المقالات

الأب والبنت والذاكرة..

1737 2021-04-29

 

د.نعمه العبادي ||

 

يقدم (The father) ثالوثاً من نمط خاص، وهو يمارس عملية تصعيد عبر تكرار يتفلت من الاصابع في ظل مراوغة حدثية وصورية تحوم حول نقطة المركز (الأب).

يمثل المشهد الاخير من الفلم حكاية لتراجيديا موجعة تكشف بطريقة رشيقة (عورة وجودنا الضعيف) حينما ننقطع عما نرتكز عليه، وهي لحظة تعيدنا الى حالة إستغاثة مبكية بحثاً عن الملجأ الآمن: (أريد أمي؟ أين أمي؟).

يفتك المحو بذاكرة الأب (أنتوني) فيجعله مسرحاً لتقلب الصور عليه في ظل اضطراب، تفنن المخرج فيه، حتى كاد المشاهد يدخل في حلقة الاضطراب جراء عملية التداخل بين الاحداث الحقيقية والاحداث الموهمة، وفي كل ذلك تناضل (آن) الأبنة النبيلة، والساعة المنتظمة التي تلازم أنتوني في كل لحظة إلى إعادة التوازن، والقبض على بعض الذاكرة دون جدوى.

الأب الذي يعيش الاضطراب بسبب فقدانه التدريجي لذاكرته مع استحضار ذاكرة بديلة مخلقة، متحركاً بين إنكسار الذات في ظل حالة الضعف التي تسيطر عليه وبين محاولة إستعادة بعض من ذكريات يتشبث بها في نضالها مع البنت المتوجعة لحالة أبيها، وهو يحاول (عبثاً) القبض على لحظات زمانه بساعة وصورة مستقرة لشقته وأبنته التي ماتت في حادثة، وقد أوهمه النسيان أنها مسافرة.

في المقطع الاخير لحظة الاعتراف العظيم، يلاحق أنتوني مساعدته كاثرين بسؤال: (من هذا؟)  إلى أن يبلغ الذروة عندما يسألها (من أنا؟)، فعندها يضج باكيا ويفزع الى الذاكرة البعيدة حيث عيني أمه الكبيرتين، ويناديها بلغة الطفل الصغير مستغيثا بها لتخرجه من المكان، ومعلناً: (لقد طارت كل أوراقي، وسقطت كل اغصاني، ولم يعد لي محل أضع رأسي عليه).

يتحدث الأطباء وعلماء الفسلجة عن موت القلب وموت الدماغ، إذ يمكن للانسان أن يعيش زمناً بطريقة طبية معينة بعد موت الدماغ، وهما صورتا الموت المعروفة إلا ان هناك صورة أخرى لم يتم تداولها كحالة للموت، وهي موت الذاكرة، فمع أن الفقدان التام للذاكرة لا يعطل القلب او الدماغ إلا أنه صورة موت معنوي تعني إنقطاع قدرة الإنسان على التعاطي مع الواقع، حيث يتفلت من يد الماضي وينزلق في دروب الحاضر بعمى معرفي، لا يمكن معه الوقوف على أي شيء من الحقائق.

على الرغم من ان (The father) لم يوسع الاشكالية خارج حدود (الفرد)، وهو يعرض عبر معالجة اخلاقية إنسانية وأحيانا فكاهية حالة التعاطي مع فقدان الذاكرة عند الوالدين او احد افراد الاسرة وطريقة التعاطي معهما إلا أنني أمضي بالاشكالية لما هو أوسع وأكبر، فقد أصبح مألوفاً ان يعيش العالم دون حاستي الذوق والشم، وقد تصورت رواية العمى وباء العمى الفجائي إلا ان هذا الافتراض لم يوضع حيز النقاش، فماذا لو أصبح العالم فاقداً لذاكرته؟

بكل صدق، إنه سؤال مرعب، يتجاوز في تخويفه صورة عمى العالم الكلي، وهو ما يفتح المجال لنقاش معرفي عميق حول مكانة الذاكرة في الحياة.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك