المقالات

طبيب القلوب

2215 2019-04-02

شذا الموسوي

 

في ليلة شتائية من عام 1986كانت ابنتي البكر زهراء ما زالت طفلة لم تنبت اسنانها بعد،تحبو و تدور في انحاء البيت، وادور وراءها خشية عليها حتى ينهكني التعب، بينما لا تتعب هي من اللعب والحبو. جلست على الارض لتناول العشاء، فلم اشعر الا وهي تهجم على صحن الكباب بكلتا يديها وتدسه في فمها الصغير وهي فرحة تضحك. لم اتمالك نفسي فصرخت عليها مذعورة، لانها لم تكن تقدر على هضم الطعام بعد ، ففزعت طفلتي وشهقت وغصت بلقمتها، وبدأت بالسعال واحتقن وجهها، فسارعت اليها وقلبتها على وجهها، اضربها بين كتفيها واطبطب على ظهرها حتى استرجعت انفاسها بشكل طبيعي وعادت الى لعبها ولهوها.

وعند الفجر وبعد ان اديت الصلاة القيت عليها نظرة كعادتي كل يوم لاطمئن عليها، ففوجئت ان لونها ازرق مائل الى السواد وانها تلتقط انفاسها بصعوبة بالغة، فادركت ، فتلقفتها واسرعت بها مع والدة زوجي الى مستشفى الكاظمية للاطفال لاسعافها، وما ان وصلت هناك حتى وضعها الاطباء على جهاز التنفس الاصطناعي واخذوا بطرح الاسئلة علي لمعرفة سبب حالتها. رويت لهم ما حدث بالامس، لكنهم بسبب صغر سني انذاك (كنت في السابعة عشرة) ولكون الفصل شتاءا، ولان طفلتي كانت تعاني من الرشح وحمى خفيفة، لم يصدقوني وشخصوا حالتها على انها التهاب رئوي حاد تسبب في انسداد احدى الرئتين بشكل كامل كما اظهرت الاشعة.

بقيت في المستشفى عدة ايام ولم تتحسن صحة زهراء، بل على العكس فقد تردت حالتها، وبدات مظاهر الحياة تتضاءل وتخفت في جسدها الصغير،كان واضحا انني كنت افقد ابنتي، لكنني لم اكن املك الا البكاء، والاستماع الى تقريع عمتي وزوجي، والاتهامات تتوالى علي باني اهملت طفلتي حتى وصلت الى هذا الحال.

في اليوم الرابع لدخولنا المستشفى، اجتمع الاطباء حولها ليقرروا حالتها..قالوا لي نشك ان ابنتك مصابة بالسحايا، يجب ان نجري لها التحاليل وان نسحب السائل من ظهرها.. ارتعبت من هذا الاحتمال فصحت بهم :لالالا ليست مريضة، مجرد رشح بسيط، لقد غصت بالطعام..صدقوني!!

نظروا الي بريبة وقال احدهم: اي طعام كان سيذوب باللعاب، لا يمكن ان يكون هذا هو السبب.

لم اجرؤ على اخبارهم بنوع الطعام فلم اكن اقو على تحمل المزيد من التقريع، فاكتفيت بالبكاء والقول :صدقوني صدقوني لقد غصت بالطعام.

التفت احدهم الى الباقين وقال: لنستبعد هذا الاحتمال تماما، لنجري لها اشعة ملونة.

وافق بقية الاطباء على مقترحه، ولاننا كنا في خضم الحرب العراقية الايرانية، كانت المستشفى تخلو من جهاز الاشعة الملونة، فطلبوا مني اجراءها خارج المستشفى.

لم اصدق انني امسك بطفلتي بين ذراعي من جديد..تلقفتها وركضت خارجة بها من المستشفى، ولكن ليس لاخذ الاشعة، بل توجهت الى ضريح سيدي ومولاي موسى بن جعفر (ع). وما ان اصبحت داخل التكسي، حتى لاحت لي القباب الذهبية تلتمع امام ناظري، فانهمرت دموعي وصحت: يا جداه يا اماماه بجاهك عند الله اريد الشفاء لابنتي زهراء...

كانت زهراء نائمة في حضني.. نائمة او فاقدة للوعي، لم اكن ادري، فرأسها كان مائلا الى الخلف، ويداها متدليتان الى جانبها ووجها الشاحب شحوب الموتى خالي من اي علامة من علامات الشعور..وفمها كان مفتوحا باكمله كانها هي الاخرى كانت تستغيث... نظرت اليها، فسقطت دموعي في فمها وعلى انفها، فاذا بها تسعل وتسعل وتسعل، فاجلستها واسندت ظهرها، واذا بقطعة صغيرة من اللحم تطفر من فمها وتسقط على ثوبها... واذا بابنتي تفتح عينيها المحمرتين وتنظر الي وتقول بصوت ضعيف "ماما"....

لم اصدق ماجرى..وبين ذهولي وبكائي اخذت قطعة اللحم ووضعتها بمنديل وعدت بها الى المستشفى.

قال لي الاطباء: ها..لقد عدت سريعا...هل اجريت لها الاشعة؟

لم اجبهم بل دفعت لهم بقطعة اللحم وقلت لهم: هذه التي كانت تسد رئتها...

نظروا اليها ثم الى زهراء باستغراب...كانت مفتوحة العينين وتئن بصوت متعب ..ماما..ماما .

سألوني: ولكن كيف؟ كيف؟ ماذا فعلت لها؟

اجبتهم: اخذتها الى هذا الطبيب القريب منكم ..طبيب القلوب ..موسى بن جعفر

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك