الصفحة الاقتصادية

مشاريع توحد العراق . الفرص لن تكون متاحة دائما


عبدالحسين الهنين ||

 

نبذت أوروبا الشعارات العريضة فتوحّدت وجمعتها المصالح المشتركة. والمصالح أيضًا هي التي جعلت شعوب القارة المختلفة تضع مآسي الحروب والخلافات خلف ظهرها.

وانطلقت جهود إنشاء السوق الأوروبية المشتركة/EEC مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية.   عبر مشروع اقتصادي سياسي نشأت فكرة تأسيسه في إِيطاليا في حزيران1951، ثم  معاهدة روما  في 25  آذار 1957،وهو التاريخ الفعلي لقيام السوق الأوروبية المشتركة، وتلا كل هذا تطور تاريخي أنتج فتح الحدود ضمن اتفاقية شينغن/Schengen ، واتفاقية الاتحاد الأوروبي/EU، الذي تأسس بناءً على اتفاقية معروفة باسم معاهدة "ماسترخت" الموقعة عام 1992، ثم انجاز العُملة الموحدة اليورو.

هذه المسيرة رافقتها مشاريع كبرى، كان أهمها شبكة السكك الحديدية التي تربط كل أرجاء القارّة، وهو ما جعل التنقل بين البلدان الأوروبية سهلاً وميسراً ولا يشعر به المسافر، ولا يعرف أصلًا أنه قد عبر حدوداً دولية، سوى عبر تبدّل شبكة الهاتف النقّال.

أعرض هذه المقارنة، كمدخل لرؤية ما فعلته الشعارات والإصطفافات على أسس طائفية وقومية بنا في العراق. ولم يكن هذا ممكناً لولا غياب المصالح الإقتصادية الجامعة. فهل يمكن أن نحول بلداً صغيرا كالعراق الى كتلة موحدة؟،وأن نتبع المسار الأوروبي الذي سلكته القارة المتعددة اللغات والقوميات والتقاليد؟.

بلا تحفظ أقول؛ نعم. إن هذا أمر ممكن.

ممكن فقط لو أدركنا أن المصالح الإقتصادية المشتركة ستكون كافية لوحدها أن توحد أبناء الشعب العراقي، دون الحاجة الى مؤتمرات المصالحة أو دعوات السلم الأهلي. أقول إن ذلك ممكن جدًا شرط توفر الإرادة والمعرفة والحكمة، إضافة الى منح الفرصة لأصحاب المهارات العالية بكل تفاصيلها لإدارة الدولة.

ومن بين القطاعات المهمة ذات القيمة الحاسمة في تحقيق هذا الهدف هو قطاع النقل. لأن مشاريع هذا القطّاع، ليست مجرّد مشاريع وأرقام وتخصيصات، إنها خطط محكمة لربطٍ حقيقي بين أبناء الشعب الواحد. إنها باختصار "مشاريع لوحدة العراق".

عادة ما تتحرك الدول التي تعاني من فترات الكساد والترهّل بأن تطلق مشاريع ضخمة تسهم في تحريك التنمية الداخلية. وتضرب عصافير عدّة بحجرٍ واحد؛ البطالة، وتفعيل دورة رأس المال، وتشغيل الأموال الراكدة لدى الناس.

والعراق في حاجة لمشاريع كهذه تعادل حجم الخراب الذي خلفته الحروب والمغامرات، ومن أجل مواكبة حقيقية للعالم الذي لا يهدأ عن التقدم.

لازلت مؤمنًا بأن مشاريع من مثل؛ ميناء الفاو، ومترو بغداد، والقطار السريع، وتوسعة الخطوط الجوية العراقية، هي في حقيقتها حلول جوهرية للخلاص من الأزمات المالية والسياسية.

وإحدى هذه الوسائل هي تأسيس؛"هيئة للمشاريع الكبرى العابرة لجغرافيا المدن والأقاليم"، عبر تجربة الاكتتاب الداخلي التي تجعل من أبناء الشعب "مُـلّاكًا "حقيقيين تجمعهم مصلحة اقتصادية واحدة. وعبر امتلاكهم الأسهم في شركات وطنية. وقد تكون أقرب وسائل التمويل السهلة هي؛ اتفاقية الإطار المالي مع "مؤسسة ضمان الصادرات والائتمان الصينية ساينا شور/SINOSURE " اضافة الى وسائل اخرى متاحة.

وأن تدار هذه التجربة بحسابات مستقلة خارج بيروقراطية الموازنة الأسيرة للمحاصصة والفساد والهدر، ومن أجل تجاوز غياب التمويل  الأجنبي الخائف من الاستثمار في العراق.

وليس أفضل من “ميناء الفاو" ليكون في صدارة هذه المشاريع، بعد ان أصبح مادة متداولة بين الناس، وتدور عنه معلومات وحكايات تتأرجح بين الواقع والمبالغة والحماس. وهو أمر يؤكد انقسامنا في كل شيء. وإني أعزو ذلك الى الفراغ المعاش، مما أتاح لأصابع خارجية أن تفعل فعلها، وأن تدير صراعنا على مواقع التواصل على نموذج "صراع الديكة".

ومثالنا المهم الآخر هو القطار السريع. الذي يعد مشروعًا رابطًا للأقاليم والنواحي المترامية.

وليس أفضل من اقتفاء أثر ما صنعته  الصين في هذا المضمار، عبر المزاوجة بين شركات تمتلك التكنولوجيا المتقدمة؛ آلستوم/Alstom الفرنسية مثالاً، وسيمنس/Siemens الألمانية، وكاواساكي/Kawasaki اليابانية، إضافة الى شركة/ Bombardier Transportation الكندية الرائدة في هذا المجال. واشترطت بيكين على كل هؤلاء أن تشتري سر المعرفة/Know How، وأن يقاد الكونسورتيوم  من قبل شركة صينية هي باور تشاينا /Power China.

إن تقديراتنا تشير الى حاجة العراق الى 1800 كلم من السكك الحديد. وهذه تنجز على مراحل، كما فعلت جارتنا تركيا بمساعدة الصين. وكان باكورة عملهم هو مشروع مشابه يربط إسطنبول بأنقرة وأسكيشير، بطول 900 كلم. إضافة الى خطوط أخرى قيد الإنشاء باتجاه أزمير وسيفاس وبارسا. وهناك تخطيط لربط أنقرة بأنطاليا في الجنوب. وقبل أيام فقط، وصل أول قطار لشحن البضائع الى تركيا قادمًا من الصين. وهو ما يعزز فكرة توجّه دول الشرق الأوسط نحو الشرق، حيث الأسواق والفرص الكبرى، فضلًا عن الترابط الثقافي الممتد منذ الحضارات القديمة.

وموّلت الصين أيضًا، مشروعًا لسكك الحديد في لاوس بقيمة 6 مليار دولار، بطول 1035 كلم، يقطع سلاسل من الجبال والوديان ليربط مدينة كونمينغ جنوب شرق الصين، بفيينتيان، عاصمة لاوس. جهود الصين لم تتوقف عند هذه المرحلة، بل تسعى الى إنشاء خطوط مماثلة تمتد الى سنغافورة وتايلند وماليزيا في إطار سياسة بيكين لتأمين طرق جديدة للحرير، أو ما بات يعرف بـ"الحزام والطريق".

هذه المشاريع يمكن أن تغير طبيعة الحياة في العراق، لأن وسائل النقل  تمثل أهم الطفرات الحضارية في حياة الأمم. وستكون أقرب الى التنفيذ لو ضُمّنت مصلحة مشتركة لجميع العراقيين عبر قضيّة تملّكهم للثروة. وهذا يتم عبر طرحها للاكتتاب الداخلي العام.  

أمّا الريادة في الإصلاح، فطريقها هو توفّر إرادة قصوى لبناء مشاريع كبرى تسجّل لأصحاب الهمّة العالية. أولئك الذين يمتلكون القدرة والتركيز لصناعة تاريخ مميز في فترة مفصلية من عُمر العراق. لهذا أقول؛ إن التركيز على أهداف كبيرة سوف يفكك جميع العقد والمعرقلات عبر إدارة تنتمي للعالم المتحضر، وبذهنية القطّاع الخاص.

وما "ميناء الفاو" و"القطار السريع" والطرق السريعة إلّا "تذكرة"، تجعلنا جزءًا فعّالًا وأساسيًا  من مشاريع عالمية كبرى مثل مبادرة الحزام والطريق/Belt and Road Initiative .بقي أن نقول؛ إن الفرص لن تكون متاحة دائما.

 

ــــــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك