التقارير

نهاية “الجيش الحر”!

1349 07:01:00 2013-12-19

 

ربيع بركات

“المعارضة القديمة”، التي يفترض أنها معتدلة، تم تهميشها. خطتها منذ العام 2011 تمحورت حول الدفع باتجاه تدخل عسكري غربي شامل على غرار ذاك الذي حصل في ليبيا في العام 2011. وعندما لم يحصل ذلك، لم تقدم أي استراتيجية بديلة”. (باتريك كوكبورن ـ الإندبندنت)

يكرر كوكبورن، أحد أبرز الصحافيين الغربيين المختصين بشؤون الشرق الأوسط، ما سبق أن سُرب حول تقديرات جهات استخبارية غربية حيال أوضاع الميدان السوري. من حيث المبدأ، لم يعد ثمة حاجة حقيقية للإحالة إلى تقارير كتلك. إذ يمكن الزعم أن التطورات التي عصفت بالجبهات السورية على مدى الأشهر الماضية، كافية للذهاب أبعد من الحديث عن “تهميش للجيش الحر”. فالأخير انتهى عملياً، أقله بصيغته السابقة وبرنامجه التأسيسي. وما يحصل اليوم لا يعدو كونه إعادة تدوير لوظيفة هذا الجيش، تمهيداً لمرحلة ما زالت ملامحها قيد الإعداد.

وقراءة مآل “الجيش الحر” تستوجب مراجعة محطات ومواقف أظهرت قصور التجربة عن تقييم الواقع والبناء عليه، كما أبرزت المدى الذي كان فيه مصير الجيش معلقاً على مزاج اللاعبين الإقليميين، الذين يثبت، يوماً بعد آخر، أنهم أكبر المؤثرين على مسار الحراك السوري بعدما اتخذ شكلاً مسلحاً. فخيار العسكرة كان، متمَماً بأدوات المال والإعلام والخطاب الديني، وفي ظل ظرف محلي وإقليمي غاية في التعقيد، أكثر ما حرف اتجاه البوصلة التي عبرت عنها تظاهرات الأشهر الأولى في البلاد.

لم يحد خطاب “الجيش الحر”، على مدى أكثر من عامين بعد التأسيس، عن ذاك الذي أراد أن يسوقه داعموه الإقليميون وفق ما كانت تقتضيه مصلحتهم، فكان رموزه أسرى الأوهام التي روجها أولئك اللاعبون في معظم الأحيان، وكان التناقض بين الوقائع والحسابات الورقية يظهر تباعاً كلما سقط رهان أو خابت توقعات. كما كان تغير المعطيات، تحديداً المتعلقة بهوية القوى الفاعلة على الأرض، يفرض تعديلاً في رؤية هؤلاء للحدث. وقد أدى ذلك إلى تحول قراءاتهم عما كانت عليه مطلع الانتفاضة، مع تحلل الخطاب الشعبوي المرافق لها وتراجع قدرته على تفسير المجريات.

ففي العام الأول، برز استبعاد قادة “الحر” التام لاحتمال جذب الصراع المسلح متطرفين من خارج الحدود. فأكد مؤسس «الجيش» رياض الأسعد أن الأمر لا يعدو كونه فبركات من النظام وأن السوريين قادرون على حماية أنفسهم وعلى إسقاط نظامهم وأنهم لا يقبلون دخول أفراد إلى البلاد أو تدخل دول وجماعات في شؤونها (مقابلة مع موقع “أصوات الشرق الأوسط” في كانون الأول 2011)، ثم أخذ يبني على خطاب الخارج وحروبه النفسية والإعلامية ضد النظام، فتوقع انهيار الأخير مع نهاية العام الأول للانتفاضة (مجلة “المجلة” الصادرة في لندن في شباط 2012).

وقد كان الأسعد حريصاً على تفنيد كل المخاوف حيال تضخم ظاهرة “القاعدة” ومشتقاتها بتأكيده أن الأخيرة لا تمتلك قاعدة شعبية وأن “من يتحركون باسمها مساجين سابقون أفرج عنهم النظام خدمة لأهدافه” (“الجزيرة” في حزيران 2012)، ثم كرر الأمر بقوله إن “الشعب السوري لن يقبل أياً ممن يوصفون بالمجاهدين والإرهابيين في الأراضي السورية” (“راديو سوا” أيلول 2012).

غير أن تجاوز الوقائع للخطاب فرض على مؤسس “الجيش الحر” ملاءمة الإثنين بما يقنعه وجزءاً كبيراً من جمهوره على السواء، فعاد عن تشخيصه السابق لواقع المعارضة المسلحة بقوله بعد عامين على انطلاق الحراك، إن “جبهة النصرة” تمثل “الفصيل الصادق” بين القوى المقاتلة (في شريط مسجل في آذار 2013). وقد جاء كلامه بعدما فاض به الكيل من وعود الخارج ومن وصاية ممثلي الانتفاضة المنتدبين في الفنادق. فقرر، بعدما اتُخذ قرار تهميشه ونفذت محاولة اغتياله التي بترت رجليه، أن يفصح عن مواقف ظلت ضامرة إلى حينه، فاتهم المجلس الوطني بـ”ممارسة التشبيح على الثورة” وبقيامه مع الائتلاف السوري بـ”محاولات جادة لتصفيته” (“عكاظ” في أيلول 2013).

إلا أن الرجل كان قد أضحى خارج حسابات الكبار، شأنه شأن رئيس المجلس العسكري في “الجيش الحر” العميد الركن مصطفى الشيخ، بعدما سبقه الأخير في إبداء امتعاضه من الخارج بالقول إن “عدم دعم العالم للمعارضة السورية يعني تحول عناصرها إلى مجموعة من الإرهابيين” (الديلي تلغراف تشرين الثاني 2012).

وقد كان الغرب معنياً بتجديد دماء “الجيش الحر”، حتى يتماشى مع رغبة دول خليجية بتغليب قوى متماثلة معها عقائدياً، من دون أن يفلت زمام الأمر من يديه ويذهب جهده رصيداً في أدراج “القاعدة” وأشباهها. وكان أن انتخب العميد سليم إدريس رئيساً للقيادة العسكرية الموحدة على رأس مجموعة ضمت إسلاميين أبعد عن “القاعدة” وأقرب إلى نهج “الإخوان” المدعومين من قطر و”السلفيين” المتصالحين مع سائر دول الخليج.

ومع تضخم حجم “داعش” و”النصرة” والمجموعات المشابهة، ومع إمساك السعودية دفة الإشراف على المعارضة المسلحة بدلاً من قطر ورغبتها بتحجيم “الإخوان المسلمين” المدعومين من الأخيرة وأنقرة على السواء، إضافة إلى خشيتها من تداعيات تسوية أميركية مع إيران، أخذت تعمل من خارج “الجيش الحر” على جمع قوى تملك وحدها قدرة التأثير عليها من دون سائر الشركاء. وسهُل لها الأمر بغياب قيادات ميدانية بارزة مع استقالة مسؤول المجلس العسكري في حلب عبد الجبار الكعيدي قبل أشهر واغتيال عبد القادر صالح المقرب من “الإخوان” قبل أسابيع. فكان أن رعت إعلان “الجبهة الإسلامية” التي تضم سبع كتائب معارضة أواخر الشهر الفائت، والتي تصف نفسها في ميثاق تأسيسها بـ”تكوين عسكري سياسي اجتماعي إسلامي شامل يهدف إلى إسقاط النظام الأسدي في سوريا إسقاطاً كاملاً وبناء دولة إسلامية تكون السيادة فيها لشرع الله وحده مرجعاً وحاكماً وناظماً لتصرفات الفرد والمجتمع والدولة”.

وبعد مزاحمة “الجيش الحر” بخطاب يغلب عليه التشدد، ظهرت قدرته العملية في أسوأ أحوالها مع اعتقال أمين سر هيئة أركانه عمار الواوي من قبل “داعش” قبل أيام، ومع عجزه عن حماية مخازن سلاحه على الحدود مع تركيا.

بيد أن أكثر ما يؤشر إلى نهاية “الحر”، أقله بصيغته السابقة، هو حجم الإرباك الذي بات يتصف به خطابه وسلوكه اليوميان، حيث صار الهم الأول لقائده سليم إدريس نفي ما نقل عنه حول استعداده للتعاون مع الجيش السوري لمواجهة “القاعدة”، ودحض الأخبار التي تحدثت عن فراره من سوريا… هرباً من الأخيرة.

السفير

29/5/131219

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك