سوريا - لبنان - فلسطين

الحربُ الدولية على النكبة سياسةٌ مقصودةٌ وأهدافٌ معلومةٌ


د. مصطفى يوسف اللداوي ||

 

كأنه لا تكفيهم النكبة التي أصابت الشعب الفلسطيني، وما لحق به من شتاتٍ وضياعٍ ولجوءٍ وفقدٍ وحرمانٍ، وما نزل به من المحن والابتلاءات والحروب والكوارث، ولا يعنيهم الظلم الفادح البَيِّن المبين الذي وقع عليه والعدوان الذي يمارسه العدو الصهيوني ضده كل يومٍ، وعمليات القتل والإعدام والاعتقال والمصادرة والتضييق والحصار والعقاب الجماعي، وغيرها من الممارسات العدوانية العنصرية البغيضة التي يمارسها ومستوطنوه ضد الفلسطينيين في عموم وطنهم المحتل، وضد مقدساتهم وحرماتهم وقبورهم وتاريخهم وتراثهم وحضارتهم، وكأن الفلسطينيين ليسوا شعباً ولا ينتمون إلى أمةٍ، وليسوا بشراً ولا يستحقون العيش الكريم شأنهم شأن غيرهم من الأمم والشعوب التي تنعم بالحرية وترفل بالعافية وتتمتع بالاستقلال.

تلك هي مجموعة من الدول الأوروبية ومعها الولايات المتحدة الأمريكية، الذين يوالون الكيان الصهيوني ويقفون معه، ويؤيدون سياسته ويدعمون دولته، ويشجعون حكوماته ويصمتون عن جرائمه، ويساندونه في بغيه وعدوانه، ويمدونه بالمال والقوة والسلاح وتقنيات القتل والإبادة، قد تكاتفوا وتعاونوا، وتعاضدوا واتفقوا، ووقفوا معارضين للفلسطينيين ومن تضامن معهم، وتصدوا لهم وفضوا جمعهم، وأصدروا قراراتٍ تمنعهم وأخرى تعاقبهم، ورفضوا أن يحيوا في بلدانهم ذكرى النكبة الأليمة التي لحقت بالأمتين العربية والإسلامية، وأن يستعرضوا معاناة الشعب الفلسطيني، ويذكروا المجتمع الدولي بمسؤولياته القانونية والإنسانية تجاه شعبٍ شُرِّدَ ووطن أُحتُلَ ومقدسات دُنِست وحرمات انتُهكت.

عارضت مجموعة الدول الأوروبية وفي مقدمتها بريطانيا وألمانيا والبرتغال، أي نشاطٍ يتضامن مع فلسطين وأهلها، أو يذكر بها وبشعبها، ويحرض على تحريرها واستعادتها، وتطهير مقدساتها وعودة أبنائها، ووقفت ضد أي فعاليةٍ تنظم، وحذرت القائمين عليها والمنظمين والراعين لها وتوعدتهم، واعتبرت أي نشاطٍ يقومون به شكلاً من أشكال الفوضى وخرق القانون، وحذرت بمحاسبة المخالفين ومعاقبتهم، فيما يبدو أنه عملية ترهيب سافرة ضد أصحاب الحق المضطهدين المظلومين، حيث رفعت حكومات بعض الدول الأوروبية سيف قوانينها الجائرة ضد الفلسطينيين، وهددت باتخاذ قراراتٍ أكثر شدةً وحزماً ضدهم.

غريبٌ موقف هذه الدول الأوروبية التي تدعي الديمقراطية والحداثة، وتتظاهر بالحضارة والتمدن، وتدعو إلى احترام حقوق الإنسان والحفاظ على كرامة الشعوب، كيف تقف ضد شعبٍ يُظلم أمام عيونها كل يومٍ، ويُقتل أبناؤه ويُعتدَى عليه على مرأى ومسمعٍ من سفاراتهم وقنصلياتهم ووسائل إعلامهم، وكيف تصنف الكيان الصهيوني القاتل الباغي والمعتدي الظالم، الذي لا يحترم حقوقاً ولا يلتزم نظاماً، ولا يعترف بالقوانين ولا يؤمن بالشرائع، بأنه كيانٌ ديمقراطي ينبغي أن يُعترف به ويُحترم، وأن يُقدر ويكرم، وأن تصان حدوده وتحفظ حياة سكانه، وأن يعيش بأمنٍ وسلامٍ على أرض شعبٍ طرده واستولى على دياره وممتلكاته.

إنهم بسياستهم المستنكرة ومعاييرهم المزدوجة يساندون الظلم ضد العدل، والهمجية ضد الإنسانية، والكراهية ضد السماحة، والعدوان ضد السلام، والجريمة ضد القانون، ولا يترددون في إظهار صورتهم الحقيقية التي ساهمت في خلق الكيان الصهيوني القاتل، رغم أنهم يتحملون مع المجتمع الدولي جزءً كبيراً من المسؤولية عن النكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني، وعليهم يقع عبء التكفير عن هذه الجريمة التي اقترفها آباؤهم وتمسك بها خلفهم، فإن كان صمتهم عن العدوان الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني جريمةً، فإن منعهم الفلسطينيين من الشكوى والاعتراض، ومن التظاهر والتضامن، هو شراكة في العدوان، ومسؤولية كاملة عن الانتهاكات.

ألا ترون أن الدول الأوروبية التي تمنع إحياء ذكرى النكبة تتساوق وتتماهى مع الكيان الصهيوني الذي شرع قوانين تمنع إحياء ذكرى النكبة، وأصدر قراراتٍ اعتبر بموجبها أن أي فعالية تضامنية مع الفلسطينيين في يوم النكبة جريمة يحاسب عليها القانون، فهو يعتبر أن يوم النكبة هو يوم فرحةٍ عنده، فهو يمثل يوم الاستقلال وإعلان تأسيس الدولة، والدول الأوروبية التي تحرم الفلسطينيين من الجأر والشكوى والصراخ، والتظاهر والرفض والاعتراض، تهنئ الكيان الصهيوني في هذا اليوم بمناسبة "الاستقلال"، وترسل لحكومته رسائل تهنئة ومباركة، وتشارك سفارته في عواصمها في احتفالاته بهذه المناسبة.

إنهم والكيان الصهيوني يريدون أن يشطبوا التاريخ ويتجاوزوا الماضي، وأن يتحللوا من الجريمة ويتخلصوا من الخطيئة، وأن يطمسوا العقول ويغيروا المفاهيم، ويتعمدون محاربة الفلسطينيين في ذكرى نكبتهم لتنسى أجيالهم بلادها، وتتخلى عن أحلامها بالعودة إلى وطنها واستعادة حقوقها، ويأملون أنهم بأفعالهم الشنيعة هذه يستطيعون شطب الحقوق الفلسطينية، وتشريع الاغتصاب الصهيوني، وخلق وقائع جديدة تنسي الفلسطينيين ماضيهم، وتفصلهم عن تاريخهم، وتجعلهم يقبلون بالواقع

الحالي، ويسكتون عن المطالبة بتغييره والعودة إلى الأصول الأولى التي كانوا عليها في وطنهم الحر وعلى أرضهم المباركة، إلا أن ذاكرة الفلسطينيين لا تشطب، وأجيالهم لا تنسى، وأبناؤهم لا يفرطون، وعن حقوقهم مهما طال الزمن لا يتخلون ولا يتنازلون.

 

بيروت في 27/5/2023

moustafa.leddawi@gmail.com

 

ــــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك