المقالات

الشَّعائِر.. رُؤيَةٌ فِي الجَدَليَّةِ (٨)


نـــــــــــزار حيدر
لقد ظلَّت الشَّعائر الحُسينيَّة مصدر إِلهام للأَحرار، كما أَنَّها من مقوِّمات إِستعراض القوَّة والوِحدة والإِتِّحاد على قاعدة [حبُّ الحُسينِ (ع) يجمعُنا].
إِلَّا أَنَّ الخِلاف والإِختلاف والجِدال حولَ بعضها والذي يصلُ إِلى حدِّ التَّراشق بالتُّهم والإِفتراءات والطَّعن بالمصداقيَّة وغير ذلك، يحوِّلها إِلى سببٍ من أَسباب تمزُّق ساحتنا وتفتُّت قِوانا وتشتُّت صفوفنا، ونزاعاتنا التي حذَّرنا منها القرآن الكريم في قولهِ تعالى {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}.
خاصَّةً في السِّنين الأَخيرة في ظلِّ العَولمة ونظام القرية الصَّغيرة الذي خلقتهُ التَّكنلوجيا ووسائل التَّواصل الإِجتماعي، فقد تحوَّلت حروبنا ضدَّ بعضٍ إِلى حروبٍ عالميَّةٍ للأَسف الشَّديد يخوضُ فيها مَن هبَّ ودبَّ من العلمانيِّين والشُّيوعييِّن واللَّاأَدرييِّن والدَّهرييِّن والقدرييِّن ومَن لا يُحسِنُ أَن يُسبِغَ وضوءهُ، ومَن لا يُحسِنُ قراءة آيةٍ من كتابِ الله، ومِن كلِّ المِللِ والنِّحلِ!.
فبسببِ هذه الخلافات تحوَّلت الشَّعائر الحُسينيَّة إِلى ساحةٍ لتصفيةِ الحسابات بين مُختلفِ التيَّارات.
كما أَنَّ ذلك يُلهينا، في أَغلب الأَحيان، عن أَصل القضيَّة، فعندما ننشغل بالقيلِ والقالِ في قضايا ثبُت عمليّاً وبالتَّجربة أَنَّهُ من المُستحيل الإِتِّفاق بشأنها ومن المُستحيل الوصول بها إِلى مساحاتٍ مُشتركة يقبل بها الجميع، حتَّى لقد توقَّفَ عندها المرجعُ الأَعلى درءاً للفتنةِ رُبما، فإِنَّ ذلك يُلهينا عن أَصل القضيَّة المُتمثِّلة برسالةِ عاشوراء وكربلاء، ويُشغلنا عن مسؤُوليَّاتنا إِزاء القيام الحُسيني وخروج السِّبط الشَّهيد (ع).
كما يِلهينا عن قضايانا الحَضاريَّة الإِستراتيجيَّة، فالمُختلفُ عليهِ هنا ليس نِهاية العالَم وليس كلُّ ما نحمل من مسؤُوليات رساليَّة، ومشاكلنا لا تتوقَّف عندَ عتبتِها.
وأَقول من المُستحيل، والدَّليل أَنَّك تجد نفسك في كلِّ عامٍ مع بزوغ هِلال شهر محرَّم الحرام في مواجهةِ حروبٍ كلاميَّةٍ إِعلاميَّةٍ داخليَّةٍ بين مؤَيِّدٍ ومُعارضٍ بإِزاء نفس القضايا الخِلافيَّة، من دونِ أَن ينجح أَيَّ فريقٍ في إِقناعِ الفريق الثَّاني.
فكلُّ فريقٍ يسوقُ لك من الأَدلَّة الشرعيَّة والرِّوائيَّة والتاريخيَّة والمنطقيَّة والقُرآنيَّة والأُصوليَّة {حِمْلُ بَعِيرٍ}.
بل أَنَّ نتيجة هذهِ الحرُوب عكسيَّة تماماً! وهو إِتِّساع رُقعة وإِنتشار القضايا الخِلافيَّة عاماً بعد آخر.
ينقُل لي أَصدقاء، أَنَّهم لم يكونوا يُمارسونَها في مدينتهِم، حتى ظهرت إِحدى العمائم الحزبيَّة في إِحدى القنوات الفضائيَّة تتهجَّم عليها.
في أَوَّل مُحرَّم مرَّ علينا إِشترك فيها أَكثر من [٥٠٠٠]!.
واليوم، وبعد مرورِ عقدٍ من الزَّمن، فإِنَّ العدد لا يُحصى لضخامتهِ، يُضيفُون!.
وإِذا تتبَّعنا الخِلاف فسنجدهُ يدورُ حول [شعائر] لا تُمارَس إِلَّا ساعات محدُودة في العام، أَمَّا [الشَّعائر] الأَساسيَّة فلا خِلاف عليها ولا جِدال.
أ/ فلماذا لا ننشغل بالمُتَّفق عليهِ لتطويرهِ وتحسينِ أَدائهِ ونشرهِ وتوسيعِ تأثيرهِ، بدلاً من أَن نتحارب في اللَّامتفق عليهِ والذي، كما قُلت، يستحيلُ أَن نصلَ بهِ إِلى نتيجةٍ تُرضي الجميع؟.
ب/ إِذا كان المُختلفُ عليهِ جزءاً من الدِّين فلماذا لا نعودُ بهِ إِلى أَهل الإِختصاص للبتِّ في حالهِ وطبيعتهِ من النَّاحية الشرعيَّة، وأَقصد بهِم العُلماء والفُقهاء ومراجع الدِّين؟.
ثمَّ يعودُ كلُّ واحدٍ إِلى فتوى مَن يقلِّدهُ {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا}.
وإِذا كان ليسَ كذلك، فولكلُوراً أَو عادات وتقاليد مُستورَدة مثلاً، كما يُسمِّيها البعض، فلماذا نزجَّها في دائرةِ الدِّين ثم نختلف عليها ونتقاتل بسببِها؟.
ج/ كلُّنا نعرف فإِنَّ عاشوراء كالإِسلام، فكما أَنَّنا نختلف في القضايا الدينيَّة وهي مُتشعِّبة جدّاً، كذلك فإِنَّ عاشوراء يختلف فيها النَّاس وهي خِلافات مُتشعِّبة جدّاً هي الأُخرى.
هذا من جانب، ومن جانبٍ آخر، فكما أَنَّ في صفوفِ المُسلمين كلَّ شيءٍ، كذلك فإِنَّ في صفُوف العاشورائيِّين كلَّ شيءٍ كذلك، فلماذا ننشغل بتطهيرِ صفوفهِم على حدِّ زعمِنا ونحنُ عاجزُون عن تطهيرِ صفوفِ المُسلمينَ، على حدِّ زعمِ البعض؟.
إِنَّ عاشوراء شمسٌ تشرقُ على الجميع ولا يُمكنُ حجبها عن بعضٍ وتركها تشرقُ على آخرينَ بمِزاجِنا!.
د/ أَوليست عاشوراء مدرسةٌ؟! فلماذا لا ينشغل كلَّ واحدٍ منَّا بالتعلُّم منها بما يراهُ مُناسباً فيأخذ منها حاجتهُ مِن دونِ أَن يتدخَّل في خياراتِ الآخرين؟.
إِذا كنتَ تعتقد بأَنَّ عاشوراء قِيَمٌ ومبادئ، وهي كذلك، فلماذا لا تنشغل بتعلُّمها ونشرها والتَّرويج لها؟ بدلاً من أَن تنشغلَ بتقنينِ الآخرين الذين فهمُوا منها غَير الذي فهمتهُ أَنت؟!.
أَولم يقُل ربُّ العزَّة {فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا* ذَٰلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَىٰ}.
أُنظر كيفَ يُبرِّر لهُم القرآن الكريم جهلهُم، فلماذا لا تُبرِّر لهم أَنت [جهلهُم] إِذا كنتَ ترى في نفسِك عالماً وفيلسوفاً مستوعِباً رسالة عاشوراء دونَ الآخرين؟!.
إِنشغل برسالتِك بدلاً من أَن تنشغلَ بالهجُومِ على [رسالةِ] الآخرين.
هـ/ قد يقولُ قائلٌ؛ إِنَّ واجبي الشَّرعي هو أَن أُبيِّن الأُمور للجاهِلين! وأَن أُصحِّح مسارات المُغفَّلين! وأَن أُوضِّح الطَّريقة الصَّحيحة لغيرِ الواعين؟!.
نعم فكلُّ ذلك صحيحٌ ١٠٠٪؜، ولكن؛
هل على حسابِ وحدةِ السَّاحة والمَوقف وعلى حسابِ تماسُك الجبهة الدَّاخليَّة؟!.
وهل بأُسلوبِ التهجُّمِ والسبِّ والطَّعنِ والتَّخوينِ والتَّسفيهِ؟!.
لقد تركهُم هارون (ع) الذي خلفَ أَخاهُ موسى (ع) في قومهِ، يعبدُون العِجل وعندما سأَلهُ نبيَّ الله عن السرِّ في موقفهِ هذا، ردَّ عليهِ هارون {قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي ۖ إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي}.
وفي أَوَّلِ عهدهِ بالخلافةِ قيل لأَميرِ المُؤمنينَ (ع)؛ إِنَّ المُسلمين يصلُّون [التَّراويح] في مسجدِ رسولِ الله (ص).
فبعثَ إِليهم ولدهُ الحسن السِّبط (ع) ليُخبرهُم بعدم جوازِها لأَنَّ رسولَ الله (ص) نهى عنها فهي بدعة لا يجوزُ فعلها.
خرجَ المصلُّون، بعد أَن بلَّغهُم السِّبط (ع) برسالةِ الخليفةِ وقرارهِ، في تظاهراتٍ [عارمةٍ] يجوبُون شوارع المدينة وهم يردِّدون شعار [وا سُنَّةَ عُمَراه].
سمِعَ الإِمام بالخبر، فأَمر الحكُومة أَن اتركُوهم وشأنهم، ثمَّ رفضَ إِتِّهام المتظاهرينَ بأَنَّهم [مدسُوسين] لأَنَّ التَّظاهر في مفهومِ الإِمام من علاماتِ حريَّة التَّعبير.
أَمَّا في الأُسلوب، فهل نسيتَ قولَ الله تعالى {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}.
أَم نسيتَ قولهُ تعالى {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ}.
إِنَّ الحُسين السِّبط (ع) ليس مُلكاً لأَحدٍ، فلا يحقُّ لكائنٍ مَن كان أَن يختزلهُ في إِطارِ فهمهِ ووعيهِ، فيدَّعي، مثلاً، إِمتلاكهِ للحقيقةِ الحُسينيَّة دونَ الآخرين ليكونً وصيّاً على السَّاحة!.
*يتبع..
٢٠ تشرِينُ الأَوَّل ٢٠١٩
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك