بدأت السعودية في ترحيل آلاف العمال اليمنيين وذلك عقب صدور قواعد تنظيمية جديدة تلزم الأجانب بالعمل فقط لدى كفلائهم، وكشفت بعض المصادر عن عدد المغتربين اليمنيين التي تقوم السلطات السعودية بترحيلهم إلى الأراضي اليمنية ليصل يوميا إلى 2000 شخص.
و قضى قانون العمل السعودي الجديد بـمنع العامل الأجنبي من العمل عند شخص غير كفيله السعودي، أو إنشاء مشروع خاص ليهدد ذلك مصالح نسبة كبيرة من العمال اليمنيين الذين يعملون عند غير كفلائهم، وينذرهم برحيل جماعي وشيك، فضلا عن الإجراءات التشددية مع المغترب اليمني، وتضييق خناق حركته والدأب على ملاحقته والاشتباه به وترحيله.
ومع اقتراب انتهاء مُهلة الثلاثة أشهر التي منحها العاهل السعودي لتصحيح أوضاع المخالفين لأنظمة العمل السعودية، تبدو الحكومة اليمنية عاجزة عن اتخاذ أي إجراءات لمعالجة أوضاع المغتربين، حيث انتهت اللجنة الوزارية التي شكلها مجلس الوزراء للنظر في هذه القضية إلى رفع تقريرها إلى مجلس الوزراء، وبرسالة سلمها وزير الخارجية من الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى الملك عبد الله بن عبد العزيز. وكانت وزارة المغتربين أعلنت أنها أعدّت خطة طوارئ لاستقبال نحو 500 ألف مرحّل يمني من المملكة، غير أن مصدراً في وزارة المغتربين نفى وجود أي خطة، وقال إن الوزارة لا تمتلك أي اعتمادات مالية، وليست لها سوى موازنتها التشغيلية ورواتب موظفيها فقط.
ولعل من الفقرات المهمة للقانون السعودي الجديد هو عدم تجديد الإقامة لكل من يقيم أكثر من ست سنوات، ما عدا ذوي التخصصات النادرة وكذا عدم نقل كفالة من بلغ السن القانوني من مواليد جميع الجنسيات وإلزام ولي أمره بترحيله إلى بلده على نفقته الخاصة، وفي حالة عدم التزام ولي أمره بترحيله يتم ترحيل الجميع.
تشير بعص المصادر الى ان عدد المقيمين اليمنيين في السعودية بشكل شرعي وغير شرعي يقارب مليوني مغترب تقريباً، في حين تستقبل السفارة اليمنية في الرياض والقنصلية اليمنية بجدة يومياً ما يزيد عن 3500 حالة تشمل تصحيح الأوضاع واستخراج الجوازات وتعديل المهن وبدل الفاقد والأحوال الشخصية والمتابعة والترحيل ومراجعة السجون والتصديقات والتأشيرات.
ويرى المراقبون أن ترحيل العمال اليمنيين المخالفين سيكون كارثة على اليمن التي تعاني أزمة اقتصادية وسياسية واجتماعية بالغة، فيما تؤكد الوقائع أن الحكومة اليمنية لا تملك أي تصورات بشأن سبل التخفيف من الأضرار الاقتصادية والاجتماعية المتوقعة جراء كارثة الترحيل الجماعية لليمنيين من السعودية على هذا النحو.
في ظل هذه السياقات المعقدة يصبح من اليقين أن عودة محتملة للعمالة اليمنية في السعودية ستفاقم من ضراوة الأوضاع الاقتصادية المتفاقمة وانهيار اقتصاد منهار أصلا، بحيث لا يحتمل كارثة إضافية، ومن المتوقع أن بعض المحافظات ستكون أكثر تضررا من غيرها بالأزمة، خاصة محافظات تعز وإب والبيضاء.. وغيرها من المحافظات التي كانت وما تزال في مقدمة المحافظات الأكثر معدلا في الهجرة والعمالة اليمنية في الداخل والخارج.
ويفترض حسب الواقع الاستراتيجي للبلدين، أن يعامل المغترب اليمني في السعودية والعكس معاملة المواطن الطبيعي، ابن البلد، كاستثناء وامتياز عن الهجرات والعمالات الأخرى، وتحقق ذلك بالفعل فترة طويلة، بيد أن هذه العلاقة المبدئية بدأت لعوامل من أهمها تداعيات حرب الخليج الثانية تنحو منحى آخر يضر بأوضاع ومصالح العمالة اليمنية في السعودية بشكل بالغ، من خلال إجراءات متتابعة ذات صبغة قانونية استحدثت قيودا كان من شأنها تضييق الخناق حول العمالة اليمنية، وتجاهل استثنائها التاريخي.
بعودة العمال اليمنيين، بمئات الآلاف إثر حرب الخليج، ليشعروا بخيبة الظن، وكونهم عبئا ثقيلا على وطن غير عابئ بقضاياه المصيرية، أو بالأحرى مشغول عنها بالصراعات الداخلية، كما قامت المملكة بإصدار قانون يقيد الهجرة والعمل، ويقضي بضرورة الكفيل لكل عامل أجنبي، وأثقل ذلك كاهل العمالة الشرعية، بشراء الكفالات "الفيز" بمبالغ ضخمة، ودفع إتاوات تعسفية دورية باهظة يدفعها العامل اليمني لكفيله السعودي، والخضوع لإرادة الكفيل وما سمي بشروطه المهينة، بموجب نظام الكفالة الذي يصفه البعض بقناع عصري للرق، وتهربا من هذا النظام ارتفعت لاحقا نسبة الهجرة غير القانونية، ومشاكلها اليومية التعيسة.
و في ظل أحداث الخليج عام 1990، اتخذت السعودية قراراً بتطبيق نظام الكفيل على اليمنيين المقيمين والمستقدمين للعمل لديها، وهو ما رفضه المغتربون اليمنيون آنذاك، لشعورهم بمدى الضرر الذي سيلحق بهم جراء تطبيق نظام الكفيل، ومع ذلك فقد طبق نظام الكفيل وفقاً لإجراءات مجحفة بحق اليمنيين مقارنة بالمستقدمين من دول أخرى. ومنذ العام 1996، منحت المملكة العربية السعودية أصحاب الوجاهة والنفوذ "فيزا" لاستقدام عمالة من اليمن دون أن يكون الحاصلون على هذه التأشيرات من أصحاب العمل أو من القادرين على تشغيل العمالة الوافدة، حيث يتم بيع "الفيز" عبر سماسرة بالتنسيق مع المكاتب الخاصة باستقدام العمّال في السعودية واليمن.
ووصل سعر الـ"فيزا" الواحدة إلى 15 ألف ريال سعودي، حيث يمنح الحاصلون على هذا النوع من الفيز بعد دخولهم السعودية تأشيرة مؤقتة يسمح لهم من خلالها بالبحث عن كفيل آخر، يتم نقل كفالتهم إليه بمبلغ يصل إلى 4 آلاف ريال سعودي. ونتيجة لهذا الوضع يتعرّض المغتربون حالياً للترحيل العشوائي باعتبارهم عمالة سائبة أو أنهم يعملون لدى غير كفلائهم. في الوقت الذي تعيش فيه اليمن منذ عقود أزمة اقتصادية مستفحلة بدأت بشكل واضح إثر الهجرة العكسية الكبرى للمغتربين اليمنيين من السعودية عام 1990م، صاحب ذلك انخفاض حاد لقيمة العملة، وارتفاع مهول للأسعار، بلغ ما يقارب 70 ضعفا خلال 22 عاما، في سياق بطالة بلغت في تصاعدها المستمر من 11.9 % عام 2000، إلى 35 % عام 2008م، وارتفاع معدل النمو السكاني دون ارتفاع مناسب للموارد، وفشل السياسة الحكومية في كبح النمو السكاني المتصاعد، في ضوء أن معدل خصوبة المرأة اليمنية ما زال من أعلى المعدلات العالمية، وصولا إلى وضع يفتقد تقريبا لكل الاحتياطات القادرة على استيعاب عمالة فائضة إضافية في ظل أزمة مستفحلة لعمالة سافرة ومقنعة، منذ عقود.
وتتأثر السياسات السعودية تجاه العمالة اليمنية فيها بتحولاتها الداخلية، كما تتأثر بدرجة حاسمة بالعلاقات السياسية بينها وبين اليمن، كتوجهات ومواقف كل منهما في القضايا الإقليمية والدولية من جهة، وكعلاقات ثنائية من جهة أخرى: لعل أبرزها الارتباك الواضح تجاه كارثة احتلال نظام صدام حسين للكويت(1990)، واندلاع حرب الخليج الثانية، ومع أن اليمن لم تنخرط بشكل واضح في الأزمة، وكان ارتباكها السياسي نتاجا لتباين مواقف أحزابها الحاكمة، ومزايداتهم على الشارع السياسي حينها، فقد أدى موقف "اللا موقف" هذا إزاء أزمة الخليج إلى خلق أزمة سياسية مستفحلة بين اليمن وبين دول الخليج بتبعاتها الاقتصادية المدمرة، ومن أهمها عودة ما يقارب من 732.000 عامل يمني في السعودية والكويت إلى اليمن.
لقد كانت السعودية منذ البدء تحاول توجيه سياسة اليمن بما يتوافق مع سياساتها العامة، ومن حق أي دولة أن تحاول ذلك عبر الطرق الدبلوماسية، وبما يترتب عنه مصلحة مشتركة للبلدين، لكن النشاز والمختلف والخارج عن قواعد السياسات الدولية، هو أن مراكز القوى التقليدية في اليمن وفرت للسعودية إمكانية أكثر ضمانة وأقل تكاليف في الحفاظ على مصالحها في اليمن، وبدلا من قرع الباب الدبلوماسي المؤسسي بما يترتب عنه من التزامات ومصالح متكافئة، دخلت السعودية من نافذة القوى التقليدية المؤثرة على السياسة اليمنية ، وهؤلاء لا يهمهم مصلحة الوطن أو قضية وطنية حساسة كقضية المغتربين، بقدر الاهتمام بمصالحهم الخاصة، فاشترت أو بالأحرى قبلت السعودية شراء ولاء كبار مراكز القوى وضمنت مصالحها من خلالهم، وبذلك عملت هذه المراكز النافذة على إضعاف الدولة الهشة، وكفاءة الطريق الدبلوماسي، وأحرقت كثيرا من الأوراق، وفوتت كثيرا من الفرص التي كان بإمكان الدولة توظيفها لصالح الوطن والمواطنين في الوطن والخارج.
وبعيد اعن التشاؤم فإنه يمكن للسياسة، وهي فن الممكن، استخدام أوراق كثيرة لصالح البلدين والعمالة اليمنية بالذات، لكن توظيف العلاقة السياسية بين البلدين لصالح العمالة اليمنية في المملكة لم يكن دائما محل عناية حكام اليمن الذين ضيع بعضهم أوراقا سياسية مهمة، بشكل ارتجالي وبدون مقابل أو امتيازات للعمالة اليمنية.
لعل أهم القضايا المشتركة بين البلدين، في الفترة الراهنة، والتي يمكن توظيفها لصالح اليمن والمغتربين هي قضية انصار الله وقضية تنظيم القاعدة المتمركز في اليمن، وللقضيتين بعدهما الإقليمي والدولي، حيث يمثل انصار الله حربة في خاصرة المملكة، فيما تمثل القاعدة خطرا يستهدف العالم برمته، ويجب على الدولة اليمنية قبل كل شيء، عدم اتاحة المجال للقوى التقليدية للعب بهاتين الورقتين، وعدم التعامل بهما ومعهما بانتهازية، وعدم التفريط بمصلحة اليمن وسيادتها والنسيج الاجتماعي للشعب
23513620
https://telegram.me/buratha