المقالات

مقابر سياسية..!


طيب العراقي

 

منذ أن خرجنا من دكتاتورية االقائد الضرورة، دخلنا في ديكتاتورية الديمقراطية، التي تعين علينا أن نقبل بنتائجها مرغمين، على الرغم من أننا لا نقبل بكل مخرجاتها، أو أن مخرجاتها لا تتوافق مع قناعاتنا الشخصية.

دكتاتورية الديمقراطية؛ تجبرنا على التعاطي مع الأحزاب والقوى السياسية العراقية، التي تتماثل معظمها في أوضاعها الداخلية؛ مع الدكاكين أو مكاتب المقاولات، إذ لا يجمع أغلبها بالسياسة؛ إلا الأسم والعنوان العام، أما في التفاصيل؛ فهي شركات مساهمة لبضعة شخوص، إحترفوا اللعب في سيرك لا يمتع أحدا.

الأحزاب العراقية في أوضاعها الداخلية؛ تنتهج مسلكيات لا تمت بصلة، إلى منهجيات العمل الحزبي الحقة المتعارف عليها، بنفس القدر الذي تستهين به، بتطلعات ومطامح المواطن، الذي ضاق ذرعا بأعضائها وممارساتهم، بل بوجود الأحزاب ذاتها الى حد كبير.

مازالت معظم الأحزاب تتعامل مع الديمقراطية الداخلية، بمنطق ادعائي وشعاراتي فقط في أغلب الأحيان، حيث لم تنفك عن الأسلوب السلطوي للقيادات، مع إقصاء القواعد الحزبية، التي تشكل الشريان الحقيقي، الذي يمد الحزب بالنشاط والحركية والديناميكية.

بالنتيجة؛ فإن كل الأماني والمرامي تبقى في حكم العدم، وتبقى الديمقراطية الداخلية للأحزاب، مؤجلة إلى زمن سياسي لاحق؛ قد يأتي وقد لا يأتي.

العمل السياسي الحزبي في العراق مريض، ولذلك نجد أغلب القوى السياسية العراقية؛ تهرب من أن تسمى أحزابا، وباتت تبحث عن توصيفات أخرى!

ثمة أحزاب قدمت تضحيات كبيرة، من أجل الوصول الى أهداف وطنية عظمى، لكن المحصلة المؤلمة؛ هي أن تلك التضحيات تخنزل ببضعة أشخاص، وهؤلاء يتحولون الى مُلاك للحزب، فيمسكون بأيديهم كل شيء؛ المال والعلاقات والجاه وقبلها الكرسي..وتتحول هذه الرباعية المُتحكمة، الى منطقة حمراء يُمنع إقتراب سواهم اليها..من يقترب منهم ومن ما وصلوا اليه، يكون كمن كفر بالجبت والطاغوت، وبالاة والعزى ومناة الثالثة الأخرى كما في زمن الجاهلية الأولى..

فوق هذا كله، فإنهم يقدمون أبنائهم وزوجاتهم وأنسبائهم وأصهارهم ، وأبناء عمومتهم وباقي أفراد أسرتهم وعشيرتهم، الى الحقل السياسي للحزب الذي يعتلون صهوة أعضائه، ويتسيدون واجهته السياسية، وعلى باقي أعضاء الحزب السمع والطاعة، وتقديم أنفسهم قرابين على مذبح علو ورفعة تلك الطبقة المتسيدة، طبقة لصوص الواجهات الحزبية..

الأحزاب العراقية تتصف بهشاشة تنظيمية داخلية، وتعاني من ضعف مستديم على مستوى الالتزام السياسي، وفقر دم فكري تحول الى مرض دائم، وتسود بنيتها التنظيمية؛ شكوك وسيادة عقلية رجل الأمن في التعامل الداخلي، كل يشك بكل، وكل يخاف من كل! وحضور دائم للخلافات الشخصية، بدل تنشيط ثقافة الاختلاف التي تعطي القوة والمناعة، مع شيوع الترحال إلى هنا وهناك، بحثا عن الكلأ السياسي!

تواصل قيادات الأحزاب مع أعضائها، منحصر بعدد محدود، وفي العموم يكون تواصلا موسميا أو مناسباتيا، مرتبط فقط بزمن الاستحقاق الانتخابي، لأن معظم القوى السياسية العراقية بلا برامج، وإن وجدت فهي ضعيفة هزيلة، مستنسخة بعضها عن بعض!

احزابنا المريضة، تتحكم نظرية المؤامرة بعملها السياسي ؛ برغم أنها تعرف هذه الحقيقة، نشهد طغيان للعمل في الكواليس؛ حيث تدار فيها قواعد اللعبة، وفق منطق التوافقات والتنازلات، ما أنتج عدم إمكانية تعاون مستدام، أما التحالفات فهي اصطفافات اضطرارية، تقع تحت وطأة فروض المصالح الحزبية الضيقة، أو تنجم عن إكراهات العمل البرلماني، تحت قيد ضرورة تكوين فريق برلماني.

هذه بعض العلل، وبعض هذا البعض كاف لأن يحيل معظم القوى والأحزاب الراهنة الى المقابر السياسية!..

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك