المقالات

عاشوراء: موسم لاختطاف التشيع


د. علي المؤمن||

 

    بعض من يرتقي منبر أهل البيت أو يضع العمامة الشيعية على رأسه أو يمتلك قناة تلفزيونية تتكلم باسم التشيع؛ يستغل مواسم عاشوراء في كل سنة؛ ليعرض أحاديث وسلوكيات تشوه نقاء مذهب آل البيت وأصالته وعقلانيته، وتصب في مصلحة مذاهب التكفير المعادية لأهل البيت؛ لأن هذه الممارسات والأقوال المنسوبة الى التشيع تتعارض ومقاصد الإصلاح والوعي في نهضة سيد الشهداء (ع)، وتتعارض أيضاً مع فتاوى المرجعية العليا وتوجيهاتها التي تصدرها الى لأمة عموماً، والى خطباء المنبر والقائمين على الشعائر الحسينية خصوصاً، كما أنها تنفر الآخر الديني والمذهبي من التشيع، ومن ذلك ما يقوم به هؤلاء التحريفيون من المجاهرة بالخرافة والبدع قولاً وسلوكاً، والغلو بأئمة أهل البيت، وسب رموز المدرسة السنية، وكلها قراءات لاعلاقة لها بمدرسة آل البيت.

   وقد ظهر خلال العقود الثلاثة الأخيرة بعض الخطباء و(الرواديد) الذين لايراعون أدنى مصلحة للتشيع، ولايحترمون عقول مستمعيهم. وسواء أحسنّا الظن بهم، وحملناهم على محمل الغفلة والجهل والعناد والغرور، أو محمل الانتساب الى مدارس الانحراف والخرافة، أو حملهم آخرون على محمل الارتباط بأجندات تخريبية معادية للمذهب؛ فإنهم ـــ في كل الحالات ـــ يستبيحون منبر أهل البيت ويحولونه الى منبر للضلال والغلو والانحراف وتشويه صورة مذهب أهل البيت، أو يحولونه الى منبر للتحليل السياسي وفرض المواقف السياسية على المستمعين. وبالنتيجة يظهر بعض الخطباء وكأنه متخصص في كل الشؤون والعلوم. والحال أن كثيراً منهم لم ينه سطوح العلوم الحوزوية ولم يتخرج من الثانوية.  

 والخطير في الأمر، أن مدارس التحريف والغلو الجديدة، تجاهر بأنها تمثل التشيع حصراً، وأن خصومها هم المنحرفون والضالون؛ برغم ضآلة عدد أتباعها وافتقارها الى الكفاءات النوعية، وعدم قبول أفكارها وسلوكياتها من الخط العام للمرجعية الدينية ومن مجمل النظام الاجتماعي الديني الشيعي. وهي في الحقيقة مصداق الـ ((شَين)) على أهل البيت، كما يصف الإمام الصادق بعض الشيعة بخطابه: ((كونوا زيناً لنا ولاتكونوا شيناً علينا))؛ لأن أتباع هذه المدارس يرتكبون ــ في آن واحد ــ جريمتين بحق التشيع والشيعة:

    الجريمة الأولى: أنهم يقدمون أدلة مجانية مبتدعة تدعم مزاعم المذهب الوهابي التكفيري، وتساهم في توسيع مساحات تأثيره على أتباع المذاهب السنية الأخرى. هذه الأدلة الملموسة تقود كثيراً من عوام السنة الى الإرتماء في أحضان العقيدة الوهابية التكفيرية وتصديق مزاعمها ضد الشيعة. ولذلك لانستغرب حين لايرف جفن أغلب السنة وهم يشاهدون المجازر التي يتعرض اليها الشيعة في كل مكان؛ لأن المسوغات التي يستدل بها الوهابيون التكفيريون؛ تتناغم وعواطف كثير من أهل السنة؛ برغم أنها مسوغات متهافتةابتدعتها فئات قليلة معزولة من الشيعة.  

    الجريمة الثانية: تشويه عقيدة آل البيت وتلويث طهرها، وتضليل الشيعة وحرف مسار حركتهم الفكرية والميدانية، وضرب عناصر القوة في النظام الاجتماعي الديني الشيعي، عبر طرح أفكار وسلوكيات تحت عنوان "العقيدة" و"الشعائر" و"المعاجز" و"الكرامات"، ولكنها ـــ في الحقيقة ـــ تتعارض مع تعاليم آل البيت ونهضة الإمام الحسين. وهذه الأفكار والسلوكيات هي في حقيقتها مسعى خطيراً يقوم به المغالون والخرافيون لانتاج عقيدةٍ وسلوكٍ يخطفان عنوان التشيع بمرور الزمن. ولعل من أبرز المؤشرات التمهيدية لمساعي الإختطاف هذه هو أن مدارس التجهيل والتخريف تعمل على أن تكون الأكثر امتلاكاً لوسائل التعبير؛ بدءاً بالمؤسسات والجمعيات، والمدارس والمنابر، والقنوات التلفزيونية، وانتهاءً بالجماعات السياسية ومجموعات الضغط الاجتماعية والأموال الطائلة. ولذلك؛ يمكن القول أنها تمكنت من اختطاف مساحات مهمة من الشارع الشيعي، عبر تسخير كل ألوان الجذب التي تستقطب عواطف الناس وأسماعهم وأبصارهم.

   وعند هاتين الجريمتين يكمن التناقض العحيب بين شعارات التحريفيين الخرافيين المنادية بالولاء لأهل البيت ومواساتهم والتأسي بهم من جهة، وبين أفكارهم وسلوكياتهم المتعارضة مع تعاليم أهل البيت ونهضة الإمام الحسين من جهة أخرى؛ إذ أن تعاليم أهل البيت تلخص عقيدة الإسلام وفقهه وأخلاقه وحكمته وعقلانيته ورشده وتحضره، وتتعارض كلياً مع الغلو والخرافة والجهل والبدع.  

 صحيح أن عناصر المناعة القوية تبقى تحول دون تمكن المبتدعين والمغالين الجدد من اختطاف التشيع، لكن إصرارهم على بدعهم وضلالهم، وإضرارهم بمصالح الواقع الشيعي، سيؤدي بهم الى تأسيس فرق ضالة جديدة بعيدة عن مدرسة آل البيت، كما حصل مع العلي اللهية ومدارس الغلو تاريخياً، أو ماحصل في القرون الأخيرة مع العبيدية والدراويش والبابية والبهائية والسلوكية وغيرهم.

 

                 ٢٨ / ٨ / ٢٠٢٠

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
علي
2020-08-29
مقال رائع . ان الوهابيه والدواعش ينتهزون الفرص لابعاد الناس عن التشيع .بل ويعمدون ولو بالكذب الى تشويه مذهب ال البيت
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك