المقالات

شهادة من داخل المقابر الجماعية ... قصة شاهد كُتبت له الحياة

806 10:27:00 2012-07-19

عبد الأمير الصالحي

ما ان سمع مكبرات الصوت تنادي بالتجمع في ( فندق السلام ) سيئ الصيت والواقع في اطراف النجف باتجاه كربلاء المقدسة ، حتى استعد كباقي الالآف من ابناء المحافظة التحقوا الى حيث ارشدهم مكبر الصوت فإذا تجمع بالآلاف في باحة الفندق المهدم بفعل القصف العشوائي على المحافظة ابان انتفاضة شعبان المباركة لا يعلمون بالمصير الذي خطط لهم وهم في غفلة من امرهم يحدوهم في ذلك صوت اهليهم وأطفالهم ( تروح وترجع بالسلامة).ركبوا الحافلات وسط زحمة العسكر وكل ينادي صاحبه ( اطلع تم ملئ السيارة ) ( اذهب بهم الى وحداتهم العسكرية ) وهكذا هي النبرة الكاذبة التي كانت تصك اذانهم وهم لا يعلمون ان كل هذا صور من صور الخديعة والأمان الكاذب.منتصف الطريق توقفت الحافلات ونادى مناديهم ( من كان جائعا فلينزل لتناول الطعام او شرب الشاي ) وكل هذا لدخول الطمأنينة على قلوب متوله لا تعلم ما المصير الذي ينتظرها.انطلقت الحافلات من جديد يسيرون والمنايا تسير معهم حتى وصلت بغداد الخربة والمهدمة في كثير من منشآتها بفعل آلة الحرب وهي يومها قليلة السيارة ، حيث شقت العجلات بهم الطريق حتى وصلت الى ... ماذا وأين ... الى ( سجن الحارثية ) وما ادراك ما الحارثية وسجنها الذي غيب الاباء والأبناء والاعزة من اولاد الملحة ظلما وعدوانا ، وهي هنا تطوي فصلا من فصول الظلم والقتل الذي كتب على ابناء الشعب العراقي.فتحت الباب الرئيسية دخلت العجلات وهي بالعشرات ، واذا بالنداء ( جئنا بالخونة ) عندها عم الصمت وخفت البصر وكادت القلوب ان تنشطر لتهرب من أضلاعها ، بعد انكشاف الخدعة والأمان المزعوم.انزَلوُهم بالسياط والعصي وسب وشتم وتهم بالعمالة والخيانة والغدر للمقبور ونظامه والعراق العظيم الذي لم يعرفوا منه إلا صدامهم .ادخلوهم الى قاعة كبيرة حشروا فيها الجميع والسكون مطبق يرى احدهم الموت امام عينيه ليس بينه وبين قطع الانفاس الى صوت الزبانية هلموا الى التحقيق فردا فردا الى تلك الغرفة المجاورة التي لايخرج منها احد الا وهو نازف ملتو الجانب لتكسير في اضلاع او كتف او ساق ، ولم تحفظ لهم الصعقات الكهربائية قوام سليم.كثير من لفظ نَفَسه الاخير في تلك الغرفة المشؤومة حتى اصبح ذلك الجسد وتلك الإطلاله عالةً لما يأخذه من حيز على ارض الغرفة بعد ان تحول الى جثة هامدة بفعل التعذيب القاسي جدا وبشتى الوسائل يصيح عندها - الجلاد - خذوا الجثة من هنا وأتوني بشخص آخر .دخل الباب معصب العينيين مكتوف الايدي الى الخلف ، وما ان دخل حتى استقبل بالعصا الكهربائية التي تقذفه كالكرة الى هناك ويبدأ السؤال :-- ما اسمك ايها الخائن العميل : فلان.- ما دورك في الغدر والخيانة ومن معك : لم اكن في ضمن ما تقولون انا ...... عصا كهربائية حتى يفقد الوعي ، وبأخرى مثلها حتى يستفيق.- تكلم قل من كان معك : انا من بغداد ووصلت النجف بعد ان تقطعت بي السبيل.- من بغداد واين من بغداد : بغداد - السيدية ، يقول ذلك وهو يتجرع الموت انفاساً.- يعني انت لست ممن شارك في صفحة الغدر والخيانة.- انا ممن سكن النجف مهجرا من بغداد هربا من القصف المكثف للعاصمة .- اذن سوف نتأكد منك هل تسكن فعلا بغداد ، والا سوف تلاقي مصير زملائك الخونة.اخرج من غرفة التحقيق ، وهو الوحيد الذي خرج منها مسند بين شخصين ورجلاه تخطان الارض ، بعد ان تعودت الانظار على خروج ( العملاء ) ملفوفون ببطانية بالية الى جهة مجهولة وقتها ، كشف العراق الجديد بعد ذلك انهم في (مقابر جماعية).هذه قصة والدي الذي كتب له النجاة والحياة بعد ان شاهد الموت بأم عينيه حكاها لنا وتذكر مأساتها بألم وحرقة كأنه يعيش احداثها حتى الساعة ،اكتبها في ذكرى الانتفاضة الشعبانية المباركة ، ففي مثل هذه الايام سجل في صفحة من كتب لهم الحياة من جديد ليعين اخرين من زملائه في قاعة الاحتجاز وهم كتل من الاجساد التي تعرَت اغلبها من سياط جلاديها وقد اخذوا نصيبهم كاملا حتى الرمق الاخير من التعذيب الى ان تقطعت بهم الانفاس وذاقوا الموت غصة بغصة ، اعانهم وقتها على تلفظ الشهادتين والاستماع - على مابه من ألم - الى همسات شفاهم التي لا يعلم هل هي وصايا يلفظونها بصوت خافت ام هم يئنون من شدت ألألم ام هي سكرات الموت ، خفتت انفاسهم وهمساتهم تباعا بلا ناصر ولا معين ولا سامع لمظلوميتهم الا سماعة طبيب يتفحص من توقف قلبه ليوعز للجلاوزة بحمله على تلك البطانية الخرقة البالية الى (مقبرة جماعية) ضمن مقابر جماعية تكشف تباعا في عراقنا الجديد.كل هذا جرى امام عينيه - والدي - وهو يجود بنفسه بانتظار شهادة المخبرين انه فعلا من سكنة بغداد ليتم الافراج عنه لاحقاً.وكان آخر من ودّعه الى حيث المجهول المعلوم ابن اخته الذي اوصاه وأتمنه على ( خاتم زواجه وبطاقته الشخصية وبعض المال ) ، قبل ان تفارق روحه بين يديه مظلومة معذبة غريبة وسط غرباء احيلوا بعد سكون في مقابر جماعية لم يتوقف اهله والآلاف من ابناء العراق على جسد او اثر لها الى هذا اليوم.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
المهندسة بغداد
2012-07-19
كل هذا ويطالبون بالعفو عن البعثية الا لعنة الله على الظالمين
مجاهد
2012-07-19
رحم الله شهدائنا.‏ صور سوداء مؤلمه تختزنها ذاكرة العراقيين من تلك الايام ولاتستطيع الايام ان تمححوها لانه كل واحد منا كان هدفا للنظام وزبانيته على مبدأ انجو سعد فقد هلك سعيد.‏ ‏
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
مهدي اليستري : السلام عليك ايها السيد الزكي الطاهر الوالي الداعي الحفي اشهد انك قلت حقا ونطقت صدقا ودعوة إلى ...
الموضوع :
قصة السيد ابراهيم المجاب … ” إقرأوها “
ابو محمد : كلنا مع حرق سفارة امريكا الارهابية المجرمة قاتلة اطفال غزة والعراق وسوريا واليمن وليس فقط حرق مطاعم ...
الموضوع :
الخارجية العراقية ترد على واشنطن وتبرأ الحشد الشعبي من هجمات المطاعم
جبارعبدالزهرة العبودي : هذا التمثال يدل على خباثة النحات الذي قام بنحته ويدل ايضا على انه فاقد للحياء ومكارم الأخلاق ...
الموضوع :
استغراب نيابي وشعبي من تمثال الإصبع في بغداد: يعطي ايحاءات وليس فيه ذوق
سميرة مراد : بوركت الانامل التي سطرت هذه الكلمات ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
محمد السعداوي الأسدي ديالى السعدية : الف الف مبروك للمنتخب العراقي ...
الموضوع :
المندلاوي يبارك فوز منتخب العراق على نظيره الفيتنامي ضمن منافسات بطولة كأس اسيا تحت ٢٣ سنة
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
غريب : والله انها البكاء والعجز امام روح الكلمات يا ابا عبد الله 💔 ...
الموضوع :
قصيدة الشيخ صالح ابن العرندس في الحسين ع
أبو رغيف : بارك الله فيكم أولاد سلمان ألمحمدي وبارك بفقيه خراسان ألسيد علي ألسيستاني دام ظله وأطال الله عزوجل ...
الموضوع :
الحرس الثوري الإيراني: جميع أهداف هجومنا على إسرائيل كانت عسكرية وتم ضربها بنجاح
احمد إبراهيم : خلع الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني لم يكن الاول من نوعه في الخليج العربي فقد تم ...
الموضوع :
كيف قبلت الشيخة موزة الزواج من امير قطر حمد ال ثاني؟
فيسبوك