المقالات

ماذا تبقى لبايدن من حيل للتهرب من المسؤولية ؟


رامي الشاعر

كاتب ومحلل سياسي

 

 

استبق المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى روسيا بقوله إن "لدى الولايات المتحدة الأمريكية قلق عميق بشأن مكاسب روسيا على حساب أوكرانيا، ولذلك نعبر عن القلق حتى قبل الزيارة".

وأكد كيربي على أن الولايات المتحدة "تعارض" وقف إطلاق النار في أوكرانيا، و"ترفض" مقترحات الصين بشأن تسوية النزاع، مشددا على أن وقف إطلاق النار في الوقت الراهن "يصادق على مكاسب روسيا ويعترف بها من الناحية الواقعية".

وعلى الرغم من أن كيربي قد أكد في الوقت نفسه أن الولايات المتحدة "لا تتحدث باسم أوكرانيا" عندما تقول ذلك، إلا أن لسان الحال يقول غير ذلك تماما.

وكان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قد صرح في وقت سابق قد أعلن عن قدرته، إذا ما أعيد انتخابه رئيسا، أن "يوقف الصراع الأوكراني في ظرف 24 ساعة"، مشيرا إلى أنها "لن تكون مهمة صعبة"، وهو ما رد عليه المتحدث الرسمي باسم الكرملين دميتري بيسكوف بأنه "لم يبتعد عن الحقيقة"، لأن إعطاء واشنطن "التعليمات" لكييف بوقف العمليات العسكرية، سوف يوقف الصراع بالفعل.

من هنا نلمس مدى الكذب والتضليل الذي تمارسه الولايات المتحدة والغرب حينما يصرح بايدن أن قرار إنهاء الصراع الأوكراني يعود إلى نظام كييف أو إلى رئيسه فلاديمير زيلينسكي، في ذات الوقت الذي يقول فيه رئيس الأركان الأمريكي مارك ميلي، ردا على سؤال بشأن إمكانية عودة أوكرانيا إلى حدود 1991، بأنه يمثل "تحديا كبيرا، ومن الصعب للغاية تحقيقه بالوسائل العسكرية". ونحن نذكر ما أسماه الهواة والحواة والمهرجون في كييف "خطة زيلينسكي للسلام"، والتي أوهمه بها الغرب. لهذا يطرح زيلينسكي هدفا لهجومه المرتقب في الربيع "استعادة الأراضي"، ويقول ميلي إن ذلك هدف "يصعب تحقيقه بالوسائل العسكرية"، بمعنى أن واشنطن لا ترى ما يراه زيلينسكي، فهي لا ترى قدرته على استعادة أراضيه إلى حدود 1991، وهي في نفس الوقت ترفض وقف إطلاق النار، حتى لا "تصادق" على مكاسب روسيا.

يفضي ذلك إلى حقيقة واحدة، وهي أن واشنطن و"الناتو" يحاربون روسيا على أراضي أوكرانيا حتى آخر أوكراني، ولا يضعون في حساباتهم أي اعتبارات إنسانية، ولا يحسبون عدد القتلى والجرحى من الجيش الأوكراني، والتي تشير التقديرات إلى تراوح أعدادهم ما بين 100 ألف إلى 200 ألف قتيل وجريح.

لهذا يرفضون المقترح الصيني، ولا يريدون الاعتراف بفشلهم بإلحاق "هزيمة استراتيجية" بروسيا، واختاروا بديلا عن ذلك قتل المزيد من الشباب الأوكرانيين الذين يتم الزج بهم إلى الجبهة ليكونوا ضحايا في مواجهة تنفيذ مهام العملية العسكرية الخاصة، التي يعرفون تمام المعرفة أن الجيش الأوكراني لن يتمكن من إيقافها بأي شكل من الأشكال، حتى ولو معه قوات "الناتو"، وذلك بعد أن استنفدت القيادة الروسية كل البدائل والحلول والموائمات زهاء 19 عاما (منذ الثورة البرتقالية في 2004) لتجنب الحرب مع الدولة الجارة والشعب الأوكراني الشقيق.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: ألم يكن رئيس الأركان الأمريكي ميلي وزملاؤه من القادة العسكريين في حلف "الناتو" يعلمون أن المعركة خاسرة، وأن روسيا لن تستنزف على هذا النحو؟ ألم يعلمون أن توسيع نطاق العمليات بالدعم العسكري سيدفع روسيا إلى حشد مواردها الاقتصادية، وهو ما يعني استنزاف أوكرانيا أولا فـ "الناتو" ثانيا؟ ألم يعي الأمين العام لحلف "الناتو" السيد ستولتنبرغ أن تزويد أوكرانيا بالقذائف العنقودية انتهاك للقانون الدولي، وأن ذلك سيصعد الصراع، ويدفع نحو مزيد من الدمار للبنية التحتية الأوكرانية، ومزيد من سفك الدماء بين صفوف الجيش الأوكراني والمرتزقة من الأوروبيين؟

إن قرار المحكمة الجنائية الدولية الأخير بشأن ما أسمته "توقيف" الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يدعو للرثاء، ويفضح حجم التورط السياسي لهذه المحكمة، ويضع المسمار الأخير في نعش هذه المحكمة. وسيأتي اليوم الذي سيتم استدعاء كل من شارك وصوّت أثناء اتخاذ ذلك القرار إلى روسيا، وسيحاكم على ذلك، ولن تستطيع أي دولة تأمين حصانة له لعدم تسليمه إلى روسيا، بل وربما يتم استدعاء رؤساء الدول أنفسهم.

ولا شك أن ما يصرح به بايدن في الفترة الأخيرة من "ترك القرار لكييف" هو بداية التنصل من المسؤولية ليس أمام أوكرانيا وإنما أمام أوروبا والعالم أجمع، وكأن لسان حاله يقول: لقد فعلنا كل ما بوسعنا، لكنهم لم يتمكنوا من فعل شيء بكل ما منحناهم من موارد. وبذلك تنتهي كل أوهام الإدارة الأمريكية في الحفاظ على الهيمنة وأحادية القطبية، وأحلام "القرن الأمريكي"، ولا أستبعد الآن أبدا أن يكون فيروس كورونا المستجد هو سلاح بيولوجي استخدمته الولايات المتحدة لإنهاك الصين وغيرها من الدول لوقف المد والتصميم الدولي للانتقال إلى عالم التعددية القطبية، وأعتقد أن كثيرا من الدول العربية قد بدأت في استيعاب هذه الحقائق الخطيرة.

وعلى الرغم من ابتعاد الغارات الإسرائيلية الأخيرة على سوريا عن سياق العملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا، إلا أنه من الممكن أن نلمح استعراضا للعضلات من قبل إسرائيل، وتقديم خدمات للحليف الاستراتيجي واشنطن، من أجل إثبات أنها (إسرائيل) موجودة بقوة في واشنطن وأن حتى التقارب وتسوية العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران لن يكون لها تأثير على هيمنة واشنطن وتل أبيب على المنطقة، وهي تتحدى دور روسيا والصين، وتستهين بتواجد روسيا في سوريا، وبما أنجزته الصين من جهود في الوساطة بين السعودية وإيران. لذلك يأتي الاعتداء بالتزامن مع توقيت زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى موسكو، ليس فحسب لإلهاء وسائل الإعلام، خاصة العربية، عن الحدث التاريخي، وإنما أيضا لعرقلة أي جهود وأي مساع للحركة نحو التعددية القطبية، التي لا تصب في المصلحة الإسرائيلية، ولا تصب تحديدا في مصلحة الأوضاع الداخلية في ظل أكثر حكومة متطرفة في تاريخ إسرائيل.

لهذا فإن الأوضاع، بعد زيارة الرئيس الصيني إلى موسكو، وبعد المصالحة السعودية الإيرانية، التي تمت بوساطة صينية، تتجه لما تخشاه واشنطن من أن تتساءل دول العالم، الواقعة تحت ضغط من جانب الأوروبيين وحلف "الناتو" من أجل "اتخاذ مواقف معادية لروسيا"، بشأن حقيقة الصراع في أوكرانيا، وما إذا كان حقاً صراعاً بين روسيا وأوكرانيا، أم بين روسيا و"الناتو"، روسيا والغرب الجماعي. كذلك تخشى واشنطن أن تبدأ الدول تباعاً في التفكير جدية في السبب وراء رفض واشنطن لوقف إطلاق النار، ورفضها للمقترح الصيني للتسوية الأوكرانية، حتى دون دراسته أو الحوار بشأنه. ما تخشاه واشنطن وما يحدث بالفعل هو انعزال واشنطن والغرب عما يجري في بقية العالم حقيقة، وإيمانهم الوهمي بالتفوق والهيمنة والقدرة على إملاء الإرادة على بقية العالم، في الوقت الذي يتغير، بل تغير فيه العالم بالفعل، وتتهاوى أحادية القطبية لتختفي من مسرح التاريخ إلى الأبد.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك