نبتة "الداتورا" الجميلة التي أدخلت إلى البلاد في السنوات الأخيرة، لا تبدو بالنسبة للعين غير الخبيرة أكثر من مجرد نبتة بريئة للزينة، إلا أن الكثيرين يجهلون خاصية هذه النبتة وسمّيتها الشديدة وإمكان استخدام بذورها بعد معالجتها، كمادة مخدرة.
ويبدو أن ملامح البراءة التي تبدو على وجه نبتة "الداتورا"، خدعت القائمين على المنافذ الحدودية، فسمحوا بإدخالها لتنتشر في البلاد، قبل أن تدق أجراس الإنذار ويتبين خطرها، وسط تناقض في الروايات الرسمية حولها، بحيث أن مؤسسات حكومية تبنت زرع هذه النباتات في الحدائق العامة، فيما حذرت مؤسسات أخرى من خطرها على الصحة العامة.
مسؤولة محلية: الداتورا نبات زينة في ظاهره ومادة مخدرة وسامة في مضمونه تقول عضو اللجنة الزراعية في مجلس محافظة بابل سهيلة عباس في حديث لـ"السومرية نيوز"، إن "نبات الداتورا دخل العراق تحت مسمى انه نبات للزينة، ليتبين فيما بعد أنه يحتوي على مادة مخدرة قد تكون طبية في بعض الأحيان، أو يضعها بعض المراهقين "للكبسلة" كما يطلق في اللهجة الدارجة في العراق".
وتبين عباس أن "هذه النباتات دخلت العراق بسبب الحدود المفتوحة وغياب الرقابة الفعالة عليها"، لافتة إلى أن "انتشار هذه النباتات يشكل خطراً على شباب العراق وعلى اقتصاده".
وتدعو عباس "الحكومة العراقية ومديريات الشرطة والأمن الاقتصادي وامن الحدود إلى منع إدخال هذه النبتة"، مشيرة إلى أنها "باتت مزروعة في بعض الساحات الخضراء وفي بعض المناطق، وفي بابل أيضاً".
وتؤكد عباس على "ضرورة القضاء على هذه النبتة لأنها تؤدي إلى تلف صحة الإنسان وتلف البيئة"، وتلفت إلى أن "لجنة الزراعة في مجلس محافظة بابل خصصت مبالغ لبدء حملة توعية للمواطنين حول مخاطر نبات الداتورا".
باحث: الداتورا شأنها شأن الإرهاب ويقول الباحث الزراعي حسين الفلهراوي إن "الداتورا أدخلت إلى العراق قبل أن يعرف أحد خطرها، حتى أن البلدية الزراعية تقوم بشتلها في الجزرات الوسطية"، معربا عن أسفه "لعدم وجود رقابة عند المنافذ الحدودية على مواد من هذا النوع بحيث يتم إدخالها على أنها نباتات للزينة لكنها في الواقع خطيرة وفتاكة".
ويلفت الفلهراوي في حديث لـ"السومرية نيوز" إلى أن "النبات دخل للعراق تحت مسمى نبات البوق لأن وردته البنفسجية تشبه البوق، إضافة إلى انه نبات دائم الخضرة، وبعد أن انتشرت النبتة اتضح أن البعض يستخدمها كمادة مخدرة"، مشيرا إلى أنها "لا تقل عن الإرهاب فتكاً وتدميراً".
ويعرب الفلهراوي عن اعتقاده بأن "بعض دول الجوار أدخلت هذه الشجيرة السامة للقضاء على الشباب العراقي"، مبيناً أن "معلومات وصلتنا بأن دول الجوار تستخدم هذه النبتة حالياً كمخدر، لكن معرفتنا متأخرة لأن النبتة انتشرت في البيوت والحدائق العامة، وتزرعها محافظة بابل في الجزرات الوسطية".
مواطن : النبتة غريبة على مزارعي المحافظةويبدي أبناء محافظة بابل موقف الاستغراب لدى الحديث عن مخاطر هذه الزهرة التي تباع شتلاتها في أسواق ومزارع المحافظة.
ويعبر احد المواطنين لـ"السومرية نيوز"، عن استغرابه لأن "من يشتري النبتة يرى أن شكلها جميل لذلك يتم شتلها في حدائق المنازل وهي موجودة في السوق ولكنني لا اعرف أنها تحتوي على مادة مخدرة، وإن كنت أعتقد بأن الداتورا غريبة على مزارعي المحافظة".
الزراعة : لم نتسلم إشعارا رسميا بوجود نبات الداتورا!وتنفي وزارة الزراعة العراقية تسجيل أي نشاط لزراعة نباتات مخدرة في العراق، مؤكدة اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع هذا النوع من النبات.
ويقول وكيل وزارة الزراعة مهدي ضمد القيسي في حديث لـ"السومرية نيوز"، إن "الوزارة الزراعة لم تسجل أي نشاط لزراعة النباتات المخدرة في العراق سواء كان تجارياً أو صغيراً"، مشيرا إلى أنها "تراقب الحقول الزراعية عن كثب من خلال مديرياتها المنتشرة في عموم المحافظات".
ويلفت القيسي إلى أن أنباء تواردت من بعض المحافظات مثل ديالى وكركوك وبابل عن زراعة نباتات مخدرة، ويضيف "إلا أن "مديريتنا كذبت الأنباء التي تحدثت عن زراعة نباتات مخدرة بعد التحري الدقيق".
إلا أن وكيل وزارة الزراعة يكشف أن "مجلس الوزراء شكل لجنة برئاسة وزارة الزراعة وعضوية وزارات أخرى كالداخلية والتعليم العالي والبيئة لدراسة ووضع ضوابط وآلية للتعامل مع النباتات المخدرة إلى العراق واتخاذ الإجراءات المناسبة للحد منها"، ويوضح أن "اللجنة قسمت النباتات إلى ثلاثة أصناف منها النباتات المخدرة الممنوع زراعتها كالخشخاش والداتورا ونباتات يسمح زراعتها لأغراض الطبية كحبة الحلوة والسوداء واليانسون ونباتات مقيد استخدامها".
ويؤكد القيسي أن "سيتم فرض عقوبات قانونية مشددة على الأشخاص الذين تكتشف في حقولهم النباتات المخدرة سواء كانت مزروعة بشكل طبيعي أو من قبلهم".
وكانت شرطة محافظة كركوك عثرت، في شهر تشرين الماضي، على مزرعة للمواد المخدرة شمال كركوك، وأرسلت عينات منها إلى المختبر لتحديد نوعها.
وتحدثت تقارير دولية صدرت عن مكتب مكافحة المخدرات في الأمم المتحدة أشارت إلى تحول العراق إلى محطة ترانزيت لتهريب المخدرات نحو دول الخليج، كما حذرت من احتمال تحوله إلى بلد مستهلك.
الأنبار كانت سبّاقة إلى اكتشاف خطرهيشار إلى أن مكتب مكافحة المخدرات في قيادة شرطة الأنبار أقدم في نيسان عام 2009 على إتلاف كميات من نبات الداتورا المخدرة، وقال مدير المكتب النقيب سعد عبد الوهاب في تصريح صحافي أن معلومات أمنية وردت من قبل المواطنين أكدت وجود تلك النباتات في مناطق عدة من المحافظة لاسيما في المناطق الزراعية والوديان مبينا أن مكتب مكافحة المخدرات في المحافظة جرد حملة كبيرة تمكن في خلالها من إتلاف كمية كبيرة من هذا النبات الخطير الذي يعد من النباتات المخدرة والسامة التي تسبب خطرا على حياة الإنسان والمواشي.
يذكر أن الداتورا نبات سريع النمو يرتفع إلى أكثر من نصف متر، وله أزهار بيضاء ذات تعرق بنفسجي على شكل مزمار تحتوي على رحيق حلو المذاق، ويمتاز بقدرته على تحمل الجفاف وحرارة الصيف، ويكثر في الأراضي الرملية والمزارع المهملة ولا ترعاه الحيوانات، وجميع أصنافه شديدة السمية وله رائحة غير مستساغة.
ويتسبب التسمم بالداتورا في الصداع وجفاف الفم والحلق والجلد، وبحالة من الهياج والهلوسة يتبعها خمول وكسل، ويصاحب تلك الأعراض ارتفاع في درجات الحرارة وحرقة في الفم وصعوبة في البلع مع اتساع حدقة العين وفقدان البصر وشلل الجهاز التنفسي.
وكانت الهيئة الوطنية العليا لمكافحة المخدرات كشفت، في حزيران الماضي، عن تسجيل أكثر من 7000 حالة إدمان على المخدرات في العراق، فيما أشارت إلى أن هذا العدد لا يمثل سوى 10% من الواقع الفعلي.
وبرزت ظاهرة انتشار المخدرات في العراق كثيراً بعد العام 2003، ويعتقد مراقبون أن البلد تحول إلى ممر لتهريب هذه المواد القادمة من إيران وأفغانستان إلى دول الخليج.
وتشير مصادر وزارة الداخلية العراقية إلى أن الجهات المختصة أتلفت خلال السنوات الثلاث الأخيرة كميات كبيرة من المخدرات المصادرة، حيث تم إتلاف 1011 كغم من مادة الحشيشة، وعشرة كيلوغرامات ونصف الكيلو من مادة الأفيون، فيما اعتقلت عدداً كبيراً من تجار المخدرات، على الرغم من أن القانون العراقي ينص على عقوبة الإعدام في ما يتعلق بقضايا الاتجار بالمخدرات.
https://telegram.me/buratha

