التقارير

الانتخابات العراقيّة..جدل النّتائج والمخرجات

1504 2021-10-16

 

عادل الجبوري ||

 

المسار العام للعملية السياسية في العراق لن يتبدل كثيراً، هذا في حال طرأ عليه تغيير فعلي يعتدّ به، لأن القوى الكبيرة لا بدَّ من أن تحقق تفاهمات الحد الأدنى لتنتقل إلى الخطوات اللاحقة.

في تعليق مقتضب، لكنه معبر ودقيق، قال سياسي عراقي لم يكن من بين المشاركين في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، "إن النتائج التي أعلنتها مفوضية الانتخابات بعد أقل من 24 ساعة على إغلاق مراكز الاقتراع، شكَّلت صدمة أو صدمات للكثير من الخاسرين، وكذلك بعض الفائزين، ولن تزول آثار تلك الصّدمة قريباً، بل إنها ستمتدّ إلى الخطوات الأخرى المرتبطة بمخرجات الانتخابات، كتشكيل الكتلة الأكبر، وتوزيع مواقع رئاسة البرلمان، ومن ثم رئاسات اللجان البرلمانية، ورئاسة الجمهورية، ورئاسة الحكومة وتقاسم الحقائب الوزارية".

 بالفعل، كانت الصّدمة أو الصّدمات كبيرة وقويّة جداً، إذ إنه رغم التصوّر المسبق لدى العديد من النخب السياسية والأوساط الجماهيرية بحصول متغيّرات في المشهد السياسي العام في العراق من خلال الانتخابات البرلمانية المبكرة، لم يكن أحد يتوقّع أن تكون المتغيرات بهذا القدر. ولعلَّ الأرقام الأولية التي أعلنت عنها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات تعكس ذلك، وهي في كلّ الأحوال لن تختلف إلا بحدود ضئيلة عن الأرقام والنتائج النهائية المتوقّع إعلانها بعد أسبوعين في أبعد التقديرات.

وفيما لم تكن الأرقام في السّاحتين السنيّة والكرديّة صادمة ومفاجئة إلى حدّ كبير، فإنها جاءت كذلك في الساحة الشيعيّة، فالتيار الصدري بزعامة السيد مقتدى الصدر، حصد 73 مقعداً، بعدما كان يشغل 54 مقعداً في البرلمان المنتهية ولايته، في حين تراجع تحالف "الفتح" الّذي كان يعد المنافس الأقوى للتيار الصدري بصورة حادة جداً، إذ حصل على 14 مقعداً، بعدما كان يشغل ما يقارب 50 مقعداً، والشّيء نفسه بالنسبة إلى تحالف قوى الدّولة الوطنيّة بزعامة كلٍّ من رئيس تيار "الحكمة" السيد عمار الحكيم ورئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، الذي كان يفاخر ويتعهد بأحداث مفاجئة، اكتفى بـ4 مقاعد، بواقع مقعدين لكلٍّ منهما، علماً أنَّ تيار "الحكمة" كان له 16 مقعداً، وكان للعبادي عدد مقارب.

في مقابل ذلك، نجح ائتلاف "دولة القانون"، بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، برفع رصيده في هذه الانتخابات، من 25 مقعداً إلى 37 مقعداً، وهذا يعني أنَّ الصدر والمالكي هما من أحرزا تقدماً واضحاً في الساحة الشيعية، إلى جانب تراجع كل من الحكيم والعبادي في إطار تحالف قوى الدولة، والعامري والخزعلي في إطار تحالف "الفتح"، وكذلك الفياض الذي خاض السباق الانتخابي متزعماً تحالف "العقد الوطني"، علماً أنه كان يمتلك 6 مقاعد في البرلمان السابق.

وفي الوقت الذي أفلح الحراك التشريني الذي مثّلته حركة "امتداد" في إحراز 9 مقاعد، في أول تجربة تنافس انتخابي له، أخفقت وجوه سياسية بارزة، كان متوقعاً أن تسجل حضوراً وتحقق مكسباً يتيح لها أن تشغل حيزاً إلى جانب الكبار. ومن أبرز الخاسرين، سواء ممن خاضوا غمار السباق الانتخابي شخصياً أو عبر كيانات سياسية تولوا زعامتها، رئيس تجمع اقتدار وطن عبد الحسين عبطان، ورئيس حركة الوفاء عدنان الزرفي، ورئيس البرلمان الأسبق أسامة النجيفي، وكذلك رئيس البرلمان السابق سليم الجبوري، والوزير السابق محمد صاحب الدراجي، والوزير السابق خالد العبيدي، والنائب ظافر العاني، ووزير الشباب والرياضة الحالي عدنان درجال، والقيادي السابق في التيار الصدري بهاء الأعرجي...

وفي ما يتعلّق بالنساء، بحسب نظام الكوتا، تبلغ حصة المرأة في البرلمان العراقي 83 مقعداً من مجموع مقاعد البرلمان البالغة 329. وحتى الآن، أظهرت النتائج حصول النساء على 97 مقعداً، وبعضهن من خارج قائمات الكيانات والتحالفات السياسية، أي من أوساط المستقلين، علماً أن عدد الفائزين منهم تجاوز 20 مرشحاً، وهو مؤشر على وجود مساحة جماهيرية غير صغيرة ابتعدت عن المساحات الحزبية المؤدلجة.

ومن خلال النتائج والأرقام المعلنة، يبدو أن هناك 3 تحالفات أو كتل سياسية شيعية، سيكون دورها محورياً في تحديد المسارات المقبلة، وإن بدرجات متفاوتة، وهي التيار الصدري وائتلاف "دولة القانون" وتحالف "الفتح". ولا شكّ في أن حصول التيار الصدري على المركز الأول، وبفارق كبير عن ائتلاف "دولة القانون"، لا يعني أن الطريق أمامه ستكون سالكة، بل إن عقبات ومصاعب جمة ستواجهه، فهو يحتاج أولاً، وقبل الذهاب إلى الفضاء السني والكردي، إلى صياغات تفاهمات والتوصل إلى توافقات مع شركائه في الفضاء الشيعي. ومن دون ذلك، لن تسير الأمور بسلاسة ومرونة، إذ إنَّ رئيس الوزراء يفترض أن يخرج من رحم المكون الشيعي، ليحظى بقبول المكونين السني والكردي، بالترابط مع التوافق على حسم رئاستي الجمهورية والبرلمان في الدرجة الأساس.

وبسبب تراكم الاحتقانات والخلافات بين الصّدر والمالكي على امتداد 15 عاماً، والاستقطابات الحادة، وتشتت جزء من الحصة الشيعية في البرلمان المقبل بين كتل صغيرة ونواب مستقلين، وانعدام المرجعية السياسية المقبولة، فإنَّ مرحلة ما بعد الانتخابات ستشهد الكثير من الارتباك في ساحة المكون الشيعي، وبالتالي قد تتطلّب عملية حسم المرشح لرئاسة الحكومة المقبلة وقتاً طويلاً، لن يكون أقلّ مما كان عليه الأمر في المرات السابقة.

فضلاً عن ذلك، إنَّ الجدل والسجال الدائر حالياً بشأن صحّة النتائج المعلنة، والاعتراضات التي وصلت إلى حد التهديد بتحريك الشارع والعصيان والتمرد، يمكن أن يفجّر الموقف في ما إذا لم يتم ضبط إيقاعه واحتواؤه، علماً أنَّ البعد السياسي في ذلك الجدل والسجال أخذ شيئاً فشيئاً يطغى على البعد القانوني والسياقات الإجرائية لعمل المفوضية.

حجم التشابكات والتعقيدات في المشهد السياسي الشيعي، ينبغي أن لا يصرف الأنظار عن تشابكات المشهدين الكردي والسني وتعقيداتهما؛ ففي البداية، بدأ الحراك والصراع والتنافس للاستحواذ على منصب رئاسة الجمهورية بين الحزبين الرئيسيين، الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، فالأخير يرى أنه بعد أن تنازل عن هذا المنصب للاتحاد طيلة 16 عاماً، لم يعد مبرراً أن يقدّم المزيد من التنازلات، وخصوصاً مع ضعف الاتحاد الوطني وتفكّكه بعد رحيل زعيمه جلال الطالباني في تشرين الأول/أكتوبر 2017.

أكثر من ذلك، يرى حزب البارزاني أنَّ برهم صالح استحوذ على المنصب قبل 3 أعوام، بعد أن تجاوز مبدأ التوافق والتفاهم المعمول به، ناهيك بأنَّ الديمقراطي، الذي حصل على 32 مقعداً مقابل 17 مقعداً لغريمه الاتحاد، يعتقد في ضوء هذه الأرقام، أنّه الأحقّ بالمنصب، لكن ما ينبغي التنبيه إليه هو أنَّ تفاهمات القوى الكردية حول تقاسم المواقع المخصصة للكرد في بغداد مرتبطة بتقاسم المواقع في الإقليم، وخصوصاً رئاسة الإقليم ورئاسة الحكومة المحلية فيه.

وفي المشهد السياسي السني، مع تزايد فرص واحتمالات بقاء محمد الحلبوسي متربعاً على كرسي رئاسة البرلمان، بعد حصول تحالف "تقدم" بزعامته على 42 مقعداً، تاركاً خلفه بمسافة بعيدة غريمه اللدود تحالف "عزم" بزعامة خميس الخنجر، بعدما أحرز الأخير 14 مقعداً فقط، إلا أن التسابق بين الطرفين لكسب الكيانات والشخصيات الفائزة الأخرى، بدا على أشده بعد إعلان النتائج الأولية للانتخابات مباشرة، ناهيك بالتحرك على القوى السياسية الرئيسية من المكونات الأخرى، ولا سيّما المكون الشيعي.

هذا الجدل والسجال حول نتائج الانتخابات ومخرجاتها، والحراك المبكر لترتيب وصياغة معادلات التحالفات والاصطفافات لضمان أكبر قدر من المكاسب والنفوذ والتأثير، يؤشر في ما يؤشر إليه، إلى أن المسار العام للعملية السياسية في العراق لن يتبدل كثيراً، هذا في حال طرأ عليه تغيير فعلي يعتدّ به، لأن القوى الكبيرة لا بدَّ من أن تحقق تفاهمات الحد الأدنى لتنتقل إلى الخطوات اللاحقة، والقوى الصغيرة لا بدّ من أن تتحالف أو تصطفّ أو تنضوي تحت مظلة هذا الكيان السياسي الكبير أو ذاك، حتى يكون صوتها مسموعاً ومؤثراً، والتفكير في المكاسب والمواقع والامتيازات لن يغادر العقليات السياسية القديمة والجديدة على السواء.

ولأنّ الانطباعات والقناعات الراسخة لدى جمهور واسع بهذا الشكل، كانت المشاركة متواضعة - (41%) وفق ما أعلنت المفوضيّة، وقد تكون النّسبة الحقيقيّة أقل من ذلك - والمقاطعة كبيرة. وتلك رسالة مهمّة وعميقة وبليغة يجب أخذها بعين الاعتبار، أياً كانت طبيعة النتائج والمخرجات والمعطيات وجوهرها.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
حيدر : انا لله وانا اليه راجعون يعني منين نبدي هو انتو سامعين بشي اسمه نقابة معلمين او فد ...
الموضوع :
السوداني يستقبل وفد نقابة المعلمين ويشيد بدور الملاكات التربوية وجهودها في العملية التعليمية
Hussain Hamza : سبحان الله انقل السحر على الساحر!! لماذا تدعمون إسرائيل ضد العرب؟ وضد غزة؟ هل لكم الحق في ...
الموضوع :
ردا الى تصريحات ترامب :: الناتو : الدول الأعضاء متمسكة بمبدأ الدفاع عن بعضها البعض
علي عباس مراد : اني احد منتسبي الشرطة الاتحادية المفسوخ عقدة من جراء الاصابة بعبوة ناسفة والمرض ولم استلم اي تعويض ...
الموضوع :
دائرة شؤون المواطنين في الأمانة العامة لمجلس الوزراء تستقبل شكاوى المواطنين عبر موقعها الإلكتروني
فيسبوك