المقالات

عقدة تكريم المبدع قبل موته

3008 2021-12-10

  د. علي المؤمن ||      أوضح ابتداء؛ إن حرمان تكريم المبدع في حياته؛ بل التقليل من شأنه؛ ليس تقليداً عالمياً؛ بل هو أرث محلي خاص ببلدنا ومجتمعاتنا وجماعاتنا.     ربما نجد شبيهاً لهذا الإرث في بعض البلدان المتخلفة، بینما تخلق بلدان الشرق والغرب التي تحترم أبناءها، وکذا المجتمعات الراقية والجماعات المتطورة؛ تخلق المناسبات لتكریم مبدعيها في حياتهم، لتحفيزهم وتحفيز الآخرين لمزيد من الإبداع، كون المحفزات النفسية هي أهم عناصر تقدم البلاد وتطورها.    أما لماذا تتميز بلادنا ومجتمعاتنا وجماعاتنا بهذه العقدة، وتتشدد في الامتناع عن الترويج لمبدعيها والاحتفاء بهم وتكريمهم في حياتهم؛ فإن ذلك يعود الى مجموعة عقد فرعية وأمراض نفسية، شخصية ومجتمعية وحزبية، يتحمل الجميع مسؤوليتها.     المبدع نفسه يتحمل جزءاً من المسؤولية؛ لإخفاقه في الترويج لنفسه، وفي إنشاء جيل من التلاميذ والمريدين والمتابعين الذين يروجون أفكاره، وسبب هذا الإخفاق يعود الى كسل المبدع أو خجله أو تواضعه، أو محاولة عدم إثارة غيرة الآخرين وحقدهم.    كما يتحمل بعض (أقران) المبدع والناقدين المنافسين والحاسدين جزءاً آخر، وكثير منهم مقربون من المبدع أو أصدقاء له. والغريب إن هؤلاء لايكتفون بمنع أية محاولة أو مبادرة لتكريم المبدع في حياته؛ بل هم الأكثر اندفاعاً للتقليل من شأنه والافتراء عليه. لكن المفارقة تأتي بعد وفاة المبدع؛ حينها يقوم هؤلاء (الأقران) والحاسدون بالتسابق لنشر صورهم مع المبدع، وتأبينه بأجمل العبارات وأكثرها تشدقاً بالعلاقة به.       ثم يتحمل المجتمع الجزء الثالث من المسؤولية؛ لأنه اعتاد على مهاجمة المبدع في حياته والتقليل من شأنه، ثم الترحم عليه والإشادة به بعد موته، والافتخار بانتمائه الى المجتمع. والطريف أن أغلب أفراد هذا المجتمع ممن لا يعرفون المبدع في حياته، ولا يعون طبيعة عمله واختصاصه، تجدهم يطربون على سماع الاتهامات الموجهة الى المبدع، وتسفيه إبداعاته والتقليل من شأنه، لكنهم ينتفضون في التعريف بإبداعاته بعد موته، وإطلاق الحسرات على فقده، وسرد ذكرياتهم معه.      وكذلك تتحمل الجماعة التي ينتمي اليها المبدع، جزءاً من المسؤولية؛ فهي تمتنع بإصرار عن تكريم مبدعيها؛ بل يستفزها من يمتدحهم؛ بحجة الحؤول دون انتفاخ المبدع وغروره. لكن حقيقة هذا المنع والامتناع تكمن في تخوف أغلب الممسكين بقرار الجماعة ومفاصلها، من احتمال علو شأن المبدع، وتجاوزه التلقائي لهم، وشهرته التي تنمو على حساب شهرتهم. ولكن بعد وفاة المبدع؛ يبادر هؤلاء لاستثمار المناسبة الى أبعد الحدود، من أجل تبيين مناقب المبدع المتوفي، وأثر الجماعة في بناء شخصيته.     - وأخيراً تأتي الدولة لتنقضّ على أية محاولة لتكريم المبدع؛ لأن مسؤولي الدولة يعيشون العقد الشخصية والمجتمعية والحزبية نفسها، مضافاً اليها الحساسيات المكوناتية والسياسية؛ فالتكريم إذا تجاوز عقد المسؤولين؛ فإنه سيصطدم بقواعد التحاصص الطائفي والقومي والحزبي في اختيار المبدعين.     ونحمد الله أن جوائز الأوسكار ونوبل وبوكر وبولتيزر وغلوب وبيتا، ليست في بلدنا وليست بيد جماعاتنا؛ لأن المسؤولين سيحرمونها أبناء البلد والجماعة الأحياء، ويخصصونها للأموات وللغرباء.
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
رسول حسن نجم
2021-12-10
أحسنت الشرح والتوضيح والالمام بمشكلة تكريم المبدعين (الأحياء) اما الأموات منهم رحمهم الله فلامشكله في تكريمهم!.. في بلداننا لاسيما في العراق الجريح هناك تكريم للجهله بمنحهم رتب علميه كشهادة الدكتوراه الفخريه لصدام حسين او شهادة دكتوراه لنجله الفاسق عدي ودراسات مابعد الدكتوراه! فالشهادات ببلدنا سلع تباع وتشترى..
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
حيدر : انا لله وانا اليه راجعون يعني منين نبدي هو انتو سامعين بشي اسمه نقابة معلمين او فد ...
الموضوع :
السوداني يستقبل وفد نقابة المعلمين ويشيد بدور الملاكات التربوية وجهودها في العملية التعليمية
Hussain Hamza : سبحان الله انقل السحر على الساحر!! لماذا تدعمون إسرائيل ضد العرب؟ وضد غزة؟ هل لكم الحق في ...
الموضوع :
ردا الى تصريحات ترامب :: الناتو : الدول الأعضاء متمسكة بمبدأ الدفاع عن بعضها البعض
علي عباس مراد : اني احد منتسبي الشرطة الاتحادية المفسوخ عقدة من جراء الاصابة بعبوة ناسفة والمرض ولم استلم اي تعويض ...
الموضوع :
دائرة شؤون المواطنين في الأمانة العامة لمجلس الوزراء تستقبل شكاوى المواطنين عبر موقعها الإلكتروني
فيسبوك