أعجبني تصريح النائب فؤاد الدوركي الذي كنا نعرفه باسم أبي سجى وهو يقول بان دولة القانون تمتلك 200 صوتاً في البرلمان من أجل ترشيح المالكي، ومصدر العجب ليس لأن الدوركي هو الذي صرح بذلك، ولكن العجب والدهشة مبني على طبيعة نظرة هؤلاء للناس بل كيف ينظرون إلى أنفسهم، والدوركي لم يثر استغرابي سابقاً بنظرته المتعالية على كل احد اللهم إلا ان يكون من الحزب الميمون، فهو من دعاة العامل الواحد الفرد الصمد في تفسير الأشياء، والمؤمنين بكل فلاسفة التاريخ الذين تحدثوا عن أثر العامل الواحد حصراً غاية ما هنالك إن فرويد تحدث عن الجنس كعامل واحد، وسارتر تحدث عن الحرية كعامل واحد وماركس تحدث عن المادية بعنوانها عاملاً واحداً، وفولفيردو تحدث عن المكان والجغرافية كعامل واحد في تفسير التاريخ، وأخونا تحدث عن الحزب الميمون بعنوانه العامل الواحد في كل شيء، حتى أتذكر إنه هتف في أذني مرة عام 1984وقال لي: أتعجب انك تصلي؟ قلت له: ولم العجب؟ قال لي: أنت لست في الحزب وصلاتك تكون محل إشكال عندئذ!! وقبل أن يستشيط القارىء ويستسلم لعواطفه ولأن هذه القضية وغيرها تحتاج إلى دليل والناس لم تك تأخذ هذه الأمور بعين الجدية، بل كانت تعتبرها مجرد منابزة حزبية، فلقد كنت آنذاك من حزب الحفاي الذين يعملون من أجل مسيرة آمنّا بها ونحن في غياهب السجون وقبلها يوم أن كانت السياط اللاهبة تنزل على كل منطقة من أجسامنا في أمن النجف ثم في الأمن العامة، ومن شدة إعجابنا بهذه المسيرة كنّا نتغنى أثناء التعذيب بما رواه لنا السيد محمد بحر العلوم في كتابية: بين يدي الرسول الأعظم (ص)، ومن مدرسة الإمام علي (ع) وكنا نردد: يحسين بضمايرنا دون أدنى شك بأحقيتنا، وحينما رحلنا إلى أقصاب الاهوار وبرديه بعد توقف 4 سنوات في سوريا رحلنا مقتنعين بأن هذا الدرب يستحق ولذلك خرجنا حفاة لا نلوي على شيء اللهم إلا الكلاشينكوف والطلقات التي بأيدينا، ورأينا دماء اخوتنا تسيل وهم فرحين برحلتهم إلى عالم الملكوت، وتعاهدنا مع الجرحى باننا لن نتخلى عن الدرب مهما كان الثمن، وفاضت أرواحهم وبقينا وكلام علمائنا في التمييز بين مجاهدي الفنادق ومجاهدي الخنادق هي التي تصبّرنا بأن الوعي بحقيقة هؤلاء سيؤتي ثماره في يوم ما، ولم نك نطلب أي مطلب لأنفسنا، وكل ما كان يشغل بالنا عملنا بالتكليف الشرعي، أما أخونا الدوركي فلقد استمر في الحزب الواحد الأحد قبل أن يهجر سوريا، وحين عاد إلى كربلاء لم اجده قد تغير عما كان عليه سابقاً، ولهذا كان مورد عجبي، فالناس يتطور وعيها بمرور الأيام والسنين، وكلما مرت بتجربة كل ما ازداد وعيها بكل ما يحف بهذه التجربة، ويبدو لي إن التصريح هو الذي أكد لي إن صاحبنا لا زال عما كان عليه سابقاً، فهو يتحدث عن 200 نائباً جاهزون للتصويت إلى المالكي، وفي الواقع يحتار المرء فمرة يقولون إنهم 145 وأخرى يقولون إنهم 200 وإن كان الأكراد لم يحسموا موقفهم فمن أين جاء هذا العدد الزائد، صحيح إنه الدوركي أبلغ في الاجتماع الحزبي إن المؤيدين هم 200 نائبا، ولكن العالم خارج هذا الاجتماع كله يتحدث عن إن الأصوات التي كانت هي في تناقص، فمن الواضح إن تصريح الصدريين عن حكومة الشراكة ورفضهم لحكومة الأغلبية تجعل تصويتهم في البرلمان مورد شك كبير خصوصا مع حكاية المهلة التي مددت إلى نهاية يوم الاحد القادم، والحقيقة فإن دولة القانون لوحدها الآن تستطيع أن تتحدث عن رقمها ولكن الأرقام الأخرى كلها تنتظر وتحسب وتراقب إلى أين تميل الكفة، خصوصاً وإن الماراثون يكاد يشارف على نهايته، فمن أين جاء الدوركي بهذا الرقم؟ أنا أعرف فالرجل يجب أن لا يظلم فلقد تربى على أن لا يسمع إلا من الحزب، وأقوال الحزب معصومة لدى من يرى عدم صحة صلاة الرجل حينما يكون خارج الحزب!! بل يتعجب من صلاته فأي صلاة لها قيمة خارج الحزب؟!!! ولا أدري لم ذكرّتني حكاية ال200 هذه بقصة ذلك التلميذ الذي سأله المدرس أن يذكر خمسة طيور فبدأ يعدد: النسر والحمامة والعصفور والبلبل والفيل، فانصعق المدرس وقال له مستفهما: الفيل؟ فقال له الطالب بتأكيد: نعم الفيل، فقال له: يا ملعون الوالدين اللي قال لك إن الفيل يطير؟ قال: السيد القائد. فأسقط ما في يد المدرس فقال له: بلى هو يطير ولكن يطير ناصي!! فالجماعة يسيرون بآذانهم وأسماعهم وأبصارهم وفق المقاسات الحزبية، فلقد أعاروا للحزب كل شيء بما فيها عقولهم، والحزب مصر على إن الفيل يطير ولكن ناصي!! ولعلكم تجدون في قولي هذا مجرد تهكم، ولكن حسبي أن أشير إلى الأخوة أن يراجعوا كراس العمل الحزبي ليجدو الحزب لا ينظّر لأفراده فحسب، وإنما ينظّر حتى للمرجعية والاجتهاد، فالمجتهد لا يكون كفوءا إلا إذا انتمى للدعوة، ولا تصح حركة الأمة والمرجعية إلا إذا كانت الدعوة هي الرابط بين الأمة والمرجعية، فلا مرجعية مع الأمة بلا الدعوة، ولا أمة مع المرجعية بلا الدعوة، ولهذا من حق الدوركي أن يتحدث برقم ال200 حتى لو كان كل العالم يتحدث بخلاف ذلك.
ملاحظة إلى الأخ الكريم فائز علي من كربلاء المقدسة
أولا: هناك فرق كبير بين المنظومة الفكرية وبين أساليب الأحزاب وأعمالها، فلا يوجد لدينا كشيعة لأهل البيت ع إلا التشيع كمنظومة فكرية، وكل الأعمال بمقدار ما تقترب من فكرهم وتجسده هي تمثل التشيع وبمقدار ما تبتعد هي تفارق التشيع.
الثاني: لم أشرّق ولم أغرّب في الحديث ولم أذكر الجهاد الذاتي وإنما أردت أن أذكّر بتاريخ كان حافلاً بالمعاناة والتضحيات اصطبغت فيه الدموع والجراح والصرخات بمسحات من الأمل كانت ترتسم في آفاق المجاهدين آنذاك وما كنا لنتخيّل في يوم من الأيام ـ وهو عدم وعي منا حقيقة ـ من سيركب على أكتاف المجاهدين والشهداء ليصادر مسيرتهم ولا يعطيهم شيئا وإن أعطاهم فعلى طريقة المجرم صدام حينما كان يتحدث عن الشعب العراقي الذي لم يكن يعرف لبس النعال إلا أن علمه صدام لهم!!
الثالث: كل العيب في أن يغلق الإنسان تفكيره وعيونه وأسماعه ليكتفي بما يقوله له الآخرون، خصوصاً إننا نتوسم بنائبنا ان يكون ممثلاً لأهل كربلاء، فإذا كانت الداية على هذه الشاكلة بالله عليك قل كيف ستكون النهاية؟
الرابع: لم أنتم في يوم من الأيام لحزب من الأحزاب لأني لست حاضراً لأقف بين يدي الله لأتحجج له بحجج انتهاك الحرمات بانها أوامر الحزب أو الحركة أو ما شاكل، وقد زادتني تجربتي مع الأحزاب يقيناً بأن نصرة المؤمن أعظم من حرمة الحزب، وخذلان المنافق أكبر من تعظيم الحزب.
واسلم لأخيك الجابري
https://telegram.me/buratha