التقارير

حروب اقليمية عالمية على الساحة السورية...بقلم: د. مضاوي الرشيد‘ كاتبة واكاديمية من الجزيرة العربية

1443 08:10:00 2013-05-13

 

لا احد يستطيع ان ينكر ان سورية تحولت خلال العامين الماضيين الى ساحة احتراب بين قوى محلية تتمحور حول مركز الرياض ـ طهران وعالمية يتنازع عليها الغرب من جهة وروسيا من جهة اخرى وتذكرنا هذه الحرب بحقبة الحرب الباردة وصراعاتها التي اشتعلت في مناطق مختلفة من العالم انهكت الساحات المشتعلة انسانيا واقتصاديا ودمرت اوطانا من الشرق الاوسط الى افريقيا وأسيا وامريكا اللاتينية. مع الاسف اصبحت سورية الجبهة المفتوحة التي استغلتها المراكز الاقليمية لتصفية حساباتها بعيدا عن حدودها وجغرافيتها الضيقة.

بدأ الصراع السعودي الايراني محليا متعلقا بالهيمنة ومناطق النفوذ منذ خروج العراق من الدائرة العربية بعد الاحتلال الامريكي وامتداد النفوذ الايراني من طهران الى بغداد وقد سبقه العلاقات المتميزة بين طهران ودمشق وصولا الى بيروت فارتجفت السعودية ومعها بقية الدول الخليجية مما سمي بالهلال الشيعي واعتقدت هذه الدول ان ضربة خاطفة لايران ومفاعلاتها النووية ستريحهم من هذا التمدد وتقلص النفوذ الايراني او تعجل بتغيير سياسي في العمق الايراني نفسه يريحهم من المعضلة التي تعايشوا معها منذ الثورة الايرانية وتصدوا لها بتمويل حرب استعرت بين العراق وايران في الثمانينات اما اليوم فالمواجهة بين ايران من جهة ودول الخليج من جهة اخرى خاصة ان كانت مباشرة هي ابعد ما يكون عن واقع السياسة في المنطقة الخليجية خاصة في دهاليز السلطة في الدول الصغيرة او حتى السعودية ذاتها. فلا احد مستعدا لان تنفتح جبهة في الخليج خاصة وان التداعيات على هذه المجتمعات ستكون قاسية وفاتكة للامن الداخلي. ورغم حملات التجييش على ايران في الخطاب الرسمي الخليجي والسعودي الا ان مثل هذه التهويلات لا تعكس الا رغبة السلطات في استمرارية الشحن ضد عدو خارجي خاصة في فترة تجد هذه القيادات نفسها كواحات استقرار ورفاهية في منطقة المشرق العربي المشتعلة.

وتظل العلاقات الفردية لهذه الدول مع النظام الايراني قوية تقوم على تبادل الزيارات كما يحدث في الكويت بينما تنأى سلطنة عمان بنفسها عن الانجرار وراء الخطاب المستفز اما الامارات فيستمر فيها خطاب التجييش الذي يستحضر الجزر المحتلة بينما تظل موانئها وبنوكها ملتزمة من الاستفادة من الحصار الاقتصادي على ايران فتتسع الهوة بين الخطاب الرسمي الذي يتصدر الصحافة وبين الواقع الاقتصادي على الارض. وتعرف جميع دول الخليج ان اي مواجهة مع ايران ستضر بالامن والاقتصاد المحلي وستجر المنطقة الى حرب اكبر من الصراع على النفوذ بين ايران والسعودية. اما السعودية حاليا نجدها تمر بمرحلة تقهقر استراتيجي حيث هي مشغولة بترتيب الصفوف القيادية تمهيدا لتوزيع المناصب القيادية على طيف طويل وعريض من الامراء المنتظرين دورهم في قيادة البلد ولكن يظل التجييش ضد ايران استراتيجية تمتص اهتمام المجتمع وتصرفه عن التفكير بالشأن المحلي خاصة وانه يظل مشدودا متشنجا بانتظار ساعة الفرج. اما من جهة ايران المحاصرة اقتصاديا والقادمة على انتخابات قد تكون من اهم الانتخابات في الجمهورية الاسلامية فالتشنج خاصة ذلك المتعلق بخطاب استهدافها من الغرب والقوى الاقليمية التي تتربص بها يساعد على تجاوز معضلات الوضع المحلي وتمرير السياسة الداخلية دون نقاش او جدل.

جاءت الثورة السورية والتي بدأت كغيرها من الثورات العربية سلمية تطالب بمطالب لا تختلف عن مطالب الشعوب العربية الاخرى في تونس ومصر وغيرها لتوفر لهذه القوى المحلية ساحة حرب بالوكالة خاصة بعد تعنت النظام السوري وعسكرة الثورة مما فتح المجال للقوى الاقليمية المتصارعة على محور الرياض ـ طهران ان تستعرض قوتها وتحارب بالوكالة على الارض السورية. وطالما ظل الصراع في سورية محصورا داخل حدودها طالما ظلت القوى الاقليمية مطمئنة من عدم انتقال الصراع الى حدودها مهددا بذلك امنها القومي المحلي. ودخل حزب الله اللبناني على الخط السوري حيث تجلت مرحلة جديدة فبعد عدم تمكن هزيمته في لبنان خلال الاعوام السابقة جرت تحولات تتطلب زجه في الثورة السورية كحليف للنظام السوري ومحاصرته كطرف مهم مما ادى الى توسيع تداعيات الثورة السورية الى لبنان. وتأجج الصراع على محور طائفي سني شيعي او هكذا ارادت القوى الاقليمية المتصارعة ان ينتهي لتفرغ الثورة السورية من مطالبها الوطنية وتتحول الى صراع سني شيعي يتخندق حوله مجموعات تروج للخطاب الطائفي وتمهد لتغيير خارطة سورية نحو كانتونات طائفية او دويلات دينية ليس لها اي فرصة ان تصبح مساحات سياسية مستقلة اقتصاديا او سياسيا. ودخلت تركيا على الخط اولا كناصح له علاقات اقتصادية مهمة مع دمشق واستراتيجية مع الشمال السوري خاصة في موضوع الاكراد وامتدادهم في العمق التركي والسوري معا ناهيك عن العراق. فآخر ما تريده تركيا دولة كردية على حدودها مع سورية والعراق. فترنحت اولا ومن ثم سنجدها تعارض تقسيم سورية ان كان هذا سينتج عنه دويلة كردية مستقلة على حدودها. اما اسرائيل تظل في مرحلة تأهب غير قادرة على ان تحسم امرها وتقرر ان امنها القومي مرتبط بنتيجة الصراع في سورية فتعايشت مع النظام السوري لمدة 4 عقود وهي الآن غير واثقة ان حسم الثورة لصالح الثوار سيكون ايجابيا الا اذا تخلى هؤلاء عن المطالب باستعادة الارض السورية المحتلة او قيام كانتون درزي في الجولان يكون تحت سيطرتها عسكريا او سياسيا وبذلك تضمن حدودها وموقعها الاستراتيجي العسكري الذي يكشف لها الساحة السورية من شمالها الى جنوبها.

اما عالميا فالغرب بولاياته المتحدة واوروبا ايضا يقف عاجزا عن تخيل سيناريو سقوط النظام السوري واستبداله بنظام يكون حسب الطلب أي منفتحا على الغرب ومستعدا لتحويل سورية الى ساحة موالية اقتصاديا وسياسيا وبسبب قرب سورية الى اوروبا والبحر المتوسط خاصة بعد ان كثرت التقريرات التي تشير الى النفط والغاز على هذه الشواطئ مما يسيل لعاب الشركات المستثمرة المحتاجة الى الامن لتفعيل مصالحها. يجد الغرب نفسه محتارا حيث من الصعوبة التنبؤ بنتيجة الثورة السورية فخرجت خطابات تحذر من الارهاب والامارات الاسلامية المتوقعة في سورية بعد الثورة مما دفع روسيا وقاربها الى الغرب تحت ذريعة العدو المشترك اي ما يسمى بالارهاب الاسلامي، وربما تكون الثورة السورية الاولى من نوعها في العصر الحديث حيث تتكالب القوى العالمية والاقليمية لجعلها ساحة مفتوحة لم تحصل في ثورات عالمية سابقة من الثورة الفرنسية مرورا بالروسية والصينية. حيث ظلت المصالح محصورة في جناحين متصارعين دون ان يدخل على الخط عدد كبير من اللاعبين. خذ الثورة الفرنسية مثلا حيث الصراع البريطاني ـ الفرنسي في امريكا خلال الحرب فيها تحول الى صراع فرنسي ـ فرنسي ضد القوة الملكية التي انهكت شعبها بالضرائب لهزيمة بريطانيا في امريكا. ولم تستطع بريطانيا ان تتدخل بشكل يؤجل سقوط الملكية في فرنسا رغم دعمها للجناح الملكي وتوفير اللجوء والموارد له في حربه مع شعبه. اما سورية اليوم تجد نفسها ضحية عالم متغير حيث لا توجد قوة عالمية واحدة بل هناك عدة قوى تتصارع بعيدا عن حدودها ولا قوة اقليمية مهيمنة بل عدة قوى لها من الموارد النفطية ما يمكنها من استغلال الفائض لتمويل الصراع في سورية وابعاده عن حدودها الداخلية.

يدفع اليوم الشعب السوري من دمه ثمن التغيير في موازين القوى السياسية العالمية والمحلية الاقليمية التي تتفرج على يوميات القتل والدمار والمجازر دون ان يهدد ذلك امنها القومي فالصراعات البعيدة عن الحدود التي تشتعل في دولة مجاورة تظل احسن الخيار لهذه القوى الباحثة عن النفوذ مستغلة ثورة بدأت بحثا عن تغيير سياسي مشروع في بلدها وواجهت اشرس آلية عسكرية مرتبطة بنظام مستبد وتبدو الصورة اكثر دموية يوما بعد يوم ويتضح ان الحسم العسكري بعيد وغير قادر على حسم المعركة. لذلك الحل الوحيد في سورية هو على محورين. محور تتصالح فيه القوى الاقليمية وتتفق على انهاء المواجهة بين محور الرياض وايران وحل مشكلة تقسيم النفوذ بالتفاهم والدبلوماسية ومحور عالمي تتفهم فيه كل من روسيا والولايات المتحدة واوروبا خطورة استمرار المواجهة بالوكالة في سورية. وبدون هذين الحلين ستظل سورية المنكوبة شعبا واقتصادا جبهة مفتوحة لن ينتصر فيها سوى لغة الدم والتشرذم والقتل. وتبقى ثورتها معلقة مستقطبة الى اجل بعيد.

 

4/5/13513

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك