لا تزال تونس تعيش على وقع المظاهرات التي بدأت منذ أيام ضد الائتلاف الحاكم، وأصبح المجتمع يعيش حالة انقسام حاد بين النخبة السياسية والشعب، ويبدو أنه من الصعب التوصل إلى حل توافقي للخلافات القائمة في الأيام القادمة.
رفرفت مئات الأعلام التونسية فوق رؤوس المتظاهرين التونسيين في شوارع العاصمة الذين رفعوا شعار:" نريد إسقاط النظام"، ومطالبين بحل البرلمان الانتقالي. ومن بين العوامل التي تقف وراء تلك الاحتجاجات المتواصلة هو إثارة الانتباه إلى مسألة تأثير الدين في السياسة والمجتمع. فالفجوة الموجودة بين القوى الإسلامية وبين القوى العلمانية اتسعت بشكل كبير على حد تعبير يواخيم هورزتر، المتخصص في السياسة الخارجية لدى الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني الحاكم، حيث يقول:" حزب النهضة الحاكم الذي نال أغلبية كبيرة في الانتخابات لم يستوعب بأنه يجب عليه فسح حيز مقبول للقوى الأخرى التي تشكل الأقلية".
اغتيال محمد البراهمي يؤجج الاحتجاجات
يعتبر حزب النهضة أكبر قوة سياسية في التحالف الحكومي الذي يضم حزب التكتل الديمقراطي والحزب الديمقراطي التقدمي وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي ينتمي إليه رئيس البلاد، المنصف المرزوقي. وبدأت المظاهرات بعد اغتيال المعارض السياسي محمد البراهمي في 25 يوليو/ تموز الماضي لينظم إلى زعيم المعارضة، شكري بلعيد، الذي تعرض أيضاً للاغتيال في شهر فبراير/ شباط الماضي. وتم تنفيذ الجريمتين بنفس السلاح. وحمل العديد من التونسيين حزب النهضة الحاكم نصيباُ من المسؤولية في تلك الجرائم التي طالت الوجوه المعارضة في البلاد.
آلاف المتظاهرين التونسيين في شوارع العاصمة حاملين الأعلام الوطنية ورافعين شعار:" نريد إسقاط النظام"كفاح من أجل دستور جديد
أصبحت الأحزاب التي كان يجمعها العداء للرئيس المطاح به، زين العابدين بن علي، محط جدل سياسي بعد عامين من توليها الحكم في تونس. ومن تجليات ذلك الدعوة الحالية المتواصلة من أجل تغيير الدستور الحالي. ومن المنتظر أن يقوم البرلمان الانتقالي الحالي بتنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية بحدود شهر سبتمبر/ أيلول القادم. غير أن الإسلاميين والعلمانيين يسعون منذ مدة لتغيير نص الدستور الذي كان من المفترض أن يُغير منذ شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
"سبب فشل الحوار هو انفراد النهضة بالقرار بالسياسي"
الباحث في العلوم السياسية حمادي العونيوحسب الباحث في العلوم السياسية، حمادي العوني، في جامعة برلين الحرة فأن سبب الفشل في الخروج برأي موحد هو حزب النهضة الإسلامي الحاكم. فحزب النهضة، كما يضيف العوني، قام بممارسة رقابة على صياغة الدستور من "بدايتها إلى نهايتها" وجعلها تتلاءم مع قناعاته. وقام مصطفى بن جعفر الذي يرأس لجنة مراجعة التغييرات في الدستور إلى وقف عمل اللجنة إلى أجل غير مسمى. ومنذ حادث اغتيال محمد البراهمي يقاطع 70 نائباً برلمانياً من أصل 217 أعمال تلك اللجنة التي يهيمن عليها حزب النهضة. وحسب القانون التونسي فأن المصادقة على مشاريع القوانين من طرف النواب البرلمانيين يقتضي حضور ثلثي أعضاء البرلمان.
ويتوقف استئناف لجنة الدستور عملها على إجراء محادثات بين الأحزاب الحاكمة والمعارضة، كما يرى مصطفى بن جعفر الذي ينتمي إلى صفوف حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات. وينتقد بن جعفر تقاعس السياسيين التونسيين على بذل الجهود للخروج من الأزمة القائمة. وبدوره يرى الباحث حمادي العوني في حوار مع DW عربية بأن "بن جعفر يحاول كسب الوقت لصالح حزب النهضة عبر سعيه لتهدئة المواطنين". لكن بن جعفر لديه حل احتياطي يلجأ إليه في حال تنحي حزب النهضة، كما يضيف العوني.
مصطفى بن جعفرإقصاء العديد من القوى السياسية
الاحتجاجات لا تزال متواصلة، وقال نزار أميني من حزب العمال بأنهم: "سيواصلون الضغط على حركة النهضة لعزلها". وينظم الإتحاد العام التونسي للشغل رفقة الأحزاب السياسية المعارضة مظاهرات كل مساء ضد حزب النهضة الحاكم. ويطالب جزء من المعارضة بتشكيل "حكومة وحدة وطنية" تضم كل الأحزاب السياسية التونسية. أما مية الجبري، الأمين العامة للحزب الجمهوري، فترفع سقف الأهداف إلى المطالبة بحل الحكومة الانتقالية واستقالة الوزير الأول على العريض. غير أن حزب النهضة رفض مطالب مية الجبري وأبدى تمسكه بمنصب الوزير الأول، كما أعلن الحزب عن عدم رغبته في حل لجنة الدستور، كما جاء على لسان أمين عام حزب النهضة، راشد الغنوشي الذي قال في هذا السياق: "أهدافهم ليس ديمقراطية، ففي الدول الديمقراطية لا تغيير المظاهرات حكوماتها". وبعثت الحكومة الانتقالية مؤخراً إشارات تظهر استعدادها للحوار لكن بدون شروط، كما أعلنت 17 من سبتمبر/ أيلول كموعد مقترح لإجراء الانتخابات البرلمانية.
حركة النهضة الإسلامية تواجه تهمة التفرد بالسلطةويستبعد العوني أن يواصل حزب النهضة قيادة الحكومة الانتقالية، ويرى أن السياسة لوحدها لا يمكن أن ترسم ملامح مستقبل تونس، حيث يقول: "هناك غياب لعناصر مهمة في تأمين مستقبل البلاد وهم الشباب والمحامون والقوى المجتمعية ومختلف القوى التي قامت بثورة الياسمين عام 2011. هؤلاء لا يزالون إلى الآن مبعدين عن العملية السياسية". بالإضافة إلى ذلك هناك غياب للكفاءات في العديد من القطاعات المهمة. وبالنسبة للعوني فمشاكل البلاد ستجد طريقها للحل بعد أن تبدأ كل القوى الحية في تونس في العمل جنباً إلى جنب.
https://telegram.me/buratha