قاسم العجرش
في ذاكرتكم أن نتاج التوليتارية البعثية كان توزيعا عادلا للقمع والفقر على جميع فئات المجتمع، وفي أوساط تلك الفئات بنت الشمولية تشكلات تنفذ مهاما لصالحها، غير أنها ابقتها بحجم محدود، مثل حبات الرمل لا يربط بينها رابط سوى المكان صار مجتمعنا، لا قوى ذاتية تحركه، فقواه بلا حول أو قوة، القوى الخارجية وحدها هي القادرة على الفعل، والفعل هنا لمصلحتها وليس لمصلحتنا بالتأكيد، ولم تكن قط بديلا عن سلطته، بعضها فقط تلك التي أفلحت أن تكون جزءا من السلطة بعد أن نالت شهادة حسن السلوك، فغدت بنى موازية لبنى السلطة، وفي كل مستوى تقريبا كان عند النظام أذرع غير ذراعه الرئيس (التنظيم الحزبي)، كان عنده زعماء عشائر ورؤساء طوائف وخطباء مساجد ودعاة من كل المذاهب، وكان عنده شيوخ عشائر جدد ومعظم القدامى أيضاً، ورؤساء غرف الصناعة والتجارة ورؤساء وأعضاء النقابات والأتحادات، وقادة أحزاب كاريكاتورية صنعها هو، ومعظم الموظفين العموميين، المديرين العامين والوزراء ورؤساء أجهزة الأمن والشرطة وقادة الوحدات العسكرية، ومدراء المدارس، وقادة الفرق الرياضية وأندية الشباب، كانوا جميعا يعملون ضمن منظومة متكاملة، يقومون في آن واحد، بنقل قرارات القيادة (الحكيمة) وتوجيهات (الحزب والثورة) إلى رعاياهم وتابعيهم ومريديهم وجماهيرهم ومرؤوسيهم، يقومون بتعبئتهم وتحشيدهم للمشاركة في "الأعراس" والمهرجانات والاحتفالات والمؤتمرات والمسيرات... تتذكرون العام 1982 ففيه جرى الأحتفال بذكرى أنقلاب 17تموز ليلا، عند الساعة الثانية بعد منتصفه، كان الجو حارا جدا في النهار، وأجبر طلاب المدارس والطالبات على المبيت ليلا في شارع مطار المثنى، فقد ضبط ذراعا النظام الرئيسي والثانوي حركة الناس على وفق ما يرغب النظام وعلى إيقاع حركته، فرقصوا معاً على قرع طبولها حتى الصباح، وكانت لتلك الليلة نتيجة واحدة هي تمزق المجتمع، ولم يتمكن الآباء والأمهات الخيرين من الأعتراض على مبيت أبنائهم وبناتهم خارج البيوت في تلك الليلة، والخيرين فقط منهم قاموا بمصاحبة بناتهم في الأحتفال ...ورقصوا معهم ومعهن مرغمين! ، مع أولئك سنتصالح! بمعنى أصح أن المجتع لم يتمكن من الدفاع عن ذاته، وبالحقيقة فقد بوصلته، وبفقده البوصلة مزققته الرياح القوية، تمزق المجتمع العراقي أشلاء، ولم يكن هناك مثل أبراهيم النبي يدعوا الطير اليه يأتين سعيا، فزمن المعجزات قد ولى، وبديهي أن النظام الشمولي لا يحيا أو يقوم ولا يستمر إلا على أشلاء المجتمع، الشمولية والنظام الأجتماعي المستقر لا يعيشان على سطح واحد، فكان لا بد من تفكيك المجتمع، وهذا الذي جرى بالضبط، كانت عملية تفكيك أعقبتها عملية تذرية المجتمع، لقد تعطلت آليات دفاع المجتمع عن ذاته تماما...سلام
https://telegram.me/buratha