المقالات

الحرب الناعمة على المجالس الحسينية


عبد الرحمن المالكي ||

 

في زمن ليس ببعيد كانت الحروب وجها لوجه، يهجم شخص ما على شخص آخر أو بلد على بلد آخر، بعد ذلك تغير الأمر قليلاً وتطورت العقول، لذلك تعلم العدو أن لا يدخل بصورة مباشرة إلى ساحة الحرب، بل كان يستعمل أشخاصاً آخرين من ذوي النفوذ والسلطة في البلد المحارَب، ولكن لم يقف التطور عند هذا الحد بل نجد أنفسنا اليوم أمام الحرب الناعمة.

عرف جوزيف ناي القوة الناعمة بقوله: هي "القدرة على الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية بدلاً عن الإرغام، إنَّ القوة الناعمة تعني التلاعب وكسب النقاط على حساب جدول أعمال الآخرين، من دون أن تظهر بصمات هذا التلاعب، وفي نفس الوقت منع الآخرين من التعبير عن جدول أعمالهم وتفضيلاتهم وتصوراتهم الخاصة، وهي علاقات جذب وطرد وكراهية وحسد وإعجاب.

ربما لم يعرف البشر هذا الاصطلاح إلا في الآونة الأخيرة، ولكنه في الحقيقة موجود منذ القدم عندما أمر الله عز وجل إبليس أن يسجد لنبينا آدم (عليه السلام) ورفض ذلك: ((قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُون)).

فاستجاب الله عز وجل وأعطاه الفرصة إلى نهاية الحياة ويوم يبعثون:  " قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ* إِلَى يَومِ الْوَقْتِ الْمَعْلوم ". ثم أعلن إبليس اتجاهه للإغواء والتدليس:  " قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ".    

عرف إبليس انهُ رمزاً للفساد والانحراف، من دون أن يملك السيطرة المباشرة على البشر بصورة مادية، فهو يعمل بالإغواء والوسوسة والإفساد عن طريق حب الشهوات والتزين والتشكيك في الأمور، فهو لا يقوم بعمل عسكري مباشر بل يوسوس للإنسان بطريقة ناعمة وغير مباشرة ولكن لا يفعل ذلك مع جميع الناس بل مع الذين يعرفهم الله عز وجل بقوله: ((لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ)).

إذن هناك فئة تلبي نداء الشيطان أسرع من غيرها وهم مرضى القلوب، لذلك يجب أن يتعلم المرء سطور الحياة بإتقان كي يعرف كيفية حل المعادلات في هذا الامتحان الصعب، الحرب الناعمة في الظاهر ترفع شعارات حق ولكنها في الباطن ليست سوى وعاء جميل مملوء بالسم الخطير، ونجد هذه الأوعية اليوم تزين المجالس الحسينية بكثرة لأن اسم الحسين (عليه السلام) وحده يزلزل كيان الظالمين ويرعب السلاطين، لذلك من الطبيعي أن يحارب الظالمين هذه القوة الجبارة بشتى الطرق كي يُقضى عليها.

ففي بداية الأمر حارب يزيد الإمام الحسين (عليه السلام) وجها لوجه، وبعد ذلك حارب الأمويون والعباسيون الذهاب إلى زيارة الحسين (عليه السلام) والصلة به، ولكن حرب اليوم ليس حرب ضد الزيارة فقط بل هي حرب المجالس وإنفاق الأموال في هذا الطريق بعد المحرم، حيث يقال ما فائدة هذه الحسينيات لا يستفاد منها سوى عشرة أيام أو شهرين في السنة فقط.

 وقبل محرم يقال هذه الأموال يجب أن تنفق لأجل الأيتام والفقراء ولكن لا يعرفون إنهم أمام إغواء كبير كما قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): "ولو أن الحقَّ خلُص من لُبس الباطل لانقطعت عنه ألسن المعاندين, ولكن يؤخذ من هذا ضغثٌ ومن هذا ضغثٌ فيمزجان، فهنالك يستولي الشيطان على أوليائه, وينجو الذين سبقت لهم من الله الحسنى".

لو نبحث في مشارق الأرض ومغاربها لا نجد مكانا أو سلطة تحترم الصغير والكبير على حد سواء سوى هذه الحسينيات، ولا نجد مائدة جلس عليها الفقير والغني سواء سوى مائدة مجالس الحسين (عليه السلام).

هذه المجالس الحسينية هي سبب بقاء الدين الإسلامي لأنها جامعة تعلم الناس باسم الحسين(عليه السلام)، نحن هنا لا نتكلم عن السارقين الذين تلبسوا بلباس الدين، واتخذوا منه وغطاء ووسيلة لتحقيق مآربهم الدنيوية المعروفة، فهم قلة ولا نضع الخط الأحمر على الجميع بسبب فعل الجهلة، ولكن يفترض أن نعلم إن الحسين جامعة تعلِّم الجميع والحسين مأوى لكل فقير وغني.

وهذه الحسينيات أصبحت مأوى للنازحين عندما لم يهتم أي أحد بأمرهم، ولم تعرف جمعيات حقوق الإنسان أي شيء عنهم لأنهم لم يندرجوا في قائمة الإنسانية في ذلك الوقت وحتى يومنا هذا.. ولم يهتم الوزراء والنواب بهم لأنهم كانوا مشغولين بأمور البلد!!!

ولم يهتم الأغنياء بهم لأنهم كانوا يتنعمون بسفراتهم في البلدان المجاورة، لذلك رفقاً بالحسينيات والمجالس، كما أننا نسأل بعض الذين يتكلمون عن أمور الفقراء، يا ترى هم أنفسهم ماذا قدم للفقراء والمحتاجين؟؟.

إنها حرب تُصاغ بالكلمات وترسل عبر المواقع الاجتماعية وتصدقها العقول البسيطة، وتنشرها, حرب اليوم وهي حرب ناعمة تتلاعب بالعقول دون ترك البصمات، إذن فلنتعلم قواعد هذه الحرب بإتقان حسب القاعدة المهمة، إذا أردت أن تنتصر وتتجنب الهزيمة اعرف عدوّك جيداً.

ــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك