التقارير

حينما تكون طهران المحطة الخارجية الاولى للكاظمي  

1251 2020-07-24

عادل الجبوري ||

 

   بدلا من ان تكون العاصمة السعودية الرياض محطته الخارجية الاولى بعد توليه رئاسة الحكومة العراقية في السادس من شهر ايار-مايو الماضي، تغيرت الامور بصورة مفاجئة، لتصبح العاصمة الايرانية طهران المحطة الاولى لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.

   لم يكن، لا لبغداد ولا لطهران ولا للرياض دور في تبدل المواعيد والاولويات، بل ان العارض الصحي الذي المّ فجأة بملك السعودية سلمان بن عبد العزيز، كان وراء ذلك، اذ انه بينما كانت التحضيرات النهائية لمغادرة الكاظمي بغداد متوجها نحو الرياض كما هو مقرر في العشرين من شهر تموز-يوليو االجاري، تجري على قدم وساق، اعلنت وزارة الخارجية السعودية منذ ساعات الصباح الاولى لليوم المقرر للزيارة بأرجائها، اذ جاء في بيان رسمي صادر بأسم وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، "تقدر المملكة لاختيار رئيس الوزراء العراقي زيارتها كأول دولة بعد توليه منصبه، واحتفاء بهذه الزيارة البالغة الأهمية ورغبة في توفير كل سبل النجاح لها، آثرت قيادتنا الرشيدة، بالتنسيق مع أشقائنا في العراق، تأجيل الزيارة إلى ما بعد خروج مولاي خادم الحرمين الشريفين من المستشفى".

   ولان الرياض وطهران وواشنطن، كانت المحطات الثلاث المقررة لرئيس الوزراء العراقي في اول جولة خارجية له، وبسبب حجم التعقيدات والتشابكات والتداخلات في العلاقات بين الاطراف الثلاثة، والتراكمات التأريخية الثقيلة المتلاحقة لحالة التأزم، ولما لذلك من تأثير كبير على العراق-سياسيا وامنيا واقتصاديا-برزت الكثير من مظاهره ومعطياته خلال الاعوام السبعة عشر المنصرمة، فأنه من الطبيعي ان يكون للمحطة الاولى من جولة الكاظمي اهمية ملموسة، تتجاوز المسائل الاعتبارية والمعنوية والنفسية، الى طبيعة وفحوى ومضمون الرسائل التي يمكن ان تنطلق منها، والتي بدورها يمكن ان تؤسس لمسارات الحوار والبحث والنقاش وسياق التعاطي مع القضايا والملفات في المحطتين اللاحقتين.

   وهكذا كانت طهران محطة الكاظمي الاولى بحكم مصادفات الظروف ليس الا، ليبقى موعد محطة الرياض معلقا لحين تحسن صحة الملك سلمان او شيء اخر يقدره الباري عز وجل.

   ومن طهران اكد الكاظمي على جملة نقاط من بينها، ان زيارته للجمهورية الاسلامية الايرانية، تهدف الى تعزيز العلاقات الثنائية، لاسيما في ظل الظروف الراهنة، حيث يمر البلدان بتحديات ناجمة عن تفشي فيروس كورونا وانخفاض اسعار النفط العالمية، وكذلك اكد على ان العلاقات العراقية الايرانية لا تقوم فقط على الموقع الجغرافي والحدود المشتركة الممتدة لالف واربعمائة وخمسين كيلومتر، بل ان هناك اواصر تأريخية وثقافية ودينية متأصلة في تاريخ البلدين، وان الجمهورية الاسلامية الايرانية كانت في مقدمة الدول التي وقفت الى جانب العراق في حربه ضد الارهاب والجماعات التكفيرية، وان العراق لن ينسى هذه المواقف، وانطلاقا من ذلك يقف الى جانب ايران لتجاوز التحديات الاقتصادية القائمةن في ذات الوقت الذي شدد فيه الكاظمي على ان بلاده لن تسمح باستخدام اراضيها لتوجيه اي عدوان او تهديد الى ايران.

  ولاشك ان رئيس الوزراء العراقي الذي جاء في ظل ظروف معقدة وتجاذبات داخلية وخارجية حادة، وتحديات خطيرة، ربما يدرك اكثر من غيره انه لايمكن بأي حال من الاحوال التفريط بالاشواط الطويلة والخطوات الكبيرة التي قطعت على مدى الاعوام الماضية لتنمية وتعزيز العلاقات بين بغداد وطهران، ويدرك ايضا ان الاخيرة تعد لاعبا اقليميا مهما ومؤثرا في المنطقة والعالم، وان محاولات ومساعي بعض الاطراف الدولية والاقليمية لعزلها ومحاصرتها لن تفلح، والبديل الواقعي والعملي عن ذلك، هو التعاطي معها وفق مبدأ المصالح المتبادلة والحقائق القائمة، وانطلاقا من هذا المبدأ فأنه يعمل على تذويب الخلافات وتقليل التقاطعات بين ايران من جهة وخصومها من جهة اخرى، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الاميركية والمملكة العربية السعودية، بما يساهم في حلحلة مشاكل وازمات العراق الناتجة عن تلك الخلافات والتقاطعات. 

   ولعل القيادة الايرانية، تتفهم وتدرك تعقيدات المشهد العراقي والعوامل المؤثرة فيه، وهي في الوقت الذي تحرص على تعزيز وتقوية العلاقات مع بغداد، بما بخدم مصالح البلدين، تقدر ضرورة واهمية انفتاح العراق على محيطه العربي والفضاء الدولي، مع التأكيد والتشديد على مواقفها الثابتة حيال القضايا والملفات المحورية، وهو ما سمعه الكاظمي بكل وضوح من قائد الثورة الاسلامية اية الله العظمى السيد علي خامنئي وكبار القادة والمسؤولين الايرانيين الذين التقاهم على مدى يومين متتالين.

فالايرانيون اكدوا للكاظمي، كما اكدوا لاسلافه من رؤساء الوزراء السابقين، ان العلاقات بين ايران والعراق أخوية وراسخة بفضل المشتركات التأريخية والدينية والثقافية والعادات والتقاليد، وان ما يهم ايران في علاقاتها مع العراق هو استتباب الامن وتحسن الظروف العامة فيه، وهي لم ولن تتدخل في شؤونه، بل تسعى ليكون مستقلا وموحدا ومتضامنا، وتعارض كل ما يتسبب في إضعاف الحكومة العراقية، هذا في الوقت الذي يرى الايرانيون، ان الاميركان يبحثون دائما عن حكومة عراقية شبيهة بحكومة الحاكم بول بريمر بعد سقوط صدام، وبينما لاتتدخل ايران في علاقات العراق مع أميركا، فأنها تتوقع من أصدقائها أن يعرفوا أنها مصدر الخراب، والمهم في الامر ان الكاظمي سمع من الايرانيين رغبتهم وحرصهم على متابعة   قضية اغتيال الشهيد قاسم سليماني في العراق من قبل الاميركان، وكشف ملابساتها وخفاياها، وقد تحدثوا بهذا الملف من زاوية التقاليد العربية في اكرام الضيف، والحفاظ على حياته، والاقتصاص من قتلته.

   ولاشك ان الكاظمي حينما يذهب بعد وقت قصير الى واشنطن والرياض، سيسمع من كبار الساسة هناك تحذيرات مما يسمونه بالنفوذ والمد الايراني في العراقي، والمخاطر المترتبة على ذلك النفوذ، وربما يعرضون عليه دعما مشروطا في هذا الاطار، بيد انه ربما -او يفترض-ان يتحدث اليهم بلغة الواقعيات القائمة والحقائق الشاخصة، وبالمنطق الذي يمكن ان يفضي الى اخراج العراق او النأي به بعيدا عن دائرة ودوامة الصراعات والتقاطعات الاقليمية والدولية.

   قد تبدو المهمة صعبة وعسيرة، لكن تفهم واشنطن والرياض، وربما عواصم اخرى، لمجمل الاشكاليات والظروف، كما تتفهما طهران، من شأنه تخفيف حدة التشنجات، وتقليص نطاق الاشتباكات والتشابكات في بيئة هشة وقلقة ومتصدعة، وكل ذلك، يؤكد حقيقة مهمة للغاية، هي انه يصعب على العراق الخروج من النفق المظلم من دون تفاهمات وتفهمات الحد الادنى بين الفرقاء والخصوم.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك