رغم الظروف الصعبة والتضييق الذي مورس على المرجعية الدينية الا انها استطاعت من إنجاز تراث علمي ضخم من مؤلفات ورسائل في الفقه والاصول وعلم الكلام والحديث ، وغيرها من مؤلفات أغنت المكتبة الاسلامية ، كما انها كانت على صلة مستمرة ومتابعة لمجريات الأحداث كافة السياسية منها والاجتماعية والتي تلامس هموم ومتطلبات المجتمع ، بل كانت على صلة علمية مستمرة مع مختلف اتباع المذاهب الاسلامية الاخرى ، فلم تكن المرجعية الدينية معزولة فكرياً وعقائدياً ورغم جهد الحكومات الديكتاتورية المتعاقبة في عزلها عن جمهورها الا ان كل الجهود فشلت في محاولة تغييب دورها او ابعاد تأثيرها عن المجتمع .
بعد احداث عام 2003 المرجعية الدينية كانت تراقب الأحداث السياسية في البلاد ، وكانت تقف عند كل موقف ومنعطف يحتاج الى بيان رأي ، وكانت تعطي موقفها الصريح من اي اجراء تقوم به السلطة الأميركية الحاكمة آنذاك او السلطات العراقية والمتعاقبة والتي حكمت البلاد ، حتى اصبح منبر الجمعة من الصحن الحسيني الطاهر هو لسان حال المرجعية والناطق الرسمي باسمها ، وفيه اعلان لبيانها من جميع المواقف التي تحتاج الى رأي واضح وصريح من المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف .
الخطبة الاخيرة لصلاة الجمعة عبرت فيها المرجعية الدينية عن موقفها المساند لاجراءات الإصلاحات التي تقوم بها حكومة العبادي ، وكانت توجه نحو إصلاح المنظومة الامنية والاقتصادية بل مجمل العمل السياسي والذي تحول الى حكم الأحزاب والعوائل ، وكاننا نعيد تجربة حكم العائلة من جديد ، وأكدت في خطابها الأخير على ان تكون الإصلاحات أوسع وان تسير بوتيرة أسرع تحقيقاً لمتطلبات الجمهور والشعب ، مع ضرورة العمل على تغيير المسؤولين الغير الكفوئين بشخصيات كفوءة ونزيهة تكون قادرة على إصلاح المؤسسات التي تقودها م مع ضرورة وضع آلية في اعادة تقييم اداء المسؤولين على اساس مهني بحت ،بعيداً عن التحزب والفئوية الضيقة والتي أغرقت البلاد في آتون الحرب مع الارهاب الداعشي واستنزاف قدراته .
المرجعية الدينية اكدت على ضرورة إصلاح المنظومة التعليمية والتربوية عموماً من خلال اعادة بناء المؤسسات التربوية والتعليمية على اسس علمية وبناء كوادر تعليمية مهنية كفوءة قادرة على النهوض بالواقع التعليمي المتراجع والذي فُقدت الثقة بالقدرة على بناء جيل جديد يكون قادر على تطوير العمل المؤسسي الحكومي .
ان عملية الإصلاح ليست بالأمر السهل ، ولا يمكن ان يتحقق اي نجاح او تغيير في المؤسسات الحكومية ما لم تستجب الحكومة لتوجيهات المرجعية الدينية ، والتي بالتأكيد مثل هذه التوصيات تصب في مصلحة العمل المؤسساتي ، وإصلاح المنظومة السياسية وسيكون احد اسباب تطور العمل السياسي والمشروع الوطني عموما، كما ان من الضروي تظافر الجهود جميعاً من اجل إنجاح عملية الإصلاح والتغيير على ان لا تكون سبباً في التسقيط السياس والنيل من الخصوم ، بل يجب ان تخضع لقواعد قانونية. ومهنية ، دون ان تكسر بنود الدستور العراقي ، او ان تغيير جوهره ومضمونه ، كما يجب على الحكومة العراقية ان تسعى الى تحقيق مطالب الجمهور ، وتنفيذ وعوده التي قطعها على نفسه سواءً في برامجهم الانتخابية ككتل سياسية او من خلال اعلان الورقة السياسية والتي على اساسها شكلت حكومة العبادي ، لان الواقع الامني والسياس ي لايتحمل مثل هذه التقاطعات وركوب موجة التظاهرات واستغلال الجمهور بما يحقق الغايات الحزبية او النيل من الخصوم ، لان الساحة السياسية ملتهبة وتأثرت كثيرا بالواقع الامني المتدهور ، والذي سيحكم المتغيرات على الارض .
https://telegram.me/buratha