سوريا - لبنان - فلسطين

سياسةُ تسكين الجبهات وتسخين القدس والضفة


د. مصطفى يوسف اللداوي ||

 

كثرت في الأيام القليلة الماضية التهديدات الإسرائيلية بقصف إيران واستهداف لبنان وتأديب قطاع غزة، واستعرضت قيادة الأركان الإسرائيلية قوة جيشها وجاهزيته على حدود قطاع غزة تارةً وعلى الحدود الشمالية لفلسطين تارةً أخرى، وأعلنت عن حالة استنفارٍ شاملةٍ، شملت مختلف قطاعاتها العسكرية، وعمدت إلى عقد اجتماعات أمنية وعسكرية موسعة، أعلنت عن بعضها وكشفت عنها، وحافظت على سرية كثيرٍ منها، وأوحت اجتماعاتها المتعددة المستويات إلى احتمال قيامها بتنفيذ عمليةٍ عسكريةٍ ما، قد تكون مختلفة عن عملياتها المستمرة في سوريا، التي تواظب عليها على شكل غاراتٍ سريعةٍ ومباغتةٍ، إلا أنها لا ترقى لأن تكون حرباً أو معركةً مستمرةً.

بالغ المسؤولون الإسرائيليون في تصريحاتهم وأكثروا من تهديداتهم، وبدت الساحة السياسية الإسرائيلية وكأنها على أعتاب جبهة قتالٍ حقيقية، هيأت لها جبهتها الداخلية وأشعرت بها دول الجوار والإقليم، بالإضافة إلى الإدارة الأمريكية ودول أوروبا الغربية، وزاد من مستوى التهديدات وعزز جديتها، المناورة العسكرية الإسرائيلية الأخيرة، التي تحاكي القتال على عدة جبهات، وتستهدف في وقتٍ واحدٍ أكثر من عدو، ويستخدم فيها جيش الاحتلال مختلف أنواع الأسلحة الاستراتيجية والتكتيكية، معتمداً على أسطول الطيران الحربي الحديث الذي يملكه، والترسانة العسكرية التي يتميز بها عن دول المنطقة.

لكن عين العدو الإسرائيلي الخبيث الماكر ليست موجهة إلى الخارج وإن بدت كذلك، فهو أضعف من أن يشن حرباً على المقاومة الإسلامية في لبنان، وأجبن بكثير من أن يقصف إيران أو أن يعتدي عليها، ولعله أعقل من أن يكرر تجاربه الفاشلة مع قطاع غزة، التي لا تضعف مقاومتها، ولا يتراجع رجالها، ولا يفت في عزيمة أهلها كثرة ضحاياها، وإنما أراد بتصريحاته وتهديداته المعلنة أن يعمي على أهدافه الحقيقية، وأن يبعد الأضواء عن سياساته الفعلية، فلسانه في مكانٍ وعيونه على مكانٍ آخر، وقد ظن أنه سينجح في مكائده، وستمكن من بالخديعة والمكر من تحقيق أهدافه.

ربما كانت نوايا العدو الإسرائيلي على العكس تماماً مما أظهرها، فهو يريد لهذه الجبهات القوية أن تهدأ وتسكن، وأن تبرد ولا تتوتر، وألا تتهيأ مقاومتها أو تتحرك قواها، إذ لا ينوي إثارتها ومهاجمتها، أو الاعتداء عليها واستفزازها، خشية ردود فعلها التي قد تكون شديدة وعنيفة، ومفاجئة وصادمة، لكن هدفه الحقيقي كان ولا يزال هو القدس والضفة الغربية، فهو يريد أن يستفرد بهما ويشغل الجبهات الأخرى عنهما، ويتطلع إلى ابتلاعهما وتهويدهما، وطرد أهلهما وتغيير معالمهما، والسيطرة عليهما والتحكم فيهما، فهما حسب ادعائهم حلم الدولة اليهودية، وقلب ممالكهم القديمة، وموطن أنبيائهم وأجدادهم التاريخية.

تلك هي الحقيقة التي يجب أن نعيها وننتبه لها، وأن نجتهد في التصدي لها ومواجهتها، فالإسرائيليون يركزون على منطقة القدس والضفة الغربية، وينشغلون فيها ويركزون العمل في كل أنحائها، ولا يترددون في قضمها وتعجيل تهويدها، ولا يخفون مخططاتهم الجديدة فيها ولا أحلامهم القديمة في ممالكها، فأطماعهم فيها لا تنتهي، وخوفهم منها أيضاً لا يتراجع، ولهذا نراهم يقتلون المقاومين، ويغتالون القادة، ويعتقلون المئات من أبنائها، وينسفون بيوتها، ويطردون أهلها، ويصادرون ممتلكاتهم، ويبنون المزيد من المستوطنات على أراضي القرى والبلدات الفلسطينية، ولعله لا يكاد يمر يومٌ واحدٌ في القدس والضفة الغربية دون عمليات اقتحامٍ للمسجد الأقصى وانتهاكٍ للمقدسات الدينية الإسلامية والمسيحية.

ربما تظن الحكومة الإسرائيلية أنها تستطيع ذر الرماد في العيون الفلسطينية والعربية، وإشغال المقاومة في جبهاتٍ بعيدةٍ ومعارك غير متوقعة، واستنزاف قدراتها وشل قواها وصرف أنظارها، لكن المقاومة الفلسطينية تدرك حقيقة النوايا الإسرائيلية، وتفهم مخططاته وتتابع تحركاته، وترفع الصوت عالياً تحذر به الأمة العربية والإسلامية من مخاطر الصمت عن الممارسات الإسرائيلية في القدس والضفة الغربية، وتطالبها بسرعة التحرك الجاد لحماية القدس والمسجد الأقصى، واستنقاذ ما بقي من الأراضي والممتلكات الفلسطينية، وعدم السماح للعدو بأن يستفرد بالقدس والضفة الغربية ويعزلهما عن بقية الوطن فلسطين.

تعلم المقاومة الفلسطينية أن السبيل الوحيد للتصدي للعدو الصهيوني ولجمه، ومنعه من مواصلة سياسة الاستفراد بالقدس والضفة الغربية، وإجباره على التوقف عن عمليات الاستنزاف المستمرة التي تستهدف المواطنين الفلسطينيين، ودفعه لتبريد جبهاتها والكف عن العدوان عليها، والإقلاع عن سياسة الغش والخداع، والكذب والتمويه، ليس إلا القوة المسلحة والمقاومة القادرة، وتنسيق الجهود ووحدة الساحات وتسخين مختلف الجبهات، وتعدد أشكال القتال، ليشعر بجدية المواجهة، وجاهزية المقاومة، وارتفاع كلفة العدوان، فهذا عدوٌ لا يردعه إلا الدم، ولا يوقفه عند حده سوى خسارة الأرواح

وتلف الأبدان، إذ ما عادت لديه عقيدة تدفعه، ولا قيم مشتركة تجمعه، ولا أحلام توراتية تحرضه، ولا قادة تاريخيين يقودونه ويكونون لمستوطنيه قدوةً ومثالاً.

 

بيروت في 31/5/2023

moustafa.leddawi@gmail.com

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك