المقالات

هل الدولة الحضارية الحديثة ممكنة؟


  محمد عبد الجبار الشبوط ||   ١. اليأس من إمكانية تاسيس الدولة الحضارية الحديثة: يشعر بعض المتلقين من القرّاء وغيرهم باليأس من إمكانية قيام الدولة الحضارية الحديثة في العراق. ويورد هؤلاء اسبابا وحججا كثيرة يبررون بها ياسهم. ومهما تعددت اسباب اليأس، فانه بالإمكان تحديد ثلاثة انواع من اليأس هي: النوع الاول، اليأس الذاتي (او الشعوري) وهو عبارة عن احساس شخصي منطلق من التأثر الذاتي بالعوامل السلبية المحبطة المحيطة. وما أكثرها. النوع الثاني، اليأس الموضوعي الناتج من سلب إمكانية قيام الدولة الحضارية على أسس عملية او علمية او منطقية. النوع الثالث، الياس المصنوع او المخطط: يخامرني الشك في ان بعض اليأس متعمد ومصنوع ومخطط له من قبل جهات لا تريد لهذا الشعب ان ينهض ولا هذا المجتمع ان يأمل ولا لهذا البلد ان يقوم. لان هذه الجهات تعلم ان هذا الشعب لو تحلى بشيء من الأمل بالله والثقة بالنفس لتحول الى قوة لا تقهر. وهذا ما لا تريده هذه الجهات. ٢. ما هو الإمكان؟ هناك ثلاثة انواع من الامكانات: النوع الاول، الإمكان العملي: "واقصد بالإمكان العملي- والكلام للسيد محمد باقر الصدر-ان يكون الشيء ممكنا على نحو يتاح لي ولَك او لانسان اخر فعلا ان يحققه". فهناك من يمارسه فعلا. النوع الثاني، الإمكان العلمي: "واقصد بالإمكان العلمي-والكلام للسيد محمد باقر الصدر ايضا-ان هناك اشياء قد لا يكون بالإمكان عمليا لي ولك ان نمارسها فعلا ... ولكن لا يوجد لدى العلم ولا تشير اتجاهاته المتحركة الى ما يبرر رفض امكان هذه الأشياء ووقوعها." النوع الثالث، الإمكان المنطقي او الفلسفي: "واقصد بالإمكان المنطقي او الفلسفي -والكلام للسيد محمد باقر الصدر ايضا- انه لا يوجد لدى العقل وفق ما يدركه من قوانين قبلية ما يبرر رفض الشيء او الحكم باستحالته". ٣. ماهي الدولة الحضارية الحديثة؟ ولكي نحدد نوع الإمكانية في إقامة الدولة الحضارية الحديثة، نحتاج الى تحديد علمي لمعنى هذا المصطلح. الدولة الحضارية الحديثة هي : تلك الدولة التي يتحقق فيها التركيب السليم لعناصر الحضارة الخمسة، في سياق زمنها المعاصر لها. ٤. يمكن لغرض بحث الإمكانية تفكيك هذا التعريف الى مكوناته الأربعة وهي: المكون الاول: التركيب المكون الثاني: سلامة التركيب المكون الثالث: العناصر الخمسة المكون الرابع: السياق الزمني/ الحداثة ٥. فيما يتعلق بالتركيب بين العناصر فهذا امر يقوم به المواطنون الفعالون وروّاد النهضة وهذا مما لا يوجد ما يسلب عنه إمكانية التحقق لا علميا ولا عمليا ولا منطقيا. بل ان مشروع الدولة الحضارية الحديثة بحد ذاته يشكل مركبا قادرا على تفعيل عناصر الحضارة الخمسة. وقد قلنا اكثر من مرة ان العمود الفقري لهذا التركيب هو المران الذاتي لإيجاد المواطن الفعّال. وهذا من الممكنات بالأشكال الثلاثة. ٦. والتركيب "السليم" لعناصر الحضارة امر يعتمد على اجتهاد المفكرين من العراقيين، وما أكثرهم. ٧. اما عناصر الحضارة  الخمسة (الانسان، الطبيعة، الزمن، العلم، العمل) فهي ليست عسيرة حتى وان كانت تواجه بعض الصعوبات. فالعناصر الثلاثة الاولى موجودة. اما العنصران الأخيران فعلى الانسان(اي العنصر الاول) ان يوفرهما.  واذا كان الانسان الحضاري الفعّال هو محور تكوين الدولة الحضارية الحديثة فهو من الامور المضمونة عراقيا. ليس المطلوب ان يكون ٣٥ مليون شخص بهذه الصفات. فالحضارات تصنعها نخب واعية مدعومة بقاعدة شعبية كافية. وهذا من الممكنات مهما كانت الظروف.  و قيد "السياق الزمني المعاصر" اي الحداثة يعتمد على وعي الانسان لعصره. والعين الباصرة تؤكد ان شريحة كبيرة من العراقيين يعيشون عصرهم ويواكبون تطوراته العلمية والتكنولوجية. روح العصر ليست غائبة عن العراق وحاضره. .  ٨. وحين ننظر الى مشروع الدولة الحضارية الحديثة من زاوية الممكنات الثلاثة نجد ما يلي: اولا، ان الدولة الحضارية الحديثة من الممكنات العملية لانها ببساطة موجودة في بلدان اخرى. والدعوة الى أقامتها في العراق ليس بدعا من الامر ولا يتطلب معجزة. ثانيا، ان العلم لا يسلب صفة الإمكان من الدولة الحضارية الحديثة. بل انه يقف الى جانب أقامتها.  ثالثا، ولا نجد في الفلسفة او المنطق ما يسلب من الدولة الحضارية الحديثة صفة الإمكان. ٩. ومن هنا يتضح انه لا يوجد أساس عملي ولا علمي ولا فلسفي لليأس الموضوعي من إقامة الدولة الحضارية الحديثة. فهي من الممكنات العملية والعلمية والفلسفية في ان واحد. ١٠. يبقى ما هو اهم من القول بإمكان قيام الدولة الحضارية الحديثة، واعني ما يجعل قيامها مرجحا ومحتملا بدرجة كبيرة. فهل الدولة الحضارية الحديثة مرجحة على ما عداها من أشكال الدول؟  هذا ما سوف اجيب عنه في مقالة مقبلة ان شاء الله.

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك