فتاوى وعّاظ السّلاطين! منْ هنا كانَ الحكمُ الإسلاميّ؛ وهو التقيّةُ؛ بارزًا في أدبيّاتِ الشّيعةِ كوسيلةٍ للحفاظِ على الوجودِ الشّيعيّ، وبالفعلِ نجحَ أئمّةُ أهلِ البيتِ (عليهم السّلام) في الحفاظِ على هذا الوجودِ؛ بل أعطوا لقادةِ شيعتهم بعدَ الغيبةِ الكبرى سبيلًا يتمثّلُ في أنّ التقيّةَ ديني ودين آبائي في الحفاظِ على هذا الوجودِ المباركِ، ولذلك نرى حملاتِ التّشنيعِ والتّسفيهِ من قبل وعّاظ السّلاطين على (مبدأ التقيّةِ) والذي هو إسلاميّ بحت.
وإنَّ قادةَ الشّيعةِ تمحوروا في مدارسَ علميّةٍ اتّخذتْ منَ الدّينِ أساسًا لهــا سُمّيتْ بالحوزاتِ العلميّةِ. وأوّلُ وأشهرُ وأعرقُ حوزةٍ علميّةٍ دينيّةٍ هي حوزةُ النّجفِ الأشرفِ، وكم من عواصفَ عصفتْ بالوجودِ الشّيعيّ وبحوزاتهم ولا سيّما حوزةُ النّجفِ الأشرفِ إلّا إنّها بقيتْ صامدةً وإنْ قدّمتِ الدّماءَ والتّقتيلَ والتّشريدَ لأبنائها وأبناء الشّيعةِ عمومًا.
لَقَدْ حاولَتِ الأنظمةُ السّياسيّةُ الطّائفيّةُ قديمًا وحديثًا مُحاربةَ المجتمعِ الشّيعيّ من خلالِ محاربةِ قادتهم العلماءِ في بلدانهم، فالعراق بنظامهِ السّياسيّ الطّائفيّ شنَّ حربًا على المرجعيّةِ الدّينيّةِ مع إذاقةِ الشّيعةِ في العِرَاقِ الأمرّين مِنْ تقتيلٍ ومقابرَ جماعيّةٍ وسجونٍ للتعذيبِ لا يمكن تصوّره في الخيالِ؛ والبحرين كذلك ثُمّ نجدُ (آل سعود) قد جيّشوا الجيوشَ مُنْذُ أعوامٍ ضدّ الشّيعةِ الحوثيّينَ.. والتّآمرُ مستمرٌّ إلــى يومنا هذا !!
والتّاريخُ ينبّئنا بأنَّ القياداتِ الشّيعيّةَ والمُتمثّلة بالحوزاتِ تعاطتْ بمنتهى الذَّكاءِ والاحترافِ مَعَ السّلطانِ الغاشمِ لتحافظَ على الوجودِ الشّيعيّ، وهذا التّراكمُ التّاريخيّ؛ الذي يمتدُّ قرابةَ الألفِ سنةٍ معِ تُراثٍ توجيهيّ لأهلِ البيتِ (عليهم السّلام) في سُبُلِ التّعاطي مَعَ الأحداثِ؛ جعلَ مراجعَ الشّيعةِ في الصّفوةِ العُليا من الحكمةِ والبصيرةِ والإنسانيّةِ.
واليوم؛ بَعْدَ فتوى الجهادِ الكفائيّ المباركةِ؛ نجدُ حملةً شعواءَ ضدّ المرجعيّةِ باعتبارها العائقَ الرّئيسَ أمامَ مشروعهم الجديدِ، وَقَدْ تمّ تجنيدُ أدواتٍ داخليّةٍ؛ ورصدُ أموالٍ طائلةٍ خارجيّةٍ لتحقيقِ إسقاطِ قيمةِ المرجعيّةِ في نفوسِ النّاسِ، وانطلتْ هذه الحملةُ على السُّذّجِ والبلهاءِ لينساقوا مع البروبوغاندات المسلّطةِ على المجتمعِ، ويستسلموا لقصفِ عقولهم؛ ويرحّبوا بنظريّةِ غسيلِ الأدمغةِ من حيث يشعرون ولا يشعرونَ؛ وفاتَهم أنَّ التّراكمَ التّاريخيّ لجهادِ الحوزةِ وتعاطيها مع الأحداثِ مع منظومةٍ توجيهيّةٍ لأهلِ البيت (عليهم السّلام) ستجعلُ مستهدفي المرجعيّةِ في المالِ أهلًا للخسارةِ والفشلِ؛ ففي حضرةِ حكمةِ المراجعِ العظامِ وبصيرتهِم وتواضعهِم تسقطُ كلّ الرّهاناتِ

 
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك