التقارير

قراءة في قمة بغداد الثانية


 محمد صادق الهاشمي ||

 

    يبدو من الحضور الفاعل في هذه القمة للدول العربية، وممثل الشؤون الخارجية في الاتحاد الاوربي، وفرنسا، وإيران والدول البقية، أنَّ ثمة أهداف لهذه القمة، ولكن قبل استعراض الأهداف من الضروري أن نُذَكر بأهم ما ورد من مشتركات في كلمات المشاركين؛ فهم أكدوا أهمية دور العراق وتحقيق استقراره ومساعدته في استعادة الأمن وغير ذلك، فضلًا عن الإشارة إلى السعي لربط العراق مع المنظومة الخليجية والدولية والإقليمية في المجالات الاقتصادية المختلفة، وأن يكون العراق نقطة تلاقي الدول ومبدأً لحل الأزمات الإقليمية بالحوار، ولكن هذا الأمر إلى جانبه تقف إشارات أخرى تُعَدُّ بنظر هذه الدول الأساس لتفعيل المشاريع. إذن هناك أبعاد في هذه المؤتمرات، وهي الآتية:

1- الجانب الاقتصادي:

أولًا: مصر والأردن تريدان مد أنبوب النفط؛ لإيصال مليوني برميل إلى مصر، وأكثر منه إلى الأردن.

ثانيًا: الرئيس الفرنسي، الذي قال: (أمننا من أمن العراق)، هو لم يغادر الحقيقة، فربط الغاز القطري في (أنبوب ناباكو التركي) الممتد إلى أوروبا؛ يمر بالأرض العراقية التي تتميز بانبساطها، وانخفاض كلف الربط، فضلًا عن توقيع (شركة توتال الفرنسية) عقد استثمار غاز حقل عكاز في الأنبار، وهو يتصل بأهداف فرنسا بتأمين الطاقة، إلى الاتحاد الأوروبي في ظل أزمة أوروبا الاقتصادية، وأزمة الطاقة بصفته بديلًا عن الغاز الروسي، فضلًا عن مشاريع فرنسية متعددة في العراق.

ثالثًا: أشار بوريل (ممثل الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوربي) بشأن أوروبا قائلًا: (من المهم أن يكون للعراق ضمن دول الخليج ضمان تدفق النفط والغاز إلى أوروبا)، وبهذا يتبين أنَّ هذا المؤتمر هو استكمال لأهداف مؤتمر الطاقة الذي أُقيم في أبوظبي.

رابعًا: صرحت بلاسخارت (ممثلة الأمم المتحدة في العراق): (أنها تدعو إلى أن يكون العراق منطلقًا للحوار للأمن والشراكة).

    إذن في البعد الاقتصادي، فإنَّ الخليج والمحور الدولي، يسعيان إلى جر العراق، إلى المنظومة العربية والخليجية في مجال الاقتصاد؛ لمعالجة الأزمة في أوروبا ومصر والأردن، وربط العراق مع الخليج اقتصاديًا. لكن! السؤال هنا: ماذا يستفيد العراق؟ وما هي المصالح التي تتحقق للعراق؟ هل أنه يعطي أكثر مما يأخذ؟

    هل يراد من العراق النفط والغاز (مصادر الطاقة)، والسماح بمرور المال والغاز الخليجي إلى أوروبا بأرضه؛ دون أن يتحقق له النفع أولًا؟

     هذا ما يحتاج إلى تفسير وبيان، وسوف يتبيَّن أكثر في المستقبل، خصوصًا إذا شُكِّلَت غرف تخطيط مهمة في العراق؛ تتولى إدارة الشراكات المقبلة، علمًا أنَّ الحاضرين اتفقوا على قمة ثالثة أكثر حضورًا.

2- الجانب الأمني:

    يبدو من كلمات بعضهم، أنهم يُعِدّون العراق مهدَّدًا ويُعَرَّض أمنه وسيادته إلى الخطر، وأنه يواجه التحديات، وأنهم مستعدون للدفاع عنه، ولا يمكن الاستفادة من العراق؛ ما لم ينتهِ التحدي الأمني، إذ قال السيسي: (مصر ترفض أي تدخلات خارجية في شؤون العراق)، مؤكد هو لا يرفض الوجود الأميركي، ولا التدخل التركي، وإنما كلامه موجه إلى إيران أولًا وأخيرًا.

    قال ماكرون: (إذا أردنا ضمان استقرار العراق؛ فعلينا حل المشكلات مع الجيران)، وهو مفهوم فيما يقصد (إيران)!

    قال وزير الخارجية السعودي: (المملكة تؤكد رفضها التام لأي اعتداء على أي شبر من أرض العراق)، وهو أكثر بيانًا في عَدِّ العراقَ تُهَدِّدهُ جارته إيران، وهم ينصبون أنفسهم مدافعين عنه؛ بعدما ارتقوا الدماء الغزيرة!

    بعد هذه الإشارة إلى جانبين في أهداف القوم، هما: نهب العراق، وجرِّه إلى محور آخر! فإنه يُكشَف أنَّ مشروعًا أوروبيًّا أميركيًّا خليجيًا عربيًا؛ يخطط للآتي:

1- إنقاذ أوروبا اقتصاديًا، وإيصال الطاقة إليها بديلًا عاجلًا عن مصادر الطاقة الروسية.

2- لا يُسمح للعراق أن يتوازن بعلاقته بين المحيط الإقليمي والدولي مع إيران، بل هو مرغم أن يسير باتجاه واحد، وعلى إيران إدراك أنَّ العراق أصبح ضمن تلك المنظومة، والولوج إلى العراق لا بد أن يتم من هذه البوابة الجديدة. إذن، مؤتمر بغداد هو إعادة صياغة العلاقات الخارجية للعراق، وطبيعة التعاملات الأمنية والاقتصادية، بفرض خليجي أوروبي.

3- جعل العراق ممرًا، ومنطلقًا لاستثمارات أوروبية وعربية منها: مصر والأدرن.

4- ربط المنطقة من الخليج إلى الشام، ومرورًا بالعراق، وصولًا إلى البحر المتوسط وأوربا؛ بمنظومة أمن واقتصاد، لذلك أُصدِرَت توجيهات إلى حضور تركيا في الاجتماع المقبل (بغداد 3).

5- ما تقدم، يجعلنا ندرك أنَّ مخططًا ما، يسير سيرًا جادًا لسحب العراق بعيدًا عن إيران.

6- الخليج يعلم أنَّ الصين غير قادرة على حماية الخليج، ولا حتى أميركا وأروبا، بل هم دول استثمار دون أي تعهد بالحماية؛ لذا مارسوا بنحو الاضطرار إدخال إيران في القمة الثانية، ومثلها سيفعلون في الثالثة؛ لممارسة أسلوب العصا والجزرة.

7- قمة بغداد الثانية والثالثة، توسعت وتحولت إلى مخطط دولي أكبر من حجم مصالح العراق؛ فمن المقرر أن تُنَظِّم فرنسا القمة الثالثة، وبحضور الأردن والإمارات والبحرين، والسعودية وعمان وقطر، والكويت ومصر، وإيران وتركيا، وجامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، ومجلس التعاون الخليجي، والأمم المتحدة، والاتحاد الأوربي.

8- يراد من هذه المؤتمرات في العمق، دمج العراق ضمن مشروع إقليمي عربي وخليجي، وبإشراف الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي؛ حتى لا يكون العراق جزءًا من المحور المقاوم.

9- لا يمنع مطلقًا أن يتعامل العراق بجدية مع تلك المؤتمرات مهما كانت نيّات القوم، لكن! نحتاج إلى عقول مخططة عميقة رصينة، ومراكز دراسات متينة، وأحزاب متحالفة وجهود موحدة.

انتهى، والقادم حاكم.

 

ــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك