التقارير

التهدئة بين ضمانة الوسيط وقوة المقاومة


د. مصطفى يوسف اللداوي ||

 

وضعت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة أوزارها، وتوقفت الغارات الجوية، وعادت الطائرات الحربية إلى مطاراتها، وتعهدت حكومة الكيان للوسيط المصري بعد خمسة أيامٍ من العدوان بالتوقف عن عمليات استهداف الأفراد وهدم البيوت والمساكن، وفتح المعابر التجارية والفردية مع قطاع غزة، والسماح بإدخال الشاحنات التجارية والمؤن والمساعدات الإنسانية، وشاحنات الوقود اللازمة لتشغيل محطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع، واستعادة أجواء الهدوء والحياة الطبيعية على جانبي الحدود مع قطاع غزة.

وفي المقابل التزمت حركة الجهاد الإسلامي وغرفة العمليات العسكرية المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية بالتوقف عن إطلاق الصواريخ على المدن والبلدات الإسرائيلية، والحفاظ على حالة الهدوء المتبادل ما التزم العدو ببنود الهدنة، ولم يقم بخرقها، وامتنع عن استئناف العمليات الحربية التي تستهدف الأشخاص والبيوت، علماً أن المقاومة الفلسطينية احتفظت بحقها الدائم في الرد، وكانت قد أطلقت قبل أقل من ساعة من دخول اتفاق التهدئة حيز التنفيذ قرابة مائة صاروخ نحو بلدات الغلاف ومحيط قطاع غزة.

ربما لا يرضى الفلسطينيون عن هذه التهدئة كثيراً ولا يعجبهم توقيتها، التي تأتي قبيل أيامٍ قليلة من مسيرة الأعلام اليهودية، التي يخطط لتنظيمها متطرفون إسرائيليون، ويراهن على نجاحها أقطاب حكومة اليمين وفي مقدمتهم إيتمار بن غفير وبتسليئيل سموتريتش، اللذان يعتبران نجاح المسيرة تحدياً للفلسطينيين وإرغاماً لمقاومتهم وهزيمةً لها، وهي المسيرة التي حالت المقاومة دون نجاحها أكثر من مرةٍ، مما جعل تنظيمها هاجساً يقلق المتطرفين ورهاناً يصرون عليه.

لكن الهدنة تم التوصل إليها، وأعلن الطرفان التزامهما بها، وباركتها إلى جانب مصر دولٌ وحكومات كقطر والولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، وبذلك أصبحت أمراً واقعاً، وكان قد جرى التوصل إليها بجهودٍ مصريةٍ بعد خمسة أيامٍ من العدوان الغادر الذي خلف 33 شهيداً وأكثر مائة جريحاً، ودمر عشرات البيوت والشقق السكنية، وألحق دماراً وخراباً واسعاً في أنحاء متفرقة من قطاع غزة، شمل الأراضي الزراعية والمنشئات الصناعية ومعسكرات التدريب ومنصات الصواريخ ومخازن السلاح.

ليست المشكلة في الموافقة على الهدنة وإعلان القبول بها، خاصةً أن هذه ليست الهدنة الأولى بين المقاومة الفلسطينية والعدو الإسرائيلي، فقد سبقتها عشرات التفاهمات والتهدئات والهدن المختلفة الأسماء والمتعددة البنود والمتنوعة الشروط، ولو أنه تم الالتزام بأولها وحافظ أطرافها على بنودها، ما كانت هناك حاجة لغيرها، ولكن التفاهمات السابقة قد سقطت كلها وانتهت، ولم يتم الحفاظ عليها والالتزام ببنودها، وتم خرقها من طرف العدو أكثر من مرةٍ، حتى أصبحت بحكم المعدومة وغير الموجودة.

نتيجة الخبرة ومعرفة الفلسطينيين بالعدو الإسرائيلي فإنهم لا يتوقعون منه التزاماً بالهدنة، ولا يستبعدون قيامه بخرقها في أقرب الآجال، وعودته إلى عمليات القصف والتدمير والاغتيال، فقد اعتادوا على السياسة الإسرائيلية، التي تمثل امتداداً للجبلة اليهودية القديمة، فهم أقوامٌ لا عهد لهم ولا ميثاق، ولا أمانة عندهم ولا شرف، ولا يرقبون في الفلسطينيين إلاً ولا ذمةً، ولا يحفظون معهم عهودهم أو يلتزمون باتفاقياتهم، والشواهد على تخوف الفلسطينيين منهم كثيرة، والحوادث على خرق العدو للاتفاقيات والتفاهمات معهم عديدة.

يأمل الفلسطينيون دائماً من الأشقاء في مصر أن يضمنوا الاتفاقيات، وأن يسهروا على تنفيذ التفاهمات، وأن يرغموا العدو على احترامها والوفاء ببنودها وعدم القيام بخرقها، فمصر هي الراعية والوسيط، وهي الضامنة والكفيلة، وهي دولةٌ لها مكانتها ومنزلتها، وتحترم كلمتها وتحافظ على سيادتها، ولا تقبل المساس بها أو الالتفاف عليها، ولهذا فإنهم يرجون منها بالقدر الذي تمارس فيها ضغوطها عليهم، أن تمارس الضغط نفسه على العدو الإسرائيلي، وأن تلزمه وتجبره، وأن تخضعه وتهدده، وألا تقبل منه خرقاً أو انتهاكاً، ولا تجاوزاً أو اعتداءً، وإلا ترفض الوساطة بينه وبين المقاومة، خاصةً أنه إليها يلجأ دوماً، طالباً وساطتها ومستجدياً جهودها، إذ لا غيرها يستطيع الحلول مكانها، وبدونها يصعب عليه التوصل إلى أي هدنةٍ يطلبها أو هدوءٍ يتطلع إليه.

لكن التجارب السابقة تشير إلى أن العدو الإسرائيلي لا يحترم أحداً ولا يلتزم عهداً، ولا يقدر الجهود ولا يحفظ الوعود، إذ يقوم بخرق الاتفاقيات ونقضها، ويسيء إلى الوسطاء ويهين الضامنين، ويعاود العدوان وارتكاب المجازر وتنفيذ الغارات، ويرتكب جرائم اغتيالٍ جديدة ويقوم بعمليات إعدامٍ ميدانية، وغير ذلك مما عودنا عليه طيلة سنوات الاحتلال.

أمام هذا الواقع الذي لا يمكن إنكاره، وهذا الشر الذي لا يمكن دفعه، والخلق الذي يستحيل تقويمه، والسياسة الخبيثة التي يصعب إصلاحها، فإنه لا سبيل أمام الفلسطينيين لإجبار العدو على القول بالشروط، والخضوع للبنود والالتزام بالاتفاقيات سوى الحفاظ على المقاومة قويةً قادرةً رادعةً جاهزةً، إذ أنها الوحيدة الكفيلة بردعه وزجره وضبط سلوكه، ولعل المقاومة تفهم دورها جيداً وتدرك وظيفتها حقاً، لهذا فهي تؤكد دائماً أنها جاهزة في الميدان لضبط كل وسوسة، ومحاسبة كل معتدٍ، والرد عليه بما يستحقه ويستأهله، ويردعه ويؤدبه، ويعيد إليه عقله ويزجره.

 

بيروت في 14/5/2023

moustafa.leddawi@gmail.com

 

ــــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك