كان آخر ما تتوقعه أم أياد أن تجد في فاتورة الكهرباء التي وصلت منزلها الواقع في إحدى أحياء بابل رقما أصابها بالذهول، وهو 450 ألف دينار، كانت معتادة على عدم التعامل مع تلك الفواتير بخشية، لكنها دهشت من الرقم المدون عليها، ولم تصدق عينيها حتى أنها دعت ابنتها وحفيديها للتأكد من الرقم، فقد يكون هنا خطأ ما.
وتقول الحاجة أم إياد وهي في العقد السابع من عمرها وتسكن مع ابنتها الأرملة التي فقدت زوجها في حرب 1990 وحفيديها وهما في مرحلة الإعدادية لـ"السومرية نيوز"، إن "الرقم هذه المرة لا يصدق، لأن فاتورة الكهرباء السابقة كانت أسعارها معتدلة وتصل إلى 18 ألف دينار وكنت أستطيع دفعها بعد أراجع دائرة الكهرباء للحصول على موافقة التقسيط أو تخفيض التسعيرة".
وتؤكد الحاجة "والأكثر غرابة أن "المنزل يحتوي على ما يحتويه أي منزل عادي من أجهزة كهربائية مثل الثلاجة والمجمدة ومكيف الهواء وسخّان الماء ومضخة الماء وهي مواد ضرورية لأي منزل".
وتقف لحظة صمت وهي حائرة حيث تقول إن "راتبي التقاعدي هو 600 ألف دينار كل ثلاثة أشهر تتسلمه لتوزعه ما بين أجور الكهرباء والمولدة الأهلية ومولدة البيت الخاصة وبين معيشتها اليومية، وكل ذلك لم يعد كافيا لتسديد فقرة الكهرباء وحدها بين الكهرباء الحكومية والمولد الأهلي ومولدتها الخاصة".
وتشير الحاجة إلى أنها لم تكن الوحيدة التي استلمت فاتورة الكهرباء وفوجئت بأجورها العالية، إنما جميع سكان الحي صدموا بالأرقام الخيالية".
وتناشد الحاجة أم إياد الحكومة إلى "العدول عن التسعيرة الجديدة لأنها تشكل عبئا كبيرا على كاهل المواطنين ولا تتناسب مع الدخل الثابت للمواطن"، وتتساءل "هل أن الحكومة جاءت لإسعاد الشعب ورفاهيته الذين عانوا طيلة الأعوام الماضية من وطأة الحروب وجور المجاميع المسلحة أم لإنهاك الشعب الذي يمر في مرحلة نقاهة ويحتاج إلى مراعاته وإنعاشه ماديا ونفسيا؟".
يشار إلى أن محافظة بابل، 110 كم جنوب بغداد، تحصل على طاقة كهربائية تقدر بنحو 163 ميغاواط في حين تبلغ حاجتها الفعلية 700 ميغاواط، وتجهز بساعتين مقابل أربعة ساعات قطع وتصل قدرة طاقتها إلى 190 فولت في حين الطاقة المقررة للأجهزة الكهربائية هي 240 فولت مما يعرقل استخدام عدد من الأجهزة الكهربائية.
سأرفع سعر قالب الثلج!
من جانبه، يعبر المواطن أحمد خضر، 30 سنة، عن تشاؤمه قائلا "كنت أحاول أن أتهيأ اقتصاديا لكي أتمكن من الزواج إلا أن ارتفاع سعر التعريفة الكهربائية ولد لدي تشاؤما من المستقبل".
ويضيف خضر انه "ما أن وصلته فاتورة الكهرباء حتى انتابته حالة من الإحباط فمبلغ 385 ألف دينار مبلغ ليس بالهين ومن غير الممكن الادخار وتكوين أسرة مع وجوده".
وتقول آلاء عباس باحثة اقتصادية أن " الحكومة الاتحادية ألغت دعم كثير من المواد، ومنها البنزين والنفط والماء وبقية المواد وان كل هذه الأمور لا تتوازى مع دخل الفرد العراقي، وان "رفع الدعم عن المواد بمعنى أن الدولة تعطي النقود باليمنى وتأخذه من جديد باليسرى"، متسائلة "أين تذهب تلك الأموال وأين أموال النفط ومردوداته؟".
من جانبه، يرى صاحب معمل الثلج عامر جابك في حديث لـ"السومرية نيوز"، أن "ارتفاع أسعار الكهرباء يشكل شيئا خياليا لا أستطيع تصوره فالرقم خيالي، لذلك سنعيد النظر بتعريفة قالب الثلج والمتضرر بالتالي هو المواطن!".
مجلس المحافظة:طالبنا الحكومة بإلغاء التسعيرة
من جهته، يقول عضو مجلس محافظة بابل حامد الملي في حديث لـ"السومرية نيوز"، إن "مجلس المحافظة انضم إلى بقية المحافظات المجاورة التي طالبت الحكومة الاتحادية ووزارة الكهرباء بإلغاء التسعيرة الجديدة".
ويوضح الملي أن "المجلس رفع توصية الأحد الماضي، صّوت عليها أعضاء المجلس بالإجماع طالب فيها وزارة الكهرباء بإلغاء التسعيرة الجديدة لأنها تشكل عبئا ثقيلا على كاهل المواطنين الذين يسددون مبالغ مالية للمولدات الأهلية والبعض من يستعمل مولدات خاصة وهي تعمل بالوقود المكلف الأمر الذي يؤثر سلبا على حالتهم الاقتصادية".
ويتابع بقوله إن "دخل الفرد العراقي لا يسمح في الوقت الحاضر بزيادة في أسعار الكهرباء، بحسب الدراسات التي تعلنها مؤسسات اقتصادية بين الحين والأخر".
ويدعو الملي "الحكومة الاتحادية إلى ضرورة أن تفكر بجدية للتخفيف عن كاهل المواطن العراقي الذي عانى طيلة الأعوام السابقة وان تقدم له الدعم الكافي في المستلزمات الضرورية والخدمية التي تنعشه وتثبت استقراره
إستراتيجية الحكومة الاقتصادية بحاجة لنضوج وواقعية في التخطيط
إلى ذلك، يعتبر الباحث الاقتصادي عبد علي المعموري في حديث لـ"السومرية نيوز"، أن "الإستراتيجية الاقتصادية التي تتبعها الحكومة الاتحادية ينقصها النضوج في التخطيط والبرمجة والواقعية".
ويوضح المعموري أن "الحكومة الاتحادية اعتمدت على نظريات اقتصادية لدول متقدمة مثل أميركا وبريطانيا وفرنسا وهي دول سبقتنا بأعوام وتريد تطبيقها على واقع الاقتصاد العراقي الذي ينقصه الاستقرار".
ويرى المعموري أن "الحكومة الاتحادية بحاجة إلى أكاديميين اقتصاديين يدرسون الشارع الاقتصادي وبشكل واقعي ويراعون الوضع الاقتصادي العراقي "،مشددا على ضرورة إيقاف العمل بزيادة الأسعار في الوقت الحالي على بعض الخدمات الأساسية الضرورية للفرد العراقي ومنها الكهرباء والماء".
وكانت دائرة كهرباء محافظة بابل أعلنت في 28 آب من عام 2010الماضي في حديث للسومرية نيوز، أن العمل بالتعريفة الجديدة للتيار الكهربائي سيبدأ مطلع تشرين الأول المقبل، مبينة أنها أنجزت قوائم التعريفة وكافة الإجراءات اللازمة للعمل بها، فيما حددت ادني تعريفة بـ20 دينار واعلي تعريفة بـ135 دينار عراقي للكيلو واط الواحد، مبينه أن العمل بالتعريفة الجديدة جاء بتوجيه من وزارة الكهرباء ووفق التعريفة التي حددها مجلس الوزراء.
وتحسب أجور استهلاك الطاقة الكهربائية، وفق التعريفة الجديدة لمجلس الوزراء، بوحدة الـ"كيلو واط/ ساعة"، وبسعر20 دينارا عراقيا لكل وحدة واحدة، في حالة استهلاك ما بين 1- 1000 وحدة، و 50 دينارا للاستهلاك ما بين 1001- 2000 وحدة، و 80 دينارا للاستهلاك ما بين 2001- 3000 وحدة، و100 دينارا للاستهلاك ما بين 3001- 4000 وحدة، و135 دينار عراقي في حال استهلاك أكثر من 4001 وحدة.
وكانت التعريفة الجديدة التي أقرتها لجنة الشؤون الاقتصادية في مجلس الوزراء في وقت سابق عطلت من قبل وزارة الكهرباء بعد التظاهرات التي شهدتها عدد من المحافظات العراقية احتجاجا على تردي واقع الكهرباء والانقطاعات المستمرة.
وقد شهدت الفترة الماضية تظاهرات عديدة حملت الحكومة ووزير الكهرباء المسؤولية عن انقطاع التيار لساعات طويلة، أدت إلى استقالة الوزير كريم وحيد في شهر حزيران الماضي من دون حل لأزمة الكهرباء، في وقت تسجل فيه حرارة الطقس ارتفاعا ملحوظا وصلت إلى 56 درجة مئوية.
يذكر أن العراق يعاني نقصاً في إمدادات الطاقة الكهربائية منذ العام 1990 عقب فرض الأمم المتحدة حصارا على العراق، وتفاقمت المشكلة بعد العام 2003، فازدادت ساعات انقطاع الكهرباء إلى نحو عشرين ساعة في اليوم الواحد ما زاد من اعتماد الأهالي على مولدات الطاقة الصغيرة والأهلية.
https://telegram.me/buratha

