لا توجد أدلة ملموسة كافية على وجود رابط قوي ومتماسك بين إقامة الأمير السعودي الشاب سلمان بن سلطان المتكررة مؤخرا في العاصمة الأردنية عمان وبين تعيينه قبل عدة أيام نائبا لوزير الدفاع في المملكة العربية السعودية.
لكن توجد صلات لا يمكن تجاهلها أو إسقاطها من حساب التحليل السياسي بين القفزة البيروقراطية الواسعة للأمير الشاب مؤخرا في الرياض وبين سلسلة ‘نشاطات وأعمال’ له تحديدا في الساحة الأردنية خلال الأسابيع القليلة الماضية.
مصدر سعودي أبلغ ‘القدس العربي’ مباشرة بأن الأمير الشاب الذي صعد إلى مرتبة رفيعة لوزارة الدفاع السعودية وهو ضيف شبه دائم من شهرين على الأردنيين يمسك أكثر بزمام المبادرة وتنفيذ جزء حيوي وهام من الإستراتيجية السعودية المتعلقة بالملف السوري وتحديدا الجزء المتربط بما وصفه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بعبارة ‘إعادة التوازن ميدانيا’.
العبارة الأخيرة وحسب كل التفسيرات والإحتمالات تحمل قراءة واحدة وهي تلك التي تفترض بأن الهدف الأمريكي المرحلي هو تنشيط حضور ميليشيا الحر المعارضة وتزويدها بإمكانات إضافية حتى يغيب الحسم عن المشهد السوري ويتواصل الصراع وفقا لرؤية عرضها أمام القدس العربي الجنرال مازن القاضي وهو خبير أمني إستراتيجي خدم مطولا في سلك الأمن الأردني.
في ذهن الجنرال القاضي لا توجد نوايا أمريكية وغربية معنية بالحسم والإستراتيجية المتبعة حتى اللحظة ميدانيا هي العمل على إدامة الصراع قدر الإمكان بين كل أطراف القتال في المعادلة السورية حتى تستنفد قوى الجميع.
ضمنيا يعني ذلك أن الإقامة الطويلة للأمير السعودي في عمان بإعتباره النجم الجديد المكلف بالملف الأمني الإقليمي جزء من واجبات عمل النظام الرسمي العربي الذي وضع بيضاته في سلة الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة.
اللافت أكثر في السياق أن زيارات الأمير السعودي المتكررة مؤخرا للأردن وغالبها لم يتم الإعلان عنه لفتت الأنظار وكانت في مسار لا يمكن ستره والتغطية عليه.
الرجل ظهر في بعض مطاعم عمان الراقية مع حاشية مكشوفة من المرافقين الذين تحدث بعضهم لأصدقاء أردنيين.وحظي بحراسة أردنية مميزة ويحمل معه نقدا من الوزن الثقيل وحضر وقاد إجتماعات تنسيقية أمنية بعضها في مقر السفارة الأمريكية في عمان وبعضها في مواقع أخرى حيوية.
هذا النشاط السعودي في عمان بالتوازي مع وقوف الأمير بندر بن سلطان المهم على محطة موسكو له على الأرجح تفسير تكتيكي حسب الناشط السياسي المتابع جيدا للملف السوري محمد خلف الحديد.
الإنطباع اليوم أن الأمير سلمان قد يكون ‘رجل المرحلة’ الجديد أمنيا وتحديدا عندما يتعلق الأمر بإدارة ‘خلية الأزمة’ السعودية الميدانية التي تتولى إدارة المصالح السعودية حصريا في المعادلة السورية.
لذلك يرى مراقبون بان النشاط الملموس للأمير سلمان في ساحة كالأردن أعقبه نشر عدة تقارير عن وصول العديد من قطع السلاح الثقيل والذخائر والصواريخ المضادة للدروع لمقاتلي الجيش الحر وتحديدا في منطقة درعا جنوبي سورية.
بعد هذا النشاط تحدثت تقارير موازية عن ‘أموال سعودية’ ضخمة تضح لشراء السلاح والذخيرة من مهربين في السعودية والأردن وسورية في عملية مغطاة غير رسمية تستخدم بعض نقاط العبور الوعرة جدا والبعيدة في محيط درعا عن قدرات الرادار الأمني السوري الذي يخضع بدوره للتشويش بمعدات بريطانية وفرنسية فائقة الكفاءة.
وعلى هذا الأساس يمكن التحدث عن تراتبية جديدة في خارطة مركز القوة السعودي تمنح الأمير سلمان المقرب بدوره من الامير النافذ مقرن حصة إضافية من دور أساسي ومحلي بعدما تردد دوليا عن ‘تفويض’ السعودية وتنحية بعض أطراف الخليج الأخرى بإدارة معركة الدعم والإسناد العربي للجيش السوري الحر.
لم يعد سرا لا في عمان ولا في القاهرة ودمشق التحدث عن مال سعودي مخصص لشراء السلاح حتى من السوق السوداء عبر حلقة هرمية مخفية من تجار السوق والحدود المتخصصين بالتهريب ونقله لاحقا لقوات المعارضة السورية.
ثمة أدلة متعددة على عملية سعودية واسعة النطاق بهذا الخصوص أثارت في المحيط الكثير من الغبار الذي دفع مثلا السلطات الأردنية لمراقبة المسألة بصورة أكثر دقة.
بعض قطع السلاح تستقر في السوق الأردنية السوداء بأيدي مهربين غير منضبطين وبعضها الأخر يعود بالتهريب من سورية إلى الأردن، الأمر الذي دفع الجانب الأردني رسميا للكشف علنا وببيانات رسمية عن التصدي لمحاولتين على الأقل لإدخال السلاح للأردن من سورية في مفارقة غريبة حيث يفترض أن يحصل العكس تماما.
بالسياق تشير تقارير محلية لان السلطات تراقب عن بعد حركة ثمانية ألاف مسدس فردي مثلا ضمن ‘شحنة صينية’ لا تفيد المعارك في سورية يقال انها دخلت السوق.
يبدو أن هذا النشاط في مجال الأسلحة إنتهى بحادثة عرضية في منطقة الحدود الأردنية السعودية وتحديدا في محيط مدينة معان الأردنية التي يحتفظ السعوديون بنفوذ خاص فيها حيث قتل في حادث رجل سعودي على يد أردنيين.
اللافت في هذه الحادثة أن الإطار العشائري في المنطقة ومن الجانبين تحرك فورا لإحتواء الحادثة حيث نظمت ‘عطوة عشائرية’ من الطراز العابر للحدود بين المملكتين.
وقرر وجهاء سعوديون التنازل عن ‘حق الدم’ في الحادثة المشار إليها بصيغة تقول ‘تكريما لجلالة الملك عبدالله الثاني ولجلالة الملك عبد الله بن عبد العزيز′.
وفي السياق تسريبات عن إنتعاش عصابات تهريب أردنية وسورية وحتى روسية برعاية المال السعودي في عملية واسعة لا يمكن ضمان السيطرة عليها بسبب تعدد الأطراف مما يؤدي لتسلل بعض المهربات من السلاح هنا أو هناك.
لكن التنسيق وتحديدا في الملفات الإقليمية- الأمنية بين المملكتين السعودية والأردنية لا يقف عند حدود المسألة السورية فعمان إحتضنت أيضا وكذلك مدينة العقبة إجتماعات تنسيقية مغلقة تخص تطورات الملف المصري بعدما وجدت كل من الرياض وعمان نفسيهما في السياق المناصر تماما للإنقلاب العسكري على الأخوان المسلمين في مصر.
36/5/13810
https://telegram.me/buratha