حسن الهاشمي
ما يزال العراق يعاني من صراع القوى الإقليمية والداخلية ولا سيما أنه خرج منذ سقوط الصنم في نيسان 2003م من سلطات مركزية قاتلة طيلة قرون متمادية من الزمن الغابر، ولم يتذوق شعبه طعم الحرية وإبداء الرأي إلا بعد السقوط حيث شهد قفزة نوعية من المشاركة الشعبية في تقرير المصير وانتخاب القيادة عن طريق صناديق الاقتراع بعيدا عن سلطات الخلافة والسلطنة والملوكية والديكتاتورية التي جلبت على البلاد ومازالت تداعياتها تجلب عليه الدمار والويلات والفقر وانعدام الخدمات وتكميم الأفواه والأفكار، ولعل الشعب مازال يرمق ومض الخلاص في سماء العراق المدلهمة التي خيمت وجثمت عليه تلك الدهور الثقيلة التي لم يلمس فيها طراوة الحياة الحرة الكريمة ولم يتذوق فيها طعم الكرامة والعيش الرغيد السمح بين أبناءه من دون تمييز طائفي أو عرقي أو قومي، ولا زال يطمح أن يعيش كل أبناءه سواسية كأسنان المشط لا يفرقهم سوى القانون ولا تميزهم سوى العدالة في الحكم وتوزيع الثروات وإتاحة الإمكانات للجميع كل حسب طاقته وكل حسب ما يملكه من إبداعات ومواهب تؤهله لخدمة المواطن والوطن. ومع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية في شهر آذار المقبل من هذا العام، يتوقع المراقبون أن يضاعف الإرهابيون عملياتهم الإجرامية، والهدف من وراء هذه الأعمال الإجرامية ليس زعزعة الوضع الأمني وإيصال المواطن إلى حالة فقدان الثقة بالأجهزة الأمنية وصرف رغبته عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية القادمة فحسب، وان كانت هذه من جملة الأهداف المنشودة لهؤلاء المجرمين، بل هناك هدف أعمق واكبر، ألا وهو إسقاط العملية السياسية والديمقراطية برمتها والعودة بالعراق إلى الوضع الدكتاتوري المقيت وسلطة الحزب الواحد القمعية وتغييب إرادة المواطن العراقي، وهنا هو مكمن الخطر الفادح الذي ينتظر المواطن إذا ما تهاون إزاء ما تحاك ضده من مؤامرات من قبل الأعداء الذين يتربصون به دوائر السوء والعدوان والمنكر والسقوط نحو مهاوي الذل والإذلال والفساد والفقر المدقع والخراب الشامل الذي يضمره الحاقدون للانتقام من الشعب التواق إلى التحرر من الأغلال الحاقدة المتربصة به من كل حدب وصوب. بعد أن استطاع الشعب العراقي أن يحقق ويرسخ إرادته واختياره في تحديد من يحكم البلاد، وبعد نجاحه في كتابة الدستور، وبناء دولة المؤسسات الدستورية، وبدأ ينهض لتطوير بلده وتعميره، ومن خلال ذلك أبعد الشعب العراقي عن نفسه شبح الانقلابات العسكرية، ووضع لنفسه نظاما للتداول السلمي للسلطة، واستطاعت الكثير من شرائح المجتمع العراقي أن تنال شيئا من حقوقها، وصار للمكونات السياسية المختلفة من أبناء هذا البلد مشاركة واسعة في السلطات الثلاث، فإن العمليات الإرهابية تأتي لكي تقضي على العملية السياسية برمتها، وحرمان الشعب من المكاسب التي حققها في غضون السبع سنوات المنصرمة. وأنه وبالرغم مما مر به من محن وآلام ومتاعب ومصاعب يعلم هو قبل غيره أن أس البلاء في ذلك كله هم أتباع النظام السابق بالتنسيق مع التكفيريين، الذين لم يألوا جهدا خبيثا إلا ويبذلوه بمعية الدول الديكتاتورية الشمولية في المنطقة الذين شهروا سلاحهم جميعا بوجه الشعب العراقي لا لذنب ارتكبه سوى أنه قرر أن يعيش حياة حرة كريمة بعيدة عن وصايا البغاة من الحكام الظلمة، ولكنه صار مهبا لرياح عاتية جاءته من دول الجوار اللئيمة، فتارة كانت تحمل بين طياتها سموما سياسية وأخرى طائفية وثالثا أطماعا توسعية وهكذا دواليك تعددت الأسباب والموت الزئام الذي يتجرعه الشعب العراقي الصابر ضريبة لاختياره الجريء هو واحد والمأساة واحدة والدمار واحد، ولكن نتائج الصبر والصمود تكون عادة حلوة لاسيما إذا ما حملت بين عاتقها جذوة الكرامة والعدالة والمشاركة الشعبية في تقرير المصير، فإنها أمور جوهرية يسترخص الشعب من أجل تحقيقها كل غال ونفيس.صحيح إن هناك بعض السلبيات التي رافقت العملية السياسية، ولكنها طبيعية بالنسبة للوضع الذي يمر به الشعب العراقي..حيث انتقل دفعة واحدة من حكم دكتاتوري إرهابي، إلى وضع ديمقراطي أتيح من خلاله لأبناء الشعب العراقي أن يرسم بإرادته ملامح النظام السياسي الذي يحكمه، واستطاع من خلال ذلك أن ينال قسطا كبيرا من الحرية والتعبير عن رأيه وأفكاره، من دون مصادرة من قبل طاغوت ومن دون إملاء من قبل مستعمر حاقد أو منافق مغرض أو جاسوس باع ضميره ووجدانه لأجنبي وعدو بأبخس الأثمان. فالعراق اليوم يسير نحو الديمقراطية وسيادة الشعب وتحكمه في مصير البلاد، وإقبار الديكتاتورية من دون رجعة من قاموسه السياسي، فالأهداف عندما تكون عظيمة والتأسيس عندما يكون جوهري ومتأصل، فإن الضريبة التي ينبغي أن تدفع حيال تلك الأمور الجوهرية كبيرة لأن هواجس التغيير والمحاسبة للظالمين باتت تطرق أبوابهم وهي ظلت أشباح تؤرق ليالي الظالمين وتقض مظاجعهم وهم في عقر دارهم، فبدأوا يتخبطون لقلب الطاولة على اختيار الشعب لتلك الطريقة غير المألوفة في مناطقنا العربية والإسلامية لئلا تصاب شعوبهم برياح التغيير، ولهذا فليس من الغريب أن نرى تلك المؤامرات تحاك الواحدة تلو الأخرى ضد شعبنا الأعزل، ولكن الغريب أن يلين الشعب حيال تلك المؤامرات وتخور عزيمته!!. فهي معركة بين الذل والعزة بين الظلم والعدالة بين الشقاوة والسعادة، والغلبة لمن صبر وصمد واستقام وهي أقرب لأهل الحق من أهل الباطل، ولعل الخالدون هم الذين يحملون شرف الذود عن حياة العز والإباء ولا يرضون لأنفسهم أن يعيشوا حياة الذل والهوان التعس، فالشعب العراقي بات يؤمن برسالة الحرية والعدالة وهي طالما كانت محط تضحيات العظماء في التاريخ، لذلك فهو يتحمل متاعب الإرهاب كافة للذود عن رسالته الخالدة من أن يمسها أي نوع من أنواع الانتهاك، لأن فيها حياة العز والإباء وهي حياة راقية لا تتأتى بالبطر والاسترخاء وإنما تتأتى عادة بالصبر ورباطة الجأش والاستقامة.
https://telegram.me/buratha