التقارير

روحاني في العراق.. مفارقات بين زيارتين

2095 2019-03-12

 

عادل الجبوري

 

حينما زار الرئيس الأميركي دونالد ترامب العراق خِلسة في ليلة السادس والعشرين من شهر كانون الاول/ ديسمبر الماضي، تزامناً مع عيدي الميلاد ورأس السنة الميلادية الجديدة، أدلى بعدة تعليقات عن تلك الزيارة، ومن بين ما قاله، إنه تم اطفاء كافة أنوار الطائرة التي كانت تقله مع عقيلته ميلانيا ترامب، ومستشاره لشؤون الأمن القومي جون بولتون، وعدد صغير من مساعديه والمقربين منه، وأن مشاعر الاضطراب والقلق كانت هي السائدة.
وفي حينها نقلت قناة "الحرة" الأميركية، القريبة جداً من مراكز القرار في واشنطن عن ترامب قوله "كان لدي مخاوف حول مؤسسة الرئاسة، وليس فيما يتعلق بي شخصياً، ومخاوف حول السيدة الأولى ميلانيا ترامب، ومن المحزن جداً عندما تنفق سبعة تريليونات دولار في الشرق الأوسط، ثم يتطلب الذهاب إلى هناك كل هذه السرية الهائلة والطائرات حولك، وأعظم المعدات في العالم، وان تفعل كل شيء حتى تدخل سالما"!.
وأكملت شبكة (NBC news) الإخبارية الاميركية الصورة، ذاكرةً "ان زيارة ترامب المظلمة للعراق استغرقت احدى عشرة ساعة، على متن طائرة أيرون فور، تخللها إطفاء الأنوار بشكل كامل وإغلاق لستائر النوافذ، حيث رافقت طائرة ترامب طائرات حربية أخرى لحمايته".
وفي أكثر من حديث وتعليق عبر قنوات فضائية وفي شبكات التواصل الاجتماعي، أكد ترامب أن "زيارتين ألغيتا سابقا بعد تسرب أنباء عنهما".
ولعل المعروف، أنه منذ أحداث الحادي عشر من ايلول/ سبتمبر 2001، درج الرؤساء الأميركيون على تفقد قوات بلادهم المنتشرة والمرابطة في مناطق الحروب والصراعات، ولم يكن سهلاً على ترامب أن يتجاهل هذه الخطوة، لا سيما وأنه تعرض لموجة انتقادات واسعة، والبعض اتهمه بالجبن والخوف، واعتبره البعض الآخر غير مؤهل لقيادة أكبر دولة في العالم. 
والمعروف أيضاً، أن كل الرؤساء الأميركيين، بعد غزو بلادهم للعراق في ربيع عام 2003، قاموا بزيارة العراق وتفقد قواتهم فيه، بنفس الطريقة التي جاء بها ترامب، فالرئيس الأسبق جورج دبليو بوش، زار العراق بعد ثمانية شهور من الغزو، تحت جنح الظلام وبصورة خاطفة، وكذلك فعل خلفه الرئيس باراك أوباما في ربيع عام 2009.
والى جانب الرؤساء، فهناك العشرات ـ إن لم يكن المئات ـ من الساسة والمسؤولين الأميركيين، زاروا العراق ودولا أخرى، يمتلكون فيها وجوداً عسكرياً كبيراً جداً، بذات الطريقة، التي تبدو أقرب الى أساليب اللصوص.
وفي زيارة ترامب وأمثالها الكثير من المفارقات، فهم يتحدثون ليل نهار عن احترام سيادة الدول واستقلالها، بيد أنهم يفعلون عكس ما يدعونه تماما.
وهم يدعون، حينما يشنون الحروب على الدول والشعوب، ويحاصرونها ويتآمرون عليها، أنهم يسعون الى نشر قيم الديمقراطية والحرية والكرامة، الا أن الواقع يؤكد خلاف ذلك بالكامل.
لو كان ترامب ـ وكذلك أسلافه ـ صادقاً في شعاراته ومدعياته، لأعلن عن زيارته مسبقاً، وحضر الى العراق، مثل أي زعيم دولة أخرى، وفق السياقات الدبلوماسية والبرتوكولية المعمول بها، لا أن يأتي خلسة وتحت جنح الظلام، ويطفئ أنوار طائرته الخاصة، ويسدل ستائر نوافذها، ترافقها عشرات الطائرات، ويغادر بنفس الطريقة التى جاء بها بعد سويعات قلائل، دون أن يلتقي بأحد، سوى بعض جنوده القابعين في قاعدة عسكرية بعمق الصحراء. 
كل تلك الصور والتصورات والأحاديث التي رافقت وتبعت زيارة الرئيس الاميركي للعراق قبل شهرين ونصف الشهر، وما قيل بشأنها، وما صدر من مواقف رافضة ومنددة ومستنكرة، لا بد من استحضارها اليوم ونحن نتابع منذ أكثر من أسبوعين الاستعدادات والتحضيرات القائمة على قدم وساق، في بغداد وطهران على السواء، لزيارة الرئيس الايراني الشيخ حسن روحاني الى العراق.
لم يأتِ الرئيس روحاني الى العراق خلسة تحت جنح الظلام، ولم يطفئ أنوار طائرته الخاصة أو يسدل ستائر نوافذها خشية على حياته وحياة مرافقيه المقربين، ولن يغادر بعد ساعات قلائل، ولن يلتقي بعدد من الجنود الايرانيين في قاعدة عسكرية نائية، ولن يتحسر على انفاق الترليونات في العراق دون جدوى.
أتى روحاني في وضح النهار، وبرفقته عشرات الوزراء والمستشارين والمساعدين والخبراء، وحطت طائرته وسط بغداد، وكان في استقباله حشد كبير من المسؤولين العراقيين في مقدمتهم نظيره الرئيس برهم صالح، وسيجري، هو واعضاء الوفد المرافق له مباحثات معمقة وتفصيلية مع اعضاء الحكومة العراقية وكبار الساسة، وسيزور كربلاء المقدسة والنجف الاشرف، ويلتقي كبار مراجع الدين هناك.
بعبارة أخرى، أتى الرئيس روحاني الى العراق، كرئيس دولة تحرص على ترجمة شعاراتها الى أفعال، ولا تكتفي بالادعاءات والاقوال، وتحترم الآخرين مثلما تحترم ذاتها، وتلتزم بالضوابط والسياقات والاعراف السياسية والدبلوماسية.
وقبل الرئيس روحاني، زار العراق، خلال الأعوام الستة عشر المنصرمة، مسؤولون ايرانيون كبار، من بينهم رؤساء ووزراء وعلماء ورجال دين ومفكرون ومثقفون، وكلهم جاؤوا من الباب لا من الشباك!
وغير روحاني، زار العراق على امتداد الستة عشر عاما المنصرمة عشرات رؤساء الدول والحكومات والوزراء، وفق السياقات والاصول والاعراف، على العكس من ترامب واسلافه، الذين كانوا يأتون سرا وسريعا وخلسة.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك