التقارير

‏ الدبلوماسية السرية وأمن الدولة القومي


 د. سيف الدين زمان الدراجي ||

 

 باحث في شؤون السياسة الخارجية والأمن الدولي.

 

 تنتخب الدول شخصيات على مستوى عالي من القدرة والكفاءة والإخلاص للعمل في مؤسسات حكومية مهمة كوزارة الخارجية وجهاز المخابرات ومستشارية الأمن القومي وأجهزة الأمن والدفاع الأخرى، لما لتلك المؤسسات من أهمية كبيرة في مواجهة التحديات وتعزيز مرتكزات الأمن القومي.

‏عادة ما يتم اختيار تلك الشخصيات بمواصفات خاصة بعيداً عن المحسوبية والمنسوبية و الولاءات، حيث تتم مراجعة الخلفيات العلمية والمهنية والاجتماعية، فضلاً عن السيرة الذاتية والسلوك العام لكل من يرغب بالانضمام إلى تلك المؤسسات، لما لها  من أهمية كبيرة في أداء الواجبات والمهام بشكل سري وعلني. فالهدف الرئيسي هو تهيئة كوادر متخصصة ضمن اسس وعوامل تطوير مستمر، يعتمد النوع وليس الكم.‏

للدول العديد من الوظائف المثالية كالنظام والعدالة و الرفاهية و الحرية إلا أنه لا شيء أهم من الأمن، فبدون الأمن لا يمكن للدولة أن تحيا، وبالتالي فإن البقاء هو الهدف الأساسي لأي دولة، لاسيما في المجال الفوضوي التنافسي للعلاقات الدولية. ومن أجل البقاء فإن أي وسيلة تؤدي إلى ذلك مسموحا بها رسمية كانت أم غير رسمية علنية كانت أو سرية. "ستيوارت موراي "

‏تعد الدبلوماسية واحدة من الوسائل التي تسهم في تعزيز الأمن. يقول باترفيلد وايت " أن الدبلوماسيون كثيرا ما يستخدمون الوعود والعلاقات الشخصية والمصالح المشتركة والمساومة والابتزاز  والخداع وحتى التهديد بالحرب للحصول على ما يريدون، إلا ان الدبلوماسية أفضل من إطلاق نيران البنادق".

‏إذن الدبلوماسية هي وسيلة لتحقيق اهداف السياسة الخارجية وحماية مصالح البلد العليا وأمنه القومي.

تحتوي الدبلوماسية على وظائف مهمة مثل التفاوض والتمثيل والتواصل، لكن وظيفتها الرئيسية هي الحصول على المعلومات وجمعها ومشاركتها واستخدامها لأسباب تكتيكية عملياتية أو استراتيجية، وبدون هذه الوظيفة لن تتحقق الوضائف الاخرى.

‏تعد الدبلوماسية السرية واحدة من أدوات تعزيز الأمن القومي، ففي الوقت الذي تضطلع فيه مؤسسات معينة بمهمة المساهمة في صنع السياسات الخارجية للدولة كوزارة الخارجية والدفاع وجهاز المخابرات ومستشارية الأمن القومي، تلعب الدبلوماسية بشقيها السري والعلني دورا كبيراً في بلورة الرؤى والأفكار والخطط الأساسية لأجندة الأنشطة الخارجية التي ترتكز عليها السلطة التنفيذية في تحقيق أهدافها الإستراتيجية.

‏تعرف الدبلوماسية السرية بأنها "الأفعال والأنشطة الدبلوماسية التي تقوم بها الحكومة بشكل سري لتحقيق اهداف السياسة الخارجية من خلال الوسائل الفعالة للتسوية والإقناع أو التهديد بالحرب أو العمليات العسكرية"  نك بارفيت.

لقد ‏مثلت الدبلوماسية السرية أسلوباً شائعا في العلاقات الدولية لاسيما بين القوى الكبرى لاعتبارات المصالح الوطنية العليا التي يعد الأمن القومي دافعاً ومبرراً لها على الرغم من بعض النتائج والآثار السلبية التي خلفها هذا النمط من العمل الدبلوماسي.

‏لإزالت الدبلوماسية السرية مفتاحاً للعديد من العلاقات التي أفضت الى تفاهمات داعمة لأبعاد الأمن القومي. فقد إشار جراهام أليسون إلى أن الزيارة السرية لرئيس جهاز المخابرات الامريكي في حينها مايك بومبيو إلى كوريا الشمالية ساهمت في عقد لقاءاً مهما بين الرئيس ترامب ورئيس كوريا الشمالية كيم جونغ. كما أن زيارة هنري كيسنجر السرية إلى الصين في عام 1971 ساهمت في راب الصدع وانهاء العداوة التي استمرت عقوداً من الزمن ‏بين الصين وأمريكا. كما أن شكل العلاقة المتميزة و دور الدبلوماسية السرية والعلنية ما بين إيران و ألمانيا دفعت ألمانيا لأن تكون " درعاً واقياً لإيران " حسب تعبير جوشكا فيشر، ‏الا أنها أبرزت إلى السطح عمق الصراع غير المعلن بين المانيا والغرب من جهة وأمريكا من جهة أخرى بشأن الملف النووي الإيراني.

يلعب العراق اليوم دوراً محورياً في إنضاج الحوار السري الأمني وتوجهه الدبلوماسي ما بين كل من السعودية وإيران. حيث انتهت مؤخراً جولة المحادثات الخامسة بين البلدين والتي خرجت بنتائج إيجابية تزيد الآمال بخطوات جدية على طريق استئناف العلاقات، وهذا ما يعزز دور العراق في أن يكون عامل استقرار للمنطقة ولاعب أساسي في تقريب وجهات النظر وحل المشاكل العالقة بين أبرز قوتين إقليميتين في الخليج. الأمر الذي سينعكس تأثيره إيجاباً على دعم مصالح العراق العليا  وتعزيز أمنه القومي.

لقد أصبحت التحديات التي يشهدها العالم اليوم مسرحاً للعديد من الأحداث التي تشكل عائقاً امام فهمٍ أوسع للواقع الدولي والإقليمي بجميع تداعياته وخلفياته وخفاياه.

وأصبحت البيئة الدولية مسرحاً للعديد من التفاعلات التي تجسدها الدول من خلال سياساتها الخارجية و مؤسسات صنع سياساتها الخارجية بفواعلها الرسمية - المتمثلة بدبلوماسييها وموظفيها في العديد من المجالات سياسياً واقتصادياً وامنياً وثقافياً واجتماعياً - وفواعلها غير الرسمية ودبلوماسيتها السرية التي تلعب دوراً مهما في عملية صنع السلام وحل النزاعات.

ــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك