المقالات

المنهج الاصلاحي


 

محمد عبد الجبار الشبوط ||

 

يبدأ الانسان في التفكير في الاصلاح حين يعي ويدرك ان واقعه المعاش يعاني من اختلالات وعيوب تؤثر بالسلب على سعيه وحركته نحو السعادة والتكامل. وهذا امر مشهود على مستوى الفرد، والمجتمع بمختلف منظوماته الفرعية، والدولة. ويعتمد الاسلوب الذي يتبناه الانسان في اصلاح هذه العيوب على نوعية ومستوى وعيه لاسبابها وعواملها. وبسبب اختلاف هذا الوعي وجدنا تنوعا وتدرجا  في الاساليب. فهناك الاسلوب الكلي وهناك الاسلوب التجزيئي، وهناك الاسلوب السطحي والاسلوب العميق وغير ذلك. ولكل من هذه الاساليب مداه في العمل الاصلاحي. وتدل الحياة على انه كلما تناول الاصلاح العوامل الاساسية والجذرية للخلل كلما كان الاصلاح اجدى وانفع، وانه مضيعة للوقت والجهد ان ينشغل الاصلاح بالظواهر الخارجية والعوامل الجزئية فقط، تاركا العوامل العميقة والاسباب الكلية.

ولما كان الانسان هو العامل الاعمق والاول في الفساد، كما نفهم من قوله تعالى:"ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى ٱلنَّاسِ"، فاننا نقول ان الاصلاح يجب ان يتوجه نحو الانسان، فاصلاح الانسان، واصلاح علاقاته مع عناصر المركب الحضاري الاربعة الاخرى، اي الارض والزمن والعلم والعمل، هو جوهر العملية الاصلاحية. فاصلاح الارض من اجل زيادة انتاجية المجتمع مثلا تتوقف بالدرجة الاولى على اصلاح الانسان. وكذا الامر في معالجة بقية المشكلات التي يعاني منها المجتمع مثل البطالة، وهدر المال العام، و غير ذلك.

الانسان هو العنصر المحوري في المركب الحضاري، ولكي تشتغل بقية العناصر بشكل صحيح وسليم يجب اصلاح الانسان اولا. واصلاح الانسان يتم عن طريق اصلاح منظومة القيم العليا التي تتحكم بسلوكه وعلاقاته بالعناصر الاربعة الاخرى. وما لم يتم الاخذ بمنظومة القيم الحضارية الصالحة، وبناء او اصلاح الانسان في ضوئها فان الفشل هو مصير الجهود الاصلاحية التي تبذلها الدولة او المجتمع او الافراد. وخير مثال نضربه على ذلك هو المحاولات الاصلاحية التي بذلتها الدولة العثمانية في العقود الاخيرة من حياتها. فشلت تلك الجهود لاسباب كثيرة، في مقدمتها انها لم تتناول اصلاح الانسان، ولم تتناول اصلاح القيم العليا التي تتحكم بالانسان.

تتألف منظومة القيم العليا من عدة مفردات قد يختلف المفكرون والمصلحون في تحديدها وتشخيصها. ونجد ذلك فيما كتبه المفكرون الكبار مثل روسو ولوك وماركس والنائيني والصدر وصولا الى راولز. ويشير هؤلاء الى قيم مركزية مثل الحرية والعدالة والمساواة وغيرها. ولو تأملنا عميقا في هذه المفردات او القيم العليا لوجدناها تنتهي الى قيمة عليا مركزية واحدة هي استخلاف الانسان في الارض من قبل الله سبحانه وتعالى، وهذا ما ذكره القران الكريم في قوله تعالى:"وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً". وبالتأمل سوف نجد ان الحرية والعقل والعلم من مستلزمات هذه الخلافة. وان المساواة والعدالة واعمار الارض والاستمتاع بخيراتها من نتائجها. وهكذا بقية القيم العليا الرئيسية والفرعية التي تضبط مختلف جوانب حياة الانسان، فكلها متفرعة من قيمة الاستخلاف في الارض.

 (نقول ان الله استخلف الانسان في الارض، فماذا لو لم يكن هذا الانسان الفرد مؤمنا بالله؟ حسنا، سوف اطالبه بان يقيم حياته على اساس منظومة القيم المتعلقة بالاستخلاف بغض النظر عن المتسبب الاول للاستخلاف بمعنى ان يؤمن الانسان المنكر لله بانه السيد في الارض، الحر، المتساوي من حيث الكرامة والمنزلة مع غيره من البشر.)

وعليه، فان المبدأ الاول في المنهج الاصلاحي هو ان يعي الانسان موقعه ومركزه في الارض، بكل ما يتفرع عن هذا المركز من كرامة وسيادة وحرية وعدالة ومساواة وتسامح وعلم وعمل وسعي مستمر نحو تجسيد مفهوم الخلافة في انسان فعّال و مجتمع صالح ودولة حضارية. فليس من الاصلاح ان تطعم الناس خبزا ثم تتخذهم خولا، اي "خدما وعبيدا"، كما فعل بنو العاص، او بنو امية في رواية اخرى، حيث "اتَّخذوا دِينَ اللهِ دَخَلًا ، و عبادَ اللهِ خَولًا ، و مالَ اللهِ عزَّ وجلَّ دُوَلًا"، كما في حديث صحيح.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك